| محليــات
لا أتذكر متى كانت آخر مرة شغلت فيها رادو؟ بخلاف إذاعة الأم بي سي أف أم التي أسمعها في السيارة والتي تحولت مؤخرا الى اذاعة لبنانية. لا يوجد لديَّ راديو خاص أو نظام خاص لسماع الأغاني أو الأخبار أو البرامج من الاذاعة، فالاذاعات أصبحت جزءا من الماضي.
كنت قبل عدة ليالٍ في بيت صديق. ومع تحول الجو إلى الاعتدال اختار صاحبي أن يستضيفني في الحديقة. لا أعرف لماذا تركني فترة طويلة أنا ورادو من الراديوات الروسية التي انتشرت أثناء حرب الخليج. ومن باب الفضول أو من أي باب آخر شغلت الرادو وفجأة وفي وسط التشويش المعتاد سمعت أغنية «أنا قلبي لك ميال» للفنانة المصرية فايزة أحمد. مع نسمات الليل العليل والرطوبة الخفيفة المنبعثة من الحديقة الصغيرة تحولت جلستي في لحظة خاطفة الى شجن وحنين. ألقيت بثقل جسدي على مسند الكرسي وتركت للأغنية ان تقودني إلى أي منطقة من مناطق الماضي. بدأت أشعر أن كل شيء أخذ يتحرك ببطء : حركة يديَّ ودقات قلبي وعمل تفكيري. شعرت بالارتخاء وكأني في حالة نعس رغم احتفاظي بكامل وعيي. فانتهت الاغنية على خير فحولت مؤشر الراديو إلى محطة أخرى. فسمعت الفنانة الإماراتية أحلام تغني «اللي ما يطول العنب حامض عنه يقول»فقزفت دقات قلبي الى معدّلها الطبيعي وعادت حركة يديَّ الى ما كانتا عليه وحتى نسمات الهواء تسارعت.
أحببت الأغنيتين وانسجمت بالكامل معهما ولكن في إطار من درجات التلقي المختلفة. فهناك أكثر من ثلاثين سنة تفصل بين الأغنيتين. ما الذي يجمعهما وما الذي يميز بينهما؟ وضعت الأغنيتين في سياق خيالي ومررتهما على كل الذكريات والمواقف، فشعرت أن إحداهما تتفوق على الأخرى في الحضور في مواقف وذكريات معينة. كما أن كل واحدة منهما تتجه إلى منطقة محددة من وجداني. كانت أغنية «أنا قلبي لك ميال» أكثر انسجاماً مع تلك الجلسة، لأنها جاءت في ملابسها وعبوتها التي سمعتها فيها أول مرة. لم يكن هناك إذاعات «أف أم» لذا كنا نسمع ال«أف أم» النقية. والشيء الآخر أن أغنية «أنا قلبي لك ميال» كانت بطيئة ومتمددة وتنطوي على إشباع حتى خالجني شعور أنها طولت أكثر من اللازم، بخلاف أغنية أحلام التي لم تكن بطيئة أو سريعة حيث أخذت وقتها الصحيح. أي انتهت في الوقت الذي يجب ان تنتهي فيه. هذا لا يعني أني طفشت من الأولى بسبب الوقت، لأني كما أشرت دفعت الى استرخاء اجباري ينسجم مع زمانها. عندما أعاد جسدي وضعه الحركي الذي كان عليه قبل ثلاثين سنة. الى حالة البطء التي تسم تلك الأيام.
كان عندي إحساس مشوش ان الزمن يتحرك وتتحرك معه محتوياته. أي كل ما تقدم الزمان تسارعت حركة الأشياء في ذاتها. فالأغنية التي نسميها شبابية بسبب سمتها السريعة ليست شبابية «أي أنها تنتسب لسن معينة» ولكنها تتحرك بسرعة مدفوعة بحركة الزمان المتسارعة. قبل عدة أشهر لا أعرف ما الذي حل بي، ذهبت إلى أحد الاستوديوهات واشتريت تسجيلاً لمباراة الهلال والنصر الشهيرة بالمدرعات التي سجل فيها ريفالينو هدفه الشهير بهدف المدرعات، أتذكر أني شاهدت هذه المباراة في الملعب وبين الجماهير وقد جاء هدف ريفالينو العظيم في مبروك التركي رحمه الله بشكل خاطف لم تشاهده العين. كان الهدف منسجما مع المباراة السريعة والنارية.
وعندما شاهدتها في الفيديو قبل عدة أشهر ظننت أن هناك مشكلة في الشريط أو في الجهاز. كان كل شيء بطيئاً ومملاً واللاعبون يتبادلون المراكز والكورة كأنهم يتحركون في بركة ماء أو على أرض موحلة. رغم ان المباراة كانت من أجمل المباريات التي شاهدتها في حياتي. لم أنسجم معها وكأن الذكريات الجميلة التي أحملها عنها تنتسب إلى شخص آخر غيري. لم أجد تفسيرا محددا للظاهرة حتى قرأت مقابلة مع سفير البرازيل يتحدث فيها عن بطء الكرة في عصر البرازيل الذهبي وتسارع إيقاع الكورة في عصرنا الحديث. وما تحدث عنه سفير البرازيل لا يتوقف على الكورة، بل يمتد إلى كل شيء في الحياة. تلك هي الحياة!!
yara4me@yahoo.com
|
|
|
|
|