| محليــات
أتوقع أن يكون قراء اليوم أقل من المعتاد لأن معظم الناس في حالة طوارئ قصوى، فالأيام الأخيرة من شعبان من كل عام أيام حاسمة ودقيقة وتحتاج منا جميعا إلى تركيز. فنحن نعيش في عالم مصطخب ومليء بالتطورات لا يسمح لنا بالركود والتكاسل.
تحدثت يوم أمس الأول عن أهم الثوابت: السنبوسة واللقيمات وشراب التوت وهذه ثوابت تكاد تكون أزلية ولا يمكن المساس بها لا من بعيد ولا من قريب. وقد برأت ذمتي عندما طرحت بعضاً من جوانب التهديدات الداخلية والخارجية التي قد تؤثر على هذه الثوابت والعياذ بالله. ولكن مما يثلج الصدر أو على الأقل يبرده شوي أو ربما يحطه في زير أو قربة، أن الصحافة المحلية بدأت بالفعل تطرح وتعالج القضايا الهامة بشكل صريح ومفتوح بحيث تشجع تبادل الرأي في كل ما يمس هموم المواطن. رغم أن هذا ليس موضوعنا اليوم إلا أن التذكير به واجب بهدف إعطاء كل ذي حق حقه. ومن أهم جوانب إحقاق الحق هو الإشادة بشجاعة رؤساء التحرير في صحفنا المحلية الذين فتحوا صدورهم للرأي والرأي المضاد بكل حيادية ونزاهة حتى أن بعضهم صار يداوم بثوب بلا أزارير حتى يكون صدره مفتوحاً دائما. وفي هذه المناسبة ومن باب إحقاق الحق أيضا أشير إلى أنني لست الكاتب الأول في المملكة الذي تحدث عن كارثة السنبوسة أو مستقبل اللقيمات. فقد سبقني وشاركني كثير من الزملاء الكتاب وأساتذة الجامعات وإذا لم تخني الذاكرة أتذكر أن مثل هذه القضايا الخطيرة سبق وأن طرحت في النوادي الأدبية وبعض المهرجانات الدولية التي شاركت فيها المملكة بوفود ثقافية. وإذا كنا نتمتع بكل هذه الحرية مع الثوابت فمن باب أولى أن تكون الحرية أوسع وأرحب مع المتغيرات. من المعروف أن الأيام الأخيرة من شعبان والأيام الأولى من رمضان حساسة في كل ما يتعلق بالمتغيرات. ففي هذه الأيام تتقرر الأشياء التي يريد تجارنا الأفاضل إضافتها إلى موائدنا مثل الحلويات والأشكال الجديدة من المكرونة وأنواع الرز المستجدة والشوربات بل والنكهات والبهارات. كما يطرح إخواننا التجار «مشكورين» الجديد من الأواني المنزلية والأجهزة الكهربائية المتعلقة بالمطبخ والمائدة. فمن غير المعقول أن تفرم ربة بيت عاقلة البصل بنفس السكين أو الفرامة التي استخدمتها في العام الماضي. أو أن تشرب الشوربة في نفس البوادي عاماً بعد عام. فالعالم يتغير ولا بد أن نتغير معه. والتكرار يجلب الملل ويبلد الإحساس والذي لا يتقدم إلى الأمام يتراجع إلى الوراء. وقد لاحظت في جولتي التي حدثتكم عنها يوم أمس الأول أن هناك ثورة خفية في عالم المطبخ الرمضاني وعلينا أن نكون مستعدين لها ماليا ونفسيا. ويجب ألا تكون استعداداتنا تقليدية أو مبنية على معطيات الماضي وتجاربه. فكثير منا مع الأسف ما زال يتصرف على أساس أنه سوف يتجول بعد العصر أمام مطاعم الحلة أو شارع جرير في الملز ليقف أمام تلك الصحون الكبيرة المعروضة على الرصيف والمملوءة طرمبة وحلوى مشبك وبسبوسة ولقيمات غارقة في الذبان والسكر. وتحت ضغوط الجوع وسعابيله التي تنزف بغزارة يصرخ في «أبو يمن» «لو سمحت حط لنا كيلو مشبك واثنين كيلو بسبوسة وكيلو...» علينا أن نعرف أن هذا ما زال موجودا ولله الحمد ولكن عصر الدجتل أيضا تغلغل في موائدنا. حتى أصبح البيبسي ينافس التوت والسفن أب ينافس قمر الدين أما الهامبورغر فلم يعد مستنكرا في السحور. من حق تجار هذه المأكولات الغربية والبضائع الأمريكية أن يكون لهم حضور فاعل على موائدنا أسوة بإخواننا الأشوام واللبنانيين. وهذا يعد أهم خروج من المحلية والقومية إلى رحاب العالمية ودليل قاطع على الشوط الكبير الذي قطعناه في مسألة العولمة.
أكتب هذا المقال ومؤتمر الدوحة حول تحرير التجارة العالمية ما زال معقودا وبالتالي لا أعرف هل ناقش المؤتمر إمكانية عولمة اللقيمات كما عولم الأمريكان الدونات؟ فكما نأكل الدونت في رمضان يجب أن يأكل الأمريكان اللقيمات في الكرسمس. والبادئ أظلم.
Yara4me@yahoo.com
|
|
|
|
|