| محليــات
** يعيش الإنسان هذه الأيام وسط سيل جارف من الوسائل الإعلامية المختلفة «محطات تلفازية.. إذاعات.. صحف.. إنترنت» وكل وسيلة من هذه الوسائل.. محشوة بالمعلومات اليومية.. بل كل ساعة تتجدد هذه المعلومات.. وتتباين وتتضارب.. ويدخل في دوامة إشكالات وتحليلات وصراعات ومناهج ومدارس ومؤامرات واستراتيجيات لا يدري المتلقي وسطها كلها.. من الصادق ومن الكاذب.. ومن الذي هدفه تقديم معلومة صحيحة.. ومن الذي هدفه خدمة أغراض معينة.. ومن هو الأمين.. ومن هو الذي يبيع لمن يدفع أكثر.
** أما الإنترنت.. فهو الآخر.. عالم لوحده.. مليء بكل شيء.. الصدق والكذب.. والصح والخطأ.. والنافع والضار.. وكل شخص بوسعه أن يدخل هذا الجهاز.. فيأخذ ما يريد.. ويقول ما يريد.. وكان الله في عون المتلقي.. الذي سيجد أمامه.. الغث والسمين.. ليدخل في دوامة أخرى.
** وتطور وسائل الإعلام لهذه الدرجة.. حوَّل الإعلام من وسيلة توعية وتثقيف وتعليم.. إلى سلاح خطير يمكن أن يدمر أمماً وليس أمة.. ويمكن أن ينسف قناعات ترسخت لسنين.. ويمكن أن يشعل حروباً.. ويمكن أيضاً.. أن يغني عن جبهات القتال والدبابات.. لأن الحرب الإعلامية.. قد تغني عن الحرب البرية والجوية والبحرية.
** والإعلام.. صار اليوم.. ليس مجرد قسم في الجامعات.. بل هناك كليات وجامعات للإعلام.. وصار لهذا الإعلام.. أقسام وتخصصات دقيقة.. وله خبراؤه الذين هم أشبه بخبراء الذرَّة أو خبراء الطب.. وصار هؤلاء الخبراء يمعنون في المزيد من الغوص والتعمق.. وصار المتلقي.. أكثر تساؤلاً.. وأكثر خوفاً.. وأكثر ذهولاً.. وأكثر تشعباً.. وكلما زادت جرعات هذا الإعلام الخطير.. زادت التساؤلات وزادت المشاكل.. وزادت العواصف التي تعصف بالبشر.
** ليت هذا التطور الإعلامي الكبير الخطير.. أنهى بعض المشاكل.. بل زادها تعقيداً وتفريقاً.. وشعَّبها حتى تحولت القضية أو المشكلة الصغيرة.. إلى قضايا بل كوارث..
** والمشكلة الأخرى أن خبراء الإعلام سعداء بهذه التنقلات.. ويسعون إلى المزيد والمزيد من تعقيد الأمور.. وجعْل حقل الإعلام حصراً على خبرائه فقط.. وحكراً عليهم فقط.
** في حرب اليوم «حرب أمريكا والإرهاب وأفغانستان» إن صحّت التسمية.. لم يكتف هذا الإعلام بنقل الوقائع والحوادث وأخبار الحرب والسلم.. والمؤتمرات.. ويحلل شيئاً من مضامينها.. بل غاص بنا غوصاً عميقاً.. وأدخلنا في متاهات ودوامة طويلة عريضة من التحليلات المتضاربة المتباينة والتفريعات التي لا يمكن أن تصدق أبداً.
** في حرب الخليج الثانية.. وهي حرب كونية ليست سهلة.. شارك فيها أكثر من «40» دولة.. سواء بالسلاح أو بالحضور أو الرصد أو المتابعة القريبة.. في هذه الحرب.. كان الإعلام حاضراً.. وكان قد بلغ درجة كبيرة من التطور لا يستهان بها.. لكن لم يكن هناك محطات تلفازية كما اليوم.. ولم يكن هناك إنترنت كما اليوم.. لكن الصحافة والتلفاز والإذاعات لم تقصر.. فقدمت لنا التحليلات الخطيرة.. وتعمقت بنا حتى صرنا مسكونين ليس بالخوف فقط.. بل بالذعر.. ولما انقشعت الغمامة.. واندحر صدام... وعادت الكويت وهدأت الحرب.. ووقفت جبهات القتال.. وجدنا أن «90%» مما قاله الإعلام العالمي.. كذب.. وليس له أدنى نصيب من الصحة على الإطلاق.. وكانت المسألة مسألة تجارة إعلام و«حكي يقال».
** الذين تحدثوا في وسائل الإعلام كمحللين.. كان نصيب الصدقية في كلامهم «30%» تقريباً.. والباقي كله أوهام وتخيلات وتهيؤات وهواجس داخل نفوسهم فقط.. فكل شخص ينقل «هواجسه» للمتلقي على أنه حقيقة لا محال لها.. فضعنا وسط «هواجيس» آلاف المحللين.. فأدركنا بعد أن هدأت الأمور.. أن «هواجيسهم» شيء .. والواقع شيء آخر..
** اليوم.. يعود الإعلام مرة أخرى.. ليمارس هوايته بشكل أبشع.. ليدخل المتلقي في دوامة خطيرة للغاية.. ويجعله يحبس أنفاسه.. خوفاً من شيء قالوه أو حذروا منه ولم يقولوه.
** في حرب الخليج.. قالوا لنا إن المنطقة كلها ستحترق حريقاً واحداً من شمال العراق إلى جنوب اليمن.. ومن شرق الهند إلى غرب المغرب.. وسيتحول الناس والعمران والأراضي الى رماد.. وقالوا إن حرباً كونية ثالثة ستشتعل.. لكنها ضعف الحرب العالمية الثانية والأولى «عشرة ملايين مرة» ولم يحدث شيء من ذلك.. بل تم دحر صدام حسين خلال أيام بسيطة ولم يحصل أى شيء غير ذلك.
** إنني انصح المتلقي العادي.. أن يغلق أجهزة الإعلام كلها.. ولا يلتفت لما يقال فيها.. وبالذات عن هذه الحرب.. وأن يهتم بتربية اولاده ويهتم بأموره الحياتية والمعيشية. وأن يدعو الله أن يحفظ الاسلام والمسلمين.. وأن ينصرهم وأن يوفقهم للخير دائماً.. وما عدا ذلك.. فلا يعنيه.
|
|
|
|
|