أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 13th November,2001 العدد:10638الطبعةالاولـي الثلاثاء 28 ,شعبان 1422

عزيزتـي الجزيرة

ذاك الباكي هو أنا!
كل هذا بسبب الحوادث المرورية
هذه الدمعة التي عصرت مشاعري وأضعفت قواي وتشكلت في أضعف خلق الله إنساناً ثم عملت سحابة وغشاوة في طبقات عيوني لتخرج كدمعة حارة أحرقت وجنتيّ وقبلها قد عصرت وألهبت قلبي وجعلته بركاناً هائجاً داخل صدري، انفجر هذا البركان الثائر على شكل دمعة حارقة..دمعة حزينة ألهبت مشاعري وزادت حزني وأوهنت قواي التي هي أصلاً واهنة.
ولا أدري هل هذه الدمعة الحارة الحارقة قد تحولت إلى حمراء دموية لأني لم أعد أرى.. أصابني العمى من هول ما رأيت.
نعم قد تكرر أمام ناظري هذا المنظر الحزين، هذا المنظر الذي ألهب القلوب.. هذا المنظر الذي يتّم أطفالاً أبرياء لا حول لهم ولا قوة، هذا المنظر الذي رمّل نساءً في عمر الزهور، هذا المنظر الذي أوهن كاهل كل شيخ كبير وأم حنون وعصر قلبها حزناً وألماً وجعل كل لبيب يفكر فيما يحدث!
نعم هذا المنظر الذي رأيته مرات ومرات ومتى ينتهي ياترى؟
دمعة الحزن، دمعة الأسى، دمعة الفراق، دمعة الشوق، دمعة واقعنا الذي نعيشه، دمعة الطلب للصحوة والبعد عن هذه الغفلة، دمعة إعادة الحسابات والعودة للحزم، فمن أمن العقاب أساء الأدب... أكيد لا زالت الدنيا بخير وستبقى إن شاء الله إلى الأبد وبهذا سترون هذا الباكي الذي خرجت من عينه هذه الدمعة الحارة، وتسودت هذه الدنيا يوماً من الأيام في هذه العين.
إن هذا الباكي هو أنا الذي رأيت بأم عيني مآسي أناسٍ ألهبت هذه الدمعة مجراها في خدودهم.. هذا الباكي هو أنا الذي عايشت المواقف لأناس يحتضرون ويودعون هذه الدنيا، لا لشيء إلا أن متهوراً نوى أن ينهيهم بهذه النهاية ولا اعتراض لقضاء الله وقدره ولكن الأخذ بالأسباب والحذر واجب.
هذا الباكي هو أنا الذي أعمل في مجال استقبال هؤلاء الضحايا، هؤلاء الأبرياء الضعفاء، هؤلاء المقعدين، هؤلاء المعاقين الذين شكلوا في عيني هذه الدمعة الحارة، هذه الدمعة الحمراء.
كل هذا بسبب حوادث الطرق.. وما أدراك ما حوادث الطرق..
أعزائي الفضلاء.. ليس من سمع كمن رأى، وبحكم أن الله سبحانه وتعالى كتب أن أرى وأتعامل وأخدم هذه الفئة المغلوبة على أمرها وعلى أمر أهلها وأقاربها وبحكم أنني أرى العناية المركزة في المستشفى كل يوم ومسؤول عنها، وبحكم أن الإسعاف والطوارئ يعملان على مدار الساعة، ونستقبل هذه الحوادث المفجعة التي تقض المضاجع، فمنهم من يصل وقد قضى نحبه، ومنهم من يتوفاه الله في هذا الإسعاف ومنهم من يغمى عليه أياما وربما تصل إلى شهور، لا يعلم هل هو حي أم ميت..
ومنهم من بقي له في الحياة باقٍ ويعيش هذا الباقي في ألم وحسرة، يتعذب من آلام هذه الواقعة ويعيشها معه أهله وإخوانه ومجتمعه، ولا تنسونا نحن أهل المستشفى نعيش معهم مآسيهم وآلامهم.. منهم المقعد، ومنهم المعاق طيلة حياته حتى أستطيع أن أقول إن كوباً من الماء لا يستطيع تقديمه لنفسه، ولا تنسوا دور الإخلاء الطبي ومعاناته في نقل ضحايا هذه الحوادث من مستشفي إلى مركز تخصصي آخر.
كل هذا قد يجوز أن يكون غائباً عن أذهان من هم بعيدون عن واقع وعمل المستشفيات، حيث نرى هذه المآسي وأستطيع أن أقول بشكل شبه يومي.. هؤلاء الأطفال المدهوسون الذين انتهت حياتهم في لحظات على يد سائق متهور طائش، قد يكون هذا السائق حدث لا يعقل ما هذه الأداة التي يقودها، ويزهق بها أرواح خلق الله..
هؤلاء الرجال والشبان الذين بفقدانهم نخسر ويخسر هذا البلد أجزاء من عمده.. ويترتب على ذلك تيتيم أطفال وترميل نساءٍ، ورسم ظلال عبوس وألم في وجوه الآباء الشيوخ كبار السن، والأمهات الثكالى..
كم رأيت أمام عيني أباً يتحسر وأماً تجهش بالبكاء العميق.. أرى من خلاله ناراً تلهب في كبدها على فراق فلذة كبدها..
كم رأيت شيخاً كبيراً وأماً عجوزاً يتنهدان على ولدهما، الذي تعبا عليه ليرعاهما في هذا الكبر وقد أفقدهما هذا الحادث الأليم هذا الابن البار.. كم رأيت وكم رأيت...
فهذه الدمعة الحمراء الحارة تعود لعيني مرة أخرى وأخافها ان تعيقني عن إكمال هذا المقال، وهذا شعر رأسي أحسه يريد أن يقف، وهذا قلبي يعتصر ألماً وحسرة على كل أبناء وطني، منهم قريبي ومنهم زميلي، منهم رفيقي ومنهم صديقي، منهم من أعرفه ومنهم شباب بهم بعد الله نحمي الوطن ونبنيه.
فلكل هؤلاء الأموات من جراء حوادث الطرق نسأله جل وعلا أن يدخلهم جنات رحمته وأن يلهمنا وذويهم الصبر والسلوان، وأن يعوضنا ويعوض هذا البلد الأمين خيراً منهم.
فنحن أيها الإخوان بهذه الحوادث وبهذه الأرقام الكبيرة حسب إحصائيات إدارات المرور كأنا نعيش حرباً ضحاياها هم وفيات حوادث الطرق..
ونسأل الله العلي العظيم أن يثبت شباب الإسلام والمسلمين، وأخص بالدعاء شباب وطننا الغالي، وهذه دعوة من أخ لهم عاشر وعايش هذه الحوادث ورأى نتائجها التي تعصر القلوب أن يعملوا كل حساب للطريق ومفاجآته والتقيد بآدابه وتعليمات المرور، والحد بقدر الإمكان من السرعة والتعقل، وإعطاء الطريق حقه، ثم بعد ذلك التوكل على الله، ومن توكل على الله كفاه، وبهذا إن شاء الله يزول لهيب الدمعة الحارة..
وقانا الله وإياكم كل شر ومكروه، وشكراً لجهود دولتنا المخلصة والمتمثلة في حملة التوعية الأمنية، ومنها الوقاية والسلامة المرورية وهي بيت قصيد مقالتي هذه.
وآمل الأخذ على يد كل المتهورين والعابثين بأرواح خلق الله من قبل السلطات المختصة وعدم التهاون في مثل هذه الأمور، فمن أمن العقاب أساء الأدب، والحرص والاهتمام، والحذر من عوارض الطرق، والأخذ بمبادئ ووسائل السلامة، سواء على الطرق أو للمركبة، وتطبيق كل قواعد المرور على الجميع سواسية، وليتعاون الجميع.. فأي سائق يخل قد يودي بحياة أشخاص، والله نسأل أن يدلنا على طريق الرشاد، وعافانا الله وإياكم، وإني مرة أخرى أكتب هذه المقالة من خلال معاناة، وأتمنى ممن يوجد لديه أدنى شك في كل ما ذكر وقيل أن يتفضل مشكوراً بزيارة أقرب عناية مركزة لمستشفى المدينة التي يعيش فيها، فسيجد بالتأكيد أن نصف مرضاها إن لم يكن أكثرهم أو كلهم ممن كتب الله عليهم معاناة حوادث الطرق، هذا مكسر، وهذا فاقد وعيه وبعضهم له عدة أشهر، وهذا معاق لا يستطيع الحركة أبداً، وكل إناء كما قيل بما فيه ينضح.
أحمد بن عجيمان عبدالله آل قاعد
مدير مستشفى الأفلاج العام

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved