| مقالات في المناسبة
يصادف يوم الحادي والعشرين من شعبان من كل عام ذكرى تولي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود عرش المملكة العربية السعودية. هذا اليوم المجيد تتذكر فيه الأجيال البيعة للمليك المفدى في 21 شعبان 1402ه. عشرون عاما مضت من البذل والعطاء للبلاد والعباد وللأمة الإسلامية والعربية.
ولد الملك فهد عام 1343ه وما إن بلغ العاشرة من عمره حتى أُعلن ميلاد هذه الدولة الفتية، كرس وقته للدراسة والاطلاع وحضور مجالس والده الملك المؤسس عبدالعزيز طيب الله ثراه، وهيأ له بيت أبيه كل وسائل المعرفة وصاغته الأحداث وربّت في داخله ميلا إلى الإدارة، فنشأ وكأنه على موعد مع العظمة والمجد مجبولاً على عشق العلم والعلماء وحب الوطن والمواطنين تحفّه رعاية الله وتوفيقه، ذلك الشبل من ذاك الأسد.
لقد ورث الفهد عن والده ايمانا صافيا بالله لا يتزعزع ولا يضعف، جرى حب الوطن والعروبة والإسلام والمسلمين في دمائه، صقلته التجارب فترعرع حيوية وطموحا مع رصانة في الفكر واتزان في معالجة الأمور واعتقاد راسخ ويقين خالص بتوفيق الله في تحقيق الغايات والأهداف.
لقد قال الملك فهد في أول خطاب له مجسداً فلسفته في الحكم وانحيازه في كل الأوقات لأمن الوطن ورفاهية المواطن واستقرارهما: (إنني أشعر بعظم المسؤولية وبثقل الأمانة التي شاء الله أن أحملها راجياً منه جل وعلا أن يعينني عليها وإنني أعاهد الله ثم أعاهدكم بأن أكرس كل جهدي ووقتي من أجل العمل على راحتكم، وعلى توفير الأمن والاستقرار لهذا البلد العزيز، وان أكون أباً لصغيركم، وأخاً لكبيركم فما أنا إلا واحد منكم، يؤلمني ما يؤلمكم، ويسرني ما يسركم).
بهذه الكلمات، رسم الملك فهد منهج سياسته، هذا المنهج الذي يهتم بقضايا المواطنين وحاجاتهم، ويسعى إلى تحقيق أمنهم واستقرارهم، وإلى قيادتهم إلى مدارج الرخاء والرفاهية.
لقد أحدث الفهد خلال عقدين من الزمان تحولا اعجازيا في بنية الاقتصاد السعودي وفي أطر الحياة الاجتماعية وأنماط المعيشة، كاد التحول أن يكون خرافياً إذا اخضع للمعايير الدولية، فليس في تاريخ الشعوب قديمها وحديثها أن حدثت نقلة بهذا الايقاع المتسارع المدهش.
ولاشك أن برامج الملك المفدى وخططه الإنمائية قد وجدت تجاوبا من كل قطاعات الدولة وحظيت بتأثير ودعم الشعب السعودي برمته فتحولت الأرياف إلى حضر، والبداوة إلى مدنية، والعداوة إلى محبة والنزاعات إلى تعاون، في فترة قصيرة جداً بعمر الزمن.
نشطت التجارة، وارتبطت المناطق ببعضها جواً وبراً، وأمنت الطرق وخلا الشارع من الجريمة بتوفيق الله وعونه.
أحب الشعب السعودي مليكه لأنه وجده قريبا منه، فمنحه التأييد المطلق لأنه يثق بصدق مسعاه من أجل أمنه ورخائه، منح الشعب قائده ثقته بعد ان تبين حنكته وحكمته في معالجة أي طارئ على المستوى الاقليمي أو العربي.
سياسة بنيت على الاعتدال، وإدارة لشؤون البلاد وضعت مصلحة المواطن في أولويات اهتماماتها، وتفاعل مع القضايا العربية والإسلامية، أملته الأخوة في العقيدة والإيمان والوحدة واللسان والهدف والمصير.
ومن أبرز تلك القضايا قضية العرب والمسلمين الأولى قضية فلسطين والأقصى الشريف.
نجح الملك فهد داخلياً وخارجياً أيما نجاح، نأى ببلاده بعيداً عن مسرح الأحداث ومطامع الأعداء، وحافظ عليها من كيد الكائدين، وحسد الحاسدين وحقد الحاقدين.
فبقيت المملكة العربية السعودية واحة أمن وقبلة للمسلمين ورمزاً لقوة الدين والعقيدة تهوي إليها أفئدة المسلمين المؤمنين من أصقاع المعمورة، يفد إليها ملايين البشر لأداء مناسك الحج والعمرة بكل يسر وسهولة.
ولما كانت المملكة العربية السعودية منبع النور والهداية، وقد كرّمها المولى سبحانه ببيته المحرم وبعثة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم فقد استمرت تحافظ على دين الله، وعلى صيانة عقائد المسلمين من الخلخلة الفكرية واحتمالات التذويب وطمس الهوية.
واستشعاراً برسالة المسجد وغاياته العظيمة تجلى اخلاص واهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد وسلفه من قبله في اعمار بيوت الله لتستعيد رسالتها العلمية والدعوية والثقافية فانتشرت المساجد في كل مدينة وقرية وهجرة وشهدت حلقات الدروس وحلقات تحفيظ القرآن الكريم انتشاراً واسعاً.
كما أنشأت المملكة وباهتمام ودعم من خادم الحرمين الشريفين عدداً من الأكاديميات والكراسي العلمية للدراسات الإسلامية في جامعات كبرى وعريقة في أمريكا وبريطانيا وروسيا، إضافة إلى اهتمام الدولة في عهد المليك المفدى بإنشاء العديد من المراكز الإسلامية والمساجد المنتشرة في أصقاع العالم.
وتتجلى اهتمامات الملك فهد حفظه الله بأن جعل همه الأول وشغله الشاغل خدمة الحرمين الشريفين والنظر في شؤونهما واعطاء أولوية الاهتمام لمشاريعهما خدمة للإسلام والمسلمين وتقربا إلى الله تعالى بعمارتهما.
وكان من نتائج هذا الاهتمام الكبير من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد اكمال تلك المشاريع الضخمة التي تمت في عهده الميمون فكانت حقا معجزة من معجزاته.
ولقد عبر عن هذا الاهتمام والحب العميق بقوله حفظه الله (إن أسعد اللحظات والأيام لديّ عندما أكون في رحاب المدينتين مكة المكرمة والمدينة المنورة).
ويقول حفظه الله، (ان المشروعات والخدمات المقامة في أعظم مدينتين في العالم وهما مكة المكرمة والمدينة المنورة تأخذ حيزاً كبيراً واهتماماً واسعاً من تفكيري، وإننا سوف نؤدي إن شاء الله جميع الخدمات لهاتين المدينتين العظيمتين لأن هذا شرف لنا وواجب علينا خصنا الله بهما).
ومن أقواله حفظه الله: (إن خدمة الحرمين الشريفين فيها الخير والبركة ونحمد الله اننا نؤديها بنية صادقة، فالمقصود بهذه الخدمة التقرب إلى الله بالأعمال والبر والتقوى).
كما أولى خادم الحرمين الشريفين حفظه الله كتاب الله عز وجل اهتماما بالغا وذلك بإنشاء مطبعة الملك فهد للمصحف الشريف بالمدينة المنورة لتوزيعه على المسلمين في الداخل والخارج، فسطر له هذا الانجاز بمداد من ذهب وسيظل التاريخ شاهداً للمليك المفدى بهذا الانجاز العظيم.
من جهة أخرى استطاع الملك فهد بحنكته وسياسته الحكيمة النهوض بمستوى التعليم بالمملكة على أسس ثابتة.
فوضع لبنات التعليم الأولى على أساس العقيدة الاسلامية الصحيحة والمنهج القرآني والسنة النبوية المطهرة، فقد كان أول وزير للمعارف.
لذا يعد بحق مؤسس النظام التعليمي في المملكة العربية السعودية، وتداعت انجازات المليك المفدى في هذا المجال بشكل اعجازي، فأحدث نقلة نوعية في النهضة التعليمية الخارقة في زمان وجيز، حتى أصبح التعليم في متناول الجميع وأعلنت الحرب على الأمية.
ولم يكن الإعلام السعودي بمنأى عن هذا الاهتمام، فقد حظي بقنواته المختلفة برعاية واهتمام خاص من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد لكبر المهام وعظم المسؤوليات ودوره الريادي في العالمين العربي والإسلامي ونفوذه بما يضطلع به. وعظم مسؤولية الإعلام السعودي تنبع من مكانة المملكة القوية في الأوساط الدولية.
فمن أكبر هموم الإعلام السعودي هو ابراز الفكر الإسلامي ومنجزاته في تاريخ الحضارة الإنسانية والتعريف بالإسلام عقيدة وشريعة، وشرح مبادئه التشريعية السمحة وقيمه الأخلاقية الرفيعة والعمل على نشر الدعوة الإسلامية وابراز أهمية التراث الإسلامي، والدفاع عن قضايا الأمة الإسلامية وتحصين الهوية الإسلامية والتصدي لمحاولات تشويه صورة الإسلام وطمس هويته.
ولقد لعب الإعلام السعودي في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد دوراً فاعلاً في تحقيق تلك الأهداف وفي مواجهة الحيف والتحريف الناشئ عن السيطرة على تدفق الأنباء والحصار الإعلامي وفي الدفاع عن القضايا العادلة للأمة الإسلامية ومواجهة الغزو الفكري الذي يستهدف شباب الأمة الإسلامية في جميع أنحاء المعمورة.
فأجهزة الاعلام المختلفة من إذاعة وتلفاز وصحف ووكالات أنباء وبتوجيه مباشر من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد، جندت نفسها وامكاناتها لتزويد كل من ينشد المعرفة والخبر الصادق داخليا وخارجيا. صورة من ملامح البذل والعطاء في بناء هذا الصرح الشامخ وابراز مراحل التطور والرقي من خلال العديد من البرامج واللقاءات والأحاديث إلى جانب الكتب والنشرات والصور والأفلام والمعلومات التي تصور المملكة ماضيها وحاضرها.
كل ما حظيت به هذه البلاد الطيبة الطاهرة من تقدم ورفاهية تحقق بفضل الله أولا ثم بفضل تمسكها بالاسلام نصا وروحا حتى بلغت ذروة المجد في عهد الفهد.
وتبقى ذكرى بيعة الفهد محل الفخر والاعتزاز للمواطن السعودي بشكل خاص ولكل مسلم في هذا العالم على حد سواء بما تحمله من معاني البذل والعطاء.. حفظ الله خادم الحرمين الشريفين وأدامه عزا وفخرا للإسلام والمسلمين.
* مدير برامجي بالتليفزيون
|
|
|
|
|