يعد الأستاذ عبد الله الجشي من رواد الحركة الأدبية في المملكة والخليج فقد تناول شعره الكثير من الباحثين والمحللين نتيجة لاسهاماته المتميزة على الساحة الأدبية شعراً ونثراً وقد تولت مجلة العرب التي كان يصدرها المرحوم علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر نشر انتاجه سنين عديدة. والشاعر من مواليد مدينة القطيف سنة 1926م حيث ترعرع فيها ثم غادرها إلى العراق حيث أكمل جزءا من ثقافته هناك وبعد عودته منها سنة 1948م ساهم في ايجاد التربة الخصبة للأدب الجديد في بلاده وبقي معظم انتاجه محفوظاً حتى تم أخيراً طبع جزءين صغيرين منه. ترجع تجاربه الشعرية إلى بداية الاربعينيات الميلادية من القرن المنصرم عندما نظم قصيدة يصور فيها زورقاً يجري في نهر دجلة وهو يحمل بعض العرائس ومنها هذا البيت:
يسير وللمجداف في النهر همسة
كما تهمس القبلات في المبسم الذري
ويعتبر الجشي أول من صاغ الشعر الملحمي بمنطقة الخط وسجل مآثر أبناء تلك المنطقة في قصائد تنم عن اطلاع واسع فدون ملحمته الخالدة في تاريخ الخليج العربي منذ حقب بعيدة حتى عصرنا الحاضر. انجز منها قرابة 500 بيت، كما أنه شاعر واسع الخيال لا يقف عند ما يراه بل يتعداه إلى أزمان بعيدة فعن وصفه مدينة دارين مثلاً سرعان ما قفز به الخيال إلى تلك الحقبة الزمنية إلى عهد سرجون الثاني ذلك الملك الآشوري الذي كان نفوذه ممتداً إلى هذه المنطقة قبل 4500 سنة.
تهادى بها أمواجه مثل درة
تهاوت بها الأصداف من عهد سرجون
والجشي شاعر موهوب وطني يرى الكون كله ممثلا في مياه بحر وطنه مداً وجزراً ارتفاعاً وانخفاضاً في حين أن حبه لهذا الوطن يبقى دوماً في حالة المد لا يقبل التراجع مهما قست الظروف وبعدت المسافات.
بلادي كم غنيتها بروائعي
وأهديتها قلبي وأغلى قرابيني
يرف هواها في جفوني خمائلاً
ويجري لهيباً صاحباً في شراييني
كما أنه يرى أن هذا الوطن مصدر اشعاع وميراث عز وحضارة ودليل مادي على حضارة قامت على هذه الأرض ومدت جذورها عبر التاريخ فهو أكثر من قصة تكتب أو نشيد يغنى:
هذي بلادي وهي ماض عامر
مجداً وآت بالمشيئة أعمر
ألقى عصاه على فسيح جنانها
وعلى الجزائر عالم متحضر
وأقام فيها نهضة عملية
بالعلم تسندها العقول وتنصر
ويجيد شاعرنا الوصف بدقة متناهية ويشهد له بالبراعة في تصوير المرئيات وعرضها بألوان خلابة:
وقد نقط الفيروز اثداء نخلها
وسال رحيقاً شهدها في العراجين
ولاحت بأحضان الدواليب دورها
كسرب حمامٍ جاثم بين شربين
أما عندما ننتقل إلى لغة الدموع فإن شاعرنا يتحفنا بهذه الأبيات التي تنساب رقة وجمالاً وعاطفة ووجداناً وايقاعاً وموسيقى توحي عن حساسية شاعرنا فقال:
خلي الدموع من الجفون تحدر
ما للدموع سوى خدودك منبر
هذه الدموع رسائل نثرية
ظلت مع الأزمان قولاً يؤثر
أغلى اللآلي ما ترقرق ضوؤه
في كل وجه كالمرايا يبهر
لو يجمع الدمع الشفيف لصنته
في خاطري ان لم يصنه محجر
وفي سنة 1947 نظم الشاعر قصيدة ينبه فيها إلى الأخطار المحدقة بالأمة العربية في فلسطين محذراً من وقوع الكارثة ومذكراً بمأساة الأندلس قائلاً:
أرى رعيلاً من الأخطار داهمنا
وما لدينا سوى أن نكثر الخطبا
الوضع ينذرنا شراً اذا ذهبت
صبحاً (فلسطين) ودعنا ضحى حلبا
يا نكبة جددت مأساة أندلسٍ
وصدعها بعدُ حتى الآن ما رؤبا
عظمت من نكبة ضج الزمان لها
نصب العيون بها الإسلام قد نكبا
أما قصيدته (عروسة البلقان) فانها تعد من روائع القصائد التي قيلت في مأساة البوسنة والهرسك وهي تفيض بالإحساس المأساوي وتبرز كوثيقة انسانية تدين الممارسات الوحشية التي تعمدها المعتدون الصرب ضد السكان المسلمين فيها.
ولكم تسألني بها قيم
أو هكذا الإنسان يحتقر
الرفق بالإنسان شرعتهم
لكنهم بحقوقه نكروا
أو في الصناعة ما يشرفها
ان كان في ابداعها الضرر
كان التقدم من ذرائعهم
أو بالتقدم ينحر البشر
هذه مقتطفات سريعة جداً من شعر الجشي نقدمها للقراء بمناسبة تكريمه الذي يقام قريباً وسوف يبقى شعره رمزاً يخلده على مرور الأيام.