أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 11th November,2001 العدد:10636الطبعةالاولـي الأحد 26 ,شعبان 1422

الثقافية

في محاضرة بمكتبة الملك عبدالعزيز العامة
الدكتور سعد البازعي يسلط الضوء على الحياة الثقافية في المملكة
أ. فيصل بن معمر يؤكد على استمرارية الأنشطة الثقافية للمكتبة
د. هبة توفيق في مداخلتها تتساءل عن المعوقات التي تقف أمام الحركة الثقافية النسائية
تغطية علي سعد القحطاني
ضمن لقائها الشهري نظمت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة محاضرة تناولت.. الحياة الثقافية في المملكة العربية السعودية قدمها الدكتور سعد البازعي الأستاذ بجامعة الملك سعود وذلك مساء يوم الثلاثاء 21/8/1422ه الموافق 6/11/2001م بفرع مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بمركز الملك عبدالعزيز التاريخي بالمربع وحضر المحاضرة عدد كبير من المثقفين والمفكرين والأدباء.
وفي بداية المحاضرة تحدث وكيل الحرس الوطني للشؤون الثقافية والتعليمية المشرف العام على المكتبة الأستاذ فيصل بن عبدالرحمن بن معمر مرحباً بالحضور ومشيراً إلى أن هذا اليوم «الثلاثاء الماضي» يصادف مناسبة عزيزة هي مرور عشرين عاماً على تولي خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله مقاليد الحكم، ورفع ابن معمر خالص التهنئة إلى القيادة بهذه المناسبة الغالية.
وأضاف لقد اعتدنا على هذه اللقاءات في المكتبة وأصبح اللقاء لقاء عفوياً يخرج من الصفة الرسمية حيث يهدف إلى الحوار حول قضايا الثقافة في المملكة، مؤكداً أن اللقاء بات اليوم سمة من سمات المكتبة.
إثر ذلك تحدث مدير الندوة د. عبدالعزيز السبيل الذي حمد الله وأثنى عليه وشكر الأستاذ فيصل بن معمر والمكتبة على إقامة هذه اللقاء، وأبرز جهود مكتبة الملك عبدالعزيز في المجال الثقافي، وأكد على الأنشطة التي تقوم بها بصفة مستمرة وتطرق د. السبيل إلى اللقاء الشهري للمكتبة والهدف منه، وأشار إلى المحاور التي سيتحدث عنها د. البازعي.
بعد ذلك تحدث د. سعد البازعي مبدياً سعادته بهذا اللقاء، وأبرز في حديثه أهمية طرح هذا الموضوع وشكر المكتبة على ذلك، ورأى د. البازعي أنه سوف يأخذ زاوية من زوايا الموضوع «الحياة الثقافية في المملكة» نظراً لشموليته، وقال لقد اخترت في حديثي هذا الحديث عن المؤسسات الثقافية وعنونتها ب«جدلية البنوة والتبني: الثقافة في إطارها المؤسس، وقال/ يمكن اعتبار المؤسسة، سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم ثقافية أو غير ذلك.
يمكن اعتبار المؤسسة، سواء كانت سياسية أم اقتصادية أن ثقافية أم غير ذلك، مؤشراً رئيساً من مؤشرات النضج الحضاري في تاريخ أي مجتمع. فالمؤسسة، بمفهومها الحديث، شكل من أشكال تنظيم النشاط وترشيده ودعم مسيرته، وضرورتها تبدو من أن البديل لها هو في كثير من الأحيان الارتجال أو الفوضى في العمل وبعده من ثم عن الفاعلية والإبداع. وفي التاريخ أمثلة تعرضها الحضارات البشرية مؤكدة كلها ذلك الدور الحيوي للمؤسسة، وكونها قاعدة العمل حيثما وجدت. فتنظيم الدول في دواوين أو وزارات، وإنشاء المعاهد والجامعات، وغيرها، من النماذج التي يصعب حصرها لتوضيح تلك الأهمية. وفي التاريخ الإسلامي، مثلاً، كان تحول المسجد إلى مقر لتنظيم النشاط السياسي، والعلمي والاجتماعي، ثم ظهور الدواوين، من المنطلقات الكبرى في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية.
وأضاف/ غير أن هذه الجوانب الحيوية الإيجابية لا تلغي الجوانب الإشكالية للمؤسسة. فقد تمثل المؤسسة بعداً إشكالياً بالفعل يتمثل في نزوعها لاحتواء العمل بتأطيره والسيطرة عليه على نحو يصطدم بحرية الأفراد وبحاجة النشاط الذي تهيمن عليه المؤسسة إلى هواء العمل الفردى الحر وفضاء التغير والانفتاح على المختلف والمتجدد. ذلك أن المؤسسات قابلة للوقوع في مشكلات من شأنها إعاقة العمل في ميدان نشاطها، مثل: البيروقراطية وسيطرة العناصر غير المؤهلة، وجمود الأنظمة أو تأدلجها. ومن هنا كانت حاجة المؤسسات المستمرة لمراجعة بنيتها ونشاطها مراجعة فاحصة جادة تقنع الأفراد بالانضواء تحت لوائها وقبول دورها التنظيمي الإشرافي. فهي تقوم بدور مزدوج، بل متعدد، فهو دور أبوي أو أمومي من ناحية، حين تتبنى العمل الثقافي، ولكنه أيضاً دور ينطلق من الثقافة نفسها بالمعنى الأشمل للثقافة، أي أنها ابنة الثقافة. وهي في علاقتها بالأفراد خارج المؤسسة تقوم بذلك الدور الراعي لمنتجي الثقافة من الأفراد، وهذا الدور يقابل أحياناً بالقبول وأحياناً بالنقد. وأبان أنه سيؤجل هذا البعد الجدلي قليلاً.
وقال: هنا، وفي بداية هذه المداخلة، أشير إلى أن المؤسسات الثقافية في المملكة نماذج حية لفاعلية المؤسسة في حياتنا وللمشكلات التي تطرح نفسها بين الحين والآخر أمام تلك الفاعلية وتهددها. وما يجدر بنا فعله هنا هو التعرف على الوضع القائم للمؤسسات الثقافية بوصفها محركات أساسية للعمل الثقافي في المملكة لا نستطيع الاستغناء عنها من ناحية، ونحتاج إلى تقويمها بين الحين والآخر، من ناحية أخرى. ومن المؤكد أن إنجاز هذه المهمة لن يتم دون مصارحة تعترف بالمشكلات بقدر ما تحتفي بالإنجازات. وسيحمد للمؤسسة التي نلتقي تحت مظلتها، أي مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، قبولها لتحديات المصارحة التي أشير إليها، بل وتشجيعها النقاش حولها.
وأكد أن ما سيقدمه ينقسم إلى قسمين رئيسين هما في البدء فرشة معلوماته ابتدائية، أي أنها قد تفتقر إلى الشمولية والدقة لأنه على حد قوله لم يستقص جوانب الموضوع أو يتحرى الأرقام وقال لكني أخلص من ذلك إلى طرح تحليلي/ نظري مقتضب، يطمح على ما فيه من اقتضاب إلى استكشاف طبيعة العلاقة الثلاثية بين الثقافة والمؤسسة والفرد. ففي كل الحالات إذا لن يعدو ما أقدمه هنا وضع خطوط عريضة لمعالم الموضوع ولبعض الجوانب التي يمكن النقاش حولها. وسأبدأ بتحديد أولي لأنواع المؤسسات القائمة في المملكة.
وتحدث البازعي عن أنواع المؤسسات الثقافية: قائلاً يمكن تقسيم المؤسسات الثقافية التي تعمل الآن في المملكة إلى ثلاثة أنواع: مؤسسات رسمية. حكومية، ومؤسسات بينية، أو شبه رسمية، ومؤسسات خاصة.
أ. المؤسسات الرسمية تشمل الوزارات والهيئات الحكومية المعنية بالتعليم والثقافة والإعلام، وما يتفرع عن هذه كلها من إدارات متخصصة.
ب. أما المؤسسات شبه الرسمية، فهي تقع تحت إشراف الدولة لكنها تتمتع بقدر من الاستقلالية ناتج عن وجود أنظمة خاصة بها، بالإضافة إلى مجالس إدارة يشغل عضويتها، أو يمكن أن يشغل عضويتها، شخصيات اعتبارية من ذوي الاهتمام بالثقافة ولكنهم ليسوا جزءا من المنظومة الحكومية بالضرورة. وأمثلة هذه كثيرة، فهناك: مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، ودارة الملك عبدالعزيز، ومؤسسة الملك فيصل الخيرية. كما أن تلك تشمل، إلى حد ما، جمعية الثقافة والفنون، والأندية الأدبية.
ج. في مقابل النوعين السابقين هناك مؤسسات ثقافية خاصة، أو تتبع للقطاع الخاص، منها المؤسسات الصحفية التي مارست وتمارس دوراً حيويا في تطور الثقافة، ومنها مؤسسات ثقافية غير إعلامية مثل: مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية بالجوف، ومؤسسة البابطين، ومؤسسة أعمال الموسوعة، ومؤسسة الدائرة للإعلام. هذه المؤسسات ليست كلها بعيدة عن الدعم الرسمي، لكن من أنشطتها ما يمكن أن يتم خارج ذلك الإطار.
كما تطرق د. البازعي إلى تاريخ المؤسسات الثقافية وتناول كذلك في محاضرته مجالات العمل المؤسسي وقال ليس من الصعب أن نتبين أن المؤسسات الثقافية السعودية حرصت قدر الإمكان على تجنب الازدواجية في العمل. فلم تكرر أي منها، مثلاً، فكرة الجوائز الثقافية، التي اشتهرت بها مؤسسة الملك فيصل، مثلاً، وتميز البعض، كمكتبة الملك عبدالعزيز، بتبني أنشطة منبرية ضخمة ومميزة على شكل ندوات محلية وعربية وعالمية، بل إن تلك المكتبة هي الوحيدة التي أقدمت على التوسع في الانتشار المكاني لينشأ عنها فرع في المغرب. كما جاء النشاط في دارة الملك عبدالعزيز توثيقياً وأكاديميا إلى حد كبير بوصفها مؤسسة متخصصة في كل ما يتصل بالملك عبدالعزيز رحمه الله وبتاريخ المملكة. وبالطبع فإن أيا من المؤسسات المشار إليها لم تتوقف عند نوع النشاط المشار إليه، وإنما كان ذلك هو النشاط الأكثر بروزاً، كما يبدو.
وأضاف من ناحية أخرى، جاءت المؤسسات الخاصة لتحاول القيام بما لم يقم به الآخرون، فجاءت بمشاريع ثقافية بارزة. فاضطلعت مؤسسة الموسوعة، التي بدأت بمبادرة فردية من أكاديمي سابق هو الدكتور أحمد الشويخات، وبدعم من سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز، بإصدار أول موسوعة عربية في العصر الحديث، وقامت مؤسسة الدائرة، التي قامت هي الأخرى على مبادرة فردية من أكاديمي آخر هو الدكتور سعد الصويان، وبدعم من سمو الأمير خالد بن سلطان، بإصدار موسوعتين، إحداهما عن الملك عبدالعزيز في الوثائق الأجنبية، والأخرى عن الثقافة التقليدية هي الأولى من نوعها. وكل هذه الأعمال من الأعمال الكبيرة، غير أن اعتماد تلك المؤسسات على الدعم المؤقت، أو المرتبط بمشاريع معينة، كان على ما يبدو سبباً في تعرضها لصعوبات كبيرة في سعيها للنهوض بما تأمله، وفي استمرار نشاطها.
وأشار إلى أن ما يلفت الانتباه من ناحية أخرى هو تمركز معظم تلك المؤسسات الثقافية في مدينة واحدة هي الرياض.. وقال إن مدناً رئيسة مثل جدة ومكة والدمام تكاد تخلو منها. ولم يكد يخرج عن القاعدة المشار إليها سوى مؤسسة عبدالرحمن السديري في الجوف.
وأضاف/ تكاد تكون مؤسسة عبدالرحمن السديري ومؤسسة الباطين التي قامت قبل عامين، المؤسستين الوحيدتين اللتين لا تسعيان للربح، فهما مؤسستان خيريتان.
وطرح البازعي إشكالية نظرية: الثقافة، المؤسسة، الفرد: وبدأ بجدلية الخاص والعام قائلاً: إن قيام مؤسسات ثقافية خاصة يؤكد أن الساحة الثقافية في المملكة ما تزال مليئة بالاحتياج إلى العمل المنوع، أي أن ثمة فضاءات شاغرة وكثيرة ربما. وسماح الدولة لذلك النشاط بالتنامي، بل وتشجيعها عليه كما يظهر، دلالة على وعي جيد بأن العمل الثقافي لا ينبغي أن يكون حكراً على المؤسسات الرسمية أو شبه الرسمية، وأن للجهد الفردي ورأس المال الخاص مجالا واسعاً للعمل، وعلى نحو قد لا تستطيع المؤسسة الرسمية ولا حتى شبه الرسمية القيام به. وهو ما يعيدنا إلى الإشكالية التي أشرت إليها في بدء هذا الحديث والتي أرى أن تكون محور اهتمام لما فيها من أهمية حيوية لنا جميعاً كمشتغلين في مجال الثقافة أو مهتمين بأمرها.
فكما يتضح مما سبقت الإشارة إليه سنستطيع من خلال مناقشة المؤسسات الثقافية الخاصة ودورها في حياتنا الثقافية أن نطرح أسئلة مهمة تجاه دور المؤسسات الثقافية بشكل عام، ومن ذلك، بل على وجه الخصوص، دور المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية، بالإضافة إلى أنه يفتح أفقاً غير معتاد في مناقشة حياتنا الثقافية بشكل عام. فمن خلال هذا المدخل يمكننا أن نسأل مثلاً: ما الذي لم تستطع المؤسسات الرسمية أو شبه الرسمية القيام به بحيث تنشأ الحاجة إلى مؤسسة ثقافية من نوع آخر للقيام به؟ تماماً مثلما نسأل: ما الذي لم تتمكن، أو لا تتمكن، المؤسسات الخاصة نفسها عن القيام به مما اضطلع به النوعان الآخران؟ هنا سينطرح دوري القطاع العام والخاص في رعاية الثقافة، وكلاهما مهم وحيوي مهما كانت المشكلات أو التحديات التي تواجههما.
وأضاف: إن حضور القطاع الخاص تحديداً يشير إلى أن ثمة نشاطاً ثقافياً أكثر تناسباً مع موقعه. ويبدو أن من ذلك ما لاحظنا في السنوات الأخيرة من نشاط حقل التأليف الموسوعي بشكل خاص. فإلى جانب الموسوعات التي سبقت الإشارة إليها، أي «الموسوعة العربية العالمية»، والموسوعتين اللتين اضطلعت بهما مؤسسة الدائرة، هناك موسوعة أعلن عنها مؤخراً، هي موسوعة تقدم الثقافة العربية الإسلامية إلى العالم باللغة الإنجليزية تعاقد على القيام بها رجل أعمال سعودي مع مؤسسة بروتا لسلمى الجيوسي. والسؤال هنا هو عن الصعوبات التي يبدو أنها تحول دون قيام المؤسست الثقافية الأخرى، الرسمية وشبه الرسمية، بمشاريع تأليفية ضخمة كتلك.
وللوصول إلى إجابة للسؤال قال د. البازعي إننا نحتاج أولاً إلى ملاحظة ما أشرت إليه قبل قليل، وهو أن نشاط المؤسسات الثقافية شبه الرسمية يكاد يطغى عليه النشاط ذو الطابع الجماهيري الاحتفالي وذلك من خلال الثقافة المنبرية (محاضرات، معارض، ندوات، مؤتمرات جوائز، وما إليها). ذلك النشاط ينتج عنه أحياناً نشاط تأليفي على شكل مطبوعات توثق للنشاط المنبري، ولا شك أن المؤسسات المشار إليها تضطلع أحياناً بنشاط في التأليف أو النشر مستقل عن النشاط المنبري أو النشاط المرئي (من معارض وما إليها). لكن النشاط المنبري يظل سيد الموقف في تصوري. ومع ذلك فإن المهم ليس تقرير وجود النشاط المنبري بقدر ما هو الدافع وراء التركيز على هذا اللون من النشاط. وطرح السؤال يأخذنا إلى قرب المؤسسات المشار إليها مما يعرف بالقنوات الرسمية. فقد مكنها ذلك القرب من تجاوز بعض الإجراءات التي تجعل من الصعب على المؤسسات الخاصة أحياناً أن تقوم بنشاط مماثل. كما أن الجانب الإعلامي يلعب دوراً مهما في دفع النشاط الثقافي في هذا البرزخ المؤسسي بين الخاص والعام، أو بين الفرد والدولة، حيث تقوم المؤسسة بدفع الثقافة في اتجاهات معينة من شأنها الحفاظ على قيم أو «ثوابت» معينة. ولعل من المهم أن نلاحظ هنا أن المؤسسات ليست متساوية في هذه المهام، ففي السنوات الأخيرة اضطلعت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، مثلاً، بمهام ثقافية تتسم بقدر كبير من الطموح والفاعلية قياساً إلى مؤسسات أخرى تحتل مواقعاً موازية.
وطرح د. البازعي جدلية المؤسسة والفرد قائلاً: إن علاقة الفرد بالمؤسسة الثقافية امتداد لعلاقة الفرد بالثقافة نفسها ولعلاقة المؤسسة بالثقافة من ناحية أخرى، وقد تعرضت هذه المنظومة من العلاقات لتحليلات فلسفية ونقدية مختلفة، منها تحليل اضطلع به أدوارد سعيد في كتابه العالم، النص، الناقد (1983). يشير سعيد إلى مفهومين، هما بالإنجليزية «فيلييشن»و«افيلييشن» اللذان أترجمهما بتصرف إلى «البنوة والتبني»، فالفرد منا، كما يقول سعيد، يولد بشكل طبيعي ضمن ثقافة ما يعبر عنها وينطلق بما فيها فيكون ابنها أو ابنتها المنضوية تحت ظلالها، ولكن الفرد لا يلبث أن ينمو وتزداد المسافة بينه وبين الثقافة فتكتسب علاقته بعداً نقدياً، بمعنى أنه يبدأ في نقد الثقافة وإن لم يؤد ذلك إلى انفصامه عنها، ليحل التبني أو الانتماء القائم عن بعد محل البنوة الطبيعية الملتصقة.
هذان المفهومان، اللذان يتصلان بمفهومين سبق أن طورهما ميشيل فوكو، حول «رموز الثقافة» و«نظام الخطاب»، ويمكن الإفادة منهما في فهم العلاقة الانتمائية/ الانفصامية في الوقت نفسه بين الفرد والمؤسسة، كما بين المؤسسة والثقافة ككل. والفرد هنا هو طبيعة الحال الفرد المثقف، بل وأزيد المثقف الجاد، الذي يحتاج المؤسسة للعمل من خلالها، ولكنه يجد نفسه أحياناً غير منسجم مع بعض توجهات أو أساليب المؤسسة في العمل. فهو ابن المؤسسة من حيث هو ابن الثقافة التي تتفرع عنها المؤسسة، وكذلك من حيث هو محتاج إلى المظلة التي توفرها المؤسسة، ولكنه منفصم عن الثقافة والمؤسسة معاً من حيث هو ابن ناضج شب عن الطوق وطور مسافة نقدية إزاءهما، أي من حيث هو مدرك للإنجاز وغير غافل عن القصور، وهو في كلتا الحالتين راغب في تحقيق ما هو أفضل، كما يبدو من زاويته. ولا شك أن ذلك الوضع من شأنه أن يكتسب بعداً متوتراً، يعتريه الشد والجذب، الحاجة والرغبة في العمل في ناحية، والنفور والرفض للانقياد، من ناحية أخرى، مما ينعكس بدوره على سير العمل الثقافي، لا من ناحية الفرد نفسه فحسب، بل وعلى تركيبه المؤسسة وأدائها أيضاً.
وقال إن هذا الكلام النظري سيكتسب بعداً أكثر وضوحاً ومغزى لو وضع في حيز التجربة الشخصية لأولئك الذين عملوا مع المؤسسات الثقافية.و طرح في ختام ورقته تجربته مع المؤسسة الثقافية، بأنواعها الثلاثة ابتداء من المؤسسة الثقافية الرسمية وهي المؤسسة الجامعية، ومروراً بالمؤسسة شبه الرسمية وانتهاء بالخاصة. وقال لم تكن تلك التجربة، أو بالأحرى التجارب، متماثلة في طبيعتها أو متساوية في تأثيرها.
المداخلات:
بدأت المداخلات من الدكتورة نورة الشملان وإشارت في مداخلتها إلى أن الصالونات الأدبية تلعب دوراً هاماً في إثراء الحركة الأدبية، ثم تساءل الدكتور محمد الحسين المصلحي من منسوبي جامعة الإمام عن دور المرأة في إثراء الحركة الأدبية وما هية المؤلفات التي كُتبت عنهن، فأشار عليه مقدم المحاضرة الدكتور عبدالعزيز السبيل بالرجوع إلى مكتبة الملك عبدالعزيز العامة القسم النسائي لعله يجد مبتغاه.
ثم تساءلت الدكتورة هبة توفيق مرة أخرى عن المعوقات التي تقف وراء الحركة الثقافية النسائية.
وعلق الدكتور سمير عبدالحميد إبراهيم على ورقة المحاضر وتساءل عن الضوابط والقيود التي تدفع بالمثقف العربي وتضطره للخروج من المؤسسة الثقافية لكي يغرد خارج سربه.. أما الدكتورة سعاد المانع فأكدت في مداخلتها أنه ليس هناك كتاب جاد موجه للأطفال وهذا مما تفتقر إليه المكتبة العربية.
بينما يرى الشاعر حمد العسعوس في مداخلته أن المصدر الأول لتشكيل ثقافة الناس هي المؤسسات التعليمية بجميع مراحلها ودعا إلى عدم إغفال هذا الجانب.
وتمنى الأستاذ سلطان الثقفي في مداخلته على المحاضر أنه لو تحدث عن الرؤية المستقبلية للحركة الثقافية.
وتساءلت الدكتورة رجاء عالم وقالت: لماذا لا تتوازن المعطيات الثقافية مع حجم وعدد سكان المملكة.
أما سعد الهمزاني فقد أثني على المحاضرات،و تمنى في مداخلته لو تحدث الدكتور سعد البازعي عن تجربته في صالون الاثنينية بنادي الرياض الأدبي. ودعت الدكتورة فاطمة الوهيبي في مداخلتها إلى إعادة النظر في الصالونات الأدبية والجهودات الفردية التي تعمل بصمت وبعيداً عن الكاميرات من أجل إثراء الحركة الثقافية في البلاد.
لقطات:
اللقاء في المكتبة تميز بعفويته وبعده عن الصفة الرسمية.
حضر اللقاء كل من الدكتور إبراهيم شمسان ود. عبدالله المعيقل ود. عبدالله ثقفان وآخرون.
تمنى الدكتور عبدالعزيز السبيل الذي نجح في إدارة المحاضرة أنه لو كانت هناك محاضرة متكاملة عن المرأة.

أعلـىالصفحةرجوع





















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved