| محليــات
اليوم... وتباشيرُ زخّات الغمام تحيط جوف النَّفس... برهجة ذكرى... كنتُ فيها إليكِ، وأيام فضيلات تأتي كما لا تأتي الأيام الأُخر...،
ثلاثون يا نوَّارة في خزينة العام الواحد لها نَبْعُ النَّبْع بين ركض الرَّكض في ثلاثمائة وخمس وسبعين مثيلاتها، وليس مثيلاتها...
كان لهذه الثلاثين عندكِ لونٌ قُزحيٌّ لا تبدده أحزان الضائعين، ولا تغسله دموع الحيارى، ولا تطمسه دكنات المتجاوزين...
ثلاثون كان لها عندكِ احتفالٌ وجدانيٌّ عامرٌ بالفرحة، معمَّقٌ بالتَّرقُّب...، يَقِظٌ فيه حدْسكِ...، يقينيُّ فيه قلبكِ...، خالٍ فيه ذهنكِ إلاَّ من التفكير في كيْفِيَّة هذه الثلاثين تمرِّين بها...، وتقضي معكِ لحظاتها...، وثوانيها...، ودقائقها...، وساعاتها...، ....
نوَّارة...: كيف تحتوين برَّبكِ كلَّ هذا التَّكتُّل في داخلكِ؟...
منكِ عرفتُ زخم الغيمات في جدار الجوف كيف يترك لوعة الحنين ، وشوق التّحنان...،وكيف تتكوَّن به مدارات المدار في لَهف التِّوجُّس...، كيف يستوي العطاء بقدر الإحساس..، ومنكِ عرفت كيف يوظَّف الإحساس خطاً لسير الفعل في سلوك الجوارح... واللسان...،
ومنكِ... لهذه الثَّلاثين احتفاء الحسِّ...، واضطراب الوجد...، وحركة الخاطر... يا نوَّارة...
كيف تأتي هذه الثلاثون بعدكِ؟...
آهٍ وكيف إن علمتِ عن جروح الصدور...، وإيغال الضَّياع بين أقدام العابرين في مساحات الأرض...، و... فتور النبض في دواخل الذين يحركون عيونهم فوق خارطة المدى البشري، فلا يجدون الإنسان.. فيبكونه...، وأنتِ كنتِ كلَّ الإنسان هنا، هناك، فيما بينهما...
ألا تذكرين حين رمَّزْتُكِ فوق الخارطة... ورسمتُ حولكِ كلَّ شيء؟...
أذكر يومها حذَّرْتِني من فعلِ مثل هذا....
قلتِ يا نوَّارة: إنَّكِ تخافين عليَّ فعلاً مثل هذا...!!
ذلك لأنَّكِ تؤمنين أنَّ زمن المثيل لم يعد تلوح له في تلك اللَّحظة بارقة وجود...،
وجاء مستقبل اللَّحظة التي عنيتِ...، وغدا الآن حاضراً أمامي...
ولم أجد سواكِ في الخارطة...،
لم أتمكَّن من التقاطِ المثيل...، فتذكّرْتُ تحذيركِ...
غير أنَّني لم أفقده، فهو أنتِ...، وطالما أنَّكِ في خارطة مساحاتي، فسوف تظلين الرمز...، والبوصلة...
آهٍ يا نوَّارة والثلاثون قد نزلت بنا...، وضربت خيامها، وامتشق عودها صلباً أمام النور... في الفجر...، والسَّحر...، والغروب...، والضحى...، وفي العصر والمساء...
والناس تفض حبات التَّمرْ... وتجمع النَّوى بين أصابعها... في راحة الكفوف...
لن َتجِدَ النخيل يزهو فوق هذه الكفوف...،
ولن تخضَّب الحنَّاء جلدها بزهرة السِّدْر...،
ذلك لأنَّ الخارطة على مساحة المدى...، وأبعد عنه...، وخلفه...، قد شقَّت لهذه الكفوف مسارب الانهمار...
وسوف أصِّدح بدموعكِ...،
وأرتِّل بحروفكِ...، وسوف أرسلُ هذا الصُّداح... بكلَّ حرفٍ منكِ إليهم...
كي أغسلَ شيئاً من الدَّكَن الذي أرسلته مسحةُ المساحات في مجال رؤاهم وما خلفها...، وما فيها إلى صدورهم...
ولسوف أمنحهم فرصة النظر إلى خارطتي كي يروكِ رمزاً يمحو عنهم ألم الحقائق التي يعيشون...
ولسوف أدلُّهم إلى كيف يحتفون بالثَّلاثين مثلكِ...
ربَّما تنبت فوق أكفهم بذور النَّخيل.
ربَّما...
ربَّما...
|
|
|
|
|