| عزيزتـي الجزيرة
طلب منا أحد أساتذة الجامعة أن يكتب كل طالب منا مقالاً نقديّاً يترجم فيه مسيرته التعليمية وما واجهه فيها من سلبيات وإيجابيات تخص من قاموا بتدريسه في السابق في معاملتهم له.
فما كان مني بعد أن ذهبت إلى المنزل إلا أن أغلقت عليّ باب غرفتي وجهزت الأقلام والأوراق، وأطفأت الإضاءة لكي أرى بوضوح فيلماً من أفلام الماضي وأبدأ بإدارة شريطه!! فجلست على طاولتي وأضأت مصباحها الصغير، كي أرى ما أكتب طبعاً!!
ثم بدأت بإشغال هذا الفيلم، وبدأ يدور وظهرت أولى اللقطات على شاشة أفكاري الملوّنة!!
وبدأ العرض:
بدأت مسيرتي التعليمية ككل الأطفال يخاف من أن ينفرد في هذه الحياة لوحده هكذا مباشرة من دون مقدمات؟! وذلك بعد أن كان ملتصقاً بأمة وأبيه لا يفارقهما في الغالب.
ومع مرور ساعات أول يوم دراسي في حياتي بدأت أتأقلم مع الجو الجديد «مكرهاً أخاك لا بطل»!!.. وبدأت أشتغل بقطع الحلوى والبسكويت التي دائماً ما توزع علينا نحن الأطفال أو لنقل نحن الضيوف الجدد!! ولا أدري من مال مَنْ وُزعت علينا هذه الحلويات...!
واستمر الحال على ما هو عليه أسبوعاً كاملاً على ما أظن، لعب، لهو، حلوى..
حتى أتى الأسبوع التالي؛ فوزعت الكتب بدل قطع الحلوى والبسكويت، وبدأ الشد والمد وتقلدت الحقيبة، وهي بمسماها الطفولي.
«الشنطة» على ظهري. كانت ثقيلة، أحياناً أملُّ وأكلُّ من حملها، فهي لم تكن بها عجلات صغيرة تجرُّ بها على الأرض، كما هو حاصل اليوم مع أطفالنا الطلاب الذين يدعون بلا ملل لمن وضع هذه العجلات وأراح ظهورهم من عناء الحمل الثقيل، بالمغفرة والتوفيق!!
وبعد ذلك بقليل، بدأت الواجبات المنزلية «الروتينية» وبدأ الضغط يرتفع بعد أن كان منخفضا. وظهر الضيق جلياً على ملامحنا، فكان هم كل طالب منا أن ينهي المعلم «المتأمر» «الحصة» وهو قد نسي مقولته المعتادة والمملة «عليكم واجب بكرة لازم تجيبونه واللي ما يجيبه يا ......» هكذا وردت في قاموس الطفولة!!
وبدأت تتغير شخصية «الأستاذ» هكذا بدون نقطة!! من اللين واليسر إلى الشدة والعسر إلى أن وصل حد العقاب الصارم والضرب والعنف، حتى خرق شخصية الطلاب. «وكأنه منفِّذ أحكام قصاص ضد مذنبين»!! فكان هم كل طالب منا أن تمر «الحصة» دون أن يبكي هو أو أن يبكي طالب غيره حتى لا تهتز شخصيته أمام أقرانه.
واستمر الحال على ما هو عليه طيلة أيام المرحلة الابتدائية: كتب بالكمية واجبات بالكوم - معاملة شديدة، تعب وإرهاق، خوف وملل.
والسبب: مدرس لا يريد من الطلاب إلا الواجب الثقيل «الروتيني» والحفظ وان لم يفهموا.
أهم شيء أن يكون الطلاب آلة طباعة أو مسجّلة بها «كاسيت» يمسح بعضه الآخر.
ومدرس يدخل الفصل يهز الفصل بصوته وبمزاجه العصبي تهتز أبدان الطلاب خوفاً من بطشه!!
«ولو كنت وقتها ناقداً لقلت عنه انه: كولونيل، أتى يلقن الدرس لمجموعة من الأسري»!!
وهو في ذلك لا يراعي الجيد منهم في المعاملة ولا يفرقه عن الرديء، فكلهم عنده سواء..
وفجأة...!! وبينما «الفيلم» يدور ويعرض الصور، ظهرت مقولة على شاشة أفكاري الملونة تقول: يُمنع منعاً باتاً نقل ما يلي..!! فتوقفت عن الكتابة مجبراً، وأطفأت جهاز عرض الأفكار!!
تلك كانت بعض اللقطات السلبية في مسيرتنا التعليمية من شريط الماضي: بطلها للأسف بعض المعلمين، وقد قام بإخراجها..؟ أنتم تعرفون من قام بإخراجها!! وهو في الحقيقة لم يوفق في إخراجه، ولا يزال حتى الآن يتخبط في إخراجه!!
ولكننا نأمل فيه خيراً بأن يغير نهجه في طريقة إخراجه، حتى يكون مفيداً ولافتاً ومثيراً في إخراجه ومن ثم ينتج لنا أجيالاً: تتعلم بشوق لتستفيد وتسعد، لا لتتعلم بملل لتخسر وتعاني.
هذا وفي الحقيقة أنه كانت هناك ملامح إيجابية لمحتها في معاملة بعض من درسوني سابقاً وهم يُشكرون عليها.. وإنني لم أذكرها ها هنا من منطلق أن المهم هو الخطأ وحصره لكي نتلافى الوقوع فيه مستقبلاً.
يقول الأستاذ الأمريكي الشهير ديل كارنيجي: انه يذهب إلى تدوين سيئاته فحسب، على أساس أن المرء يعنيه تلافي أخطائه، والنجاة مستقبلاً مما وقع فيه آنفاً؛ يقول: «في أحد أدراج مكتبتي ملف خاص مكتوب عليه: «حماقات ارتكبتها»!!
فلدينا نحن أيها الإخوة كل الإمكانات المطلوبة والمواكبة للتطور والازدهار، فلماذا هذا التخلف في مناهجنا التعليمية؟ ولماذا هذا الجمود والركود المثير، باتجاه تطويرها، بدل أن تبقى على «عصرها الحجري».
ويَصدق علينا قول العالم النفساني «وليم جيمس»:
الذي يقول «لو قسنا أنفسنا بما يجب أن نكون عليه لاتضح لنا أننا أنصاف أحياء، ذلك لأننا لا نستخدم إلا جانباً يسيراً من مواردنا الجسمية والذهنية».
ومع هذا القدر الكبير من التشاؤم فيما سبق تجاه مناهجنا التعليمية، يجب أن تكون هناك مساحة واسعة من الآمال والتطلعات نمارس فيها بذل العطاء وإبداء الرأي، حتى تزدهر حركتنا التعليمية، وتقع كل السلبيات العالقة بها، راجياً ألا يكون التصاقنا هذا «كالتصاق القراد بظهر البعير»!!
واختم حديثي هذا بمثل (صيني) نرى بين كلماته أن الاصرار هو عنوان الازدهار في استجداء طريقة ناجعة تسرّع بحركتنا التعليمية قبل أن يصيبنا الإحباط؟ يقول المثل: «أشبه التعليم بالتجديف ضد التيار... إذا لم تتقدم إلى الأمام عاد بك إلى الوراء»...
مع أخلص تحاياي:
خالد بن حمدان بن سالم الروقي
عنيزة
|
|
|
|
|