رئيس التحرير : خالد بن حمد المالك

أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 10th November,2001 العدد:10635الطبعةالاولـي السبت 25 ,شعبان 1422

مقالات في المناسبة

عصر الفهد
السياسة الخارجية السعودية خصائص ..ومميزات
بقلم: عبد العزيز بن عبد الرحمن الحسن
تميزت دبلوماسية المملكة ومليكها خادم الحرمين الشريفين وأسلوب عملها في التعامل الدولي بأسلوب يعد فريدا من نوعه من حيث الهدوء والنشاط، والصلابة واللين والديناميكية والاتزان.
مع تنامي دور المملكة وقدرتها الداخلية والإقليمية والدولية تجد أن خيار الدبلوماسية التي تتبعها هو عدم الدخول في مهاترات أو الرد على الحملات الحاقدة المغرضة أو الادعاءات الزائفة التي تتعرض لها. وتتخذ دائماً موقفاً حاسماً وثابتاً يتمثل في أفضل رد على هذه الحملات وهو عدم التجاوب معها.
كما أن المملكة تجعل أساس تحركها الدبلوماسي هو الفعل لا القول مع البعد الشديد عن آلة الدبلوماسية الحديثة وهو ضجيج الإعلام وطغيانه على النشاط الدبلوماسي .. فثمة أدوار غاية في الحساسية والتعقيد تقوم بها الدبلوماسية السعودية على المستوى العربي والإسلامي والدولي دون أن تعلق عنها سوى في نتائجها فقط ... كم من مواقف وتحرك سريع قامت به المملكة لاحتواء الأزمات أو المصالحة دون أي إعلان أو ضجيج.
والمملكة دائما حريصة على الوفاء بالتزاماتها الدولية مهما كانت مواقف الآخرين. لأن ذلك نابع من موقفها الثابت والملتزم بما ارتضته من خلال أطر جماعية عربية أو خليجية أو إسلامية أو دولية.
كما تتمسك المملكة بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتضطلع بدورها الاقتصادي لخير ورخاء العالم من خلال سياسة بترولية واقتصادية ومالية متوازنة، تأخذ في اعتبارها استقرار الاقتصاد الدولي ومصالح كل شعوب العالم الثالث قبل البحث عن أي مكاسب ذاتية مهما كان حجمها.
وتسعى المملكة دائما بقيادة فهدها، لأمن واستقرار المنطقة بل العالم أجمع، وتبذل الجهد في سبيل دعم كل ما من شأنه تحقيق الاستقرار، ونبذ استخدام القوة في العلاقات الدولية، ودعم التعاون الدولي المبني على الاحترام والمنافع المتبادلة، لخير الشعوب ورقيها وتقدمها.
ومن هذا المنطلق فإن المملكة بزعامة فهدها تدعم المنظمات الدولية التي تسعى لخير البشرية وتعاونها وتجسد مواثيقها وأهدافها، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة وفروعها وأجهزتها. وتقدم المثل لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الدول في العالم كله الذي يتطلع إليه سكان المعمورة بأمل عريض في الأمن والاستقرار والرخاء.
ولا شك أن هذا الدور الذي يضطلع به الفهد في هذا الصدد هو دور بارز ومؤثر في النظام ا لعالمي الجديد بل هو نظام محوري في صياغة الحلول للقضايا الساخنة على المستويين العربي والإسلامي وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وقضية البوسنة والهرسك وهو ما دعا رؤساء كل من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا إلى الاجتماع بالفهد في المملكة العربية السعودية اعترافا منهم بالدور المؤثر والفعال للمملكة. فضلا عن الزيارات المتعددة والكثيرة لرؤساء الدول في العالمين العربي والإسلامي وكذا الدول ابتغاء تدخل المملكة ومشاركتها في إيجاد حلول المشاكل الساخنة.
كما حدث في احتضان المشكلة اللبنانية والمشكلة الأفغانية والصومالية ويعلقون على الدور السعودي معظم الأمل في الحصول على حقوقهم المشروعة وتأمين دولتهم التي لم تتوقف المملكة العربية السعودية عن مساندتها في كل المحافل الإقليمية والدولية.
ولا شك أن مظاهر التكريم العربي والدولي الذي تحظى به المملكة إنما يعتبر صدى للدور الذي تلعبه المملكة كشريك في البحث عن السلام الدولي وإقراره ويترجم بصورة مستمرة وبأشكال متعددة في العالم.
والأمثلة كثيرة على هذا الدور ومن الصعب حصرها وخير شاهد على ذلك الحرب العراقية الكويتية، فقد تدخلت بكل حزم لإعادة الحكومة الشرعية الكويتية إلى موقعها .. وسعت لذلك بكل الطرق الممكنة .. ولم تدخر وسعا في الاستعانة بالدول الكبرى ذات الإمكانات الحربية في استعادة أرض الكويت من يد الغزو العراقي.
الدبلوماسية الهادئة .. النشطة
يتبع الملك فهد أسلوب الدبلوماسية الهادئة دون الأساليب الصاخبة من التهديد أو الصخب أو إلقاء كلام على عواهنه. سبيله دائما الهدوء والحكمة والصدق والصراحة والنصيحة سواء مع الدول الصغرى أو الكبرى، مما أكسبه لدى رؤساء الدول الاحترام والقوة.
يسعى الفهد دائماً لمصلحة بلاده والعرب والمسلمين. وقد أفاد العرب والمسلمون بمكانته هذه لدى الدول الكبرى يتوسط في أمور كثيرة فالصراحة والجراءة والعناد وسعة الأفق والاعتزاز بالعروبة والإسلام هي من أهم صفات الفهد التي تنطلق منها سياسته الخارجية والداخلية لتنسجم دائما مع الموقف والتحديات المختلفة.
لا يؤمن الملك فهد بأعمال الصفقات التجارية في ممارسة سياسته أو مبدأ العطاء مقابل العطاء.. وإنما يعطي بغير مقابل انطلاقا من اقتناعه والتزامه بمنهجه الإسلامي ولا يؤمن أيضا بأسلوب المساومات والحسابات .. في علوم السياسة.
اشتهر الفهد بأنه رجل التحديات والمستحيلات ويأخذ على عاتقه المشاكل المستعصية مثابراً غير متراجع أمام الصعوبات والإصرار دائما على بلوغ الهدف مهما كانت التحديات، ذو رؤية واضحة وبسيطة، متمسك بالإجماع العربي بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى. لم يقاطع مؤتمرات القمة العربية على اختلاف الظروف التي عقدت فيها، ويرى أن ذلك يضر بالقضايا العربية. وأن اللقاء والحوار قد يحدث تقارباً في وجهات النظر، وإثراء نقاط الاتفاق بين إجراءات أي مشكلة ويتبع دائما أسلوب الدبلوماسية النشطة حيث التحرك لمواقع الأحداث لأن أسلوب المراسلات والاتصالات عبر أفنية السفارات لم يعد هو الأسلوب الأنجح في مواجهة مشكلات العصر المتلاحقة.
وقد مارس هذه الدبلوماسية النشطة بنفسه عدة مرات حين اجتمع مع العاهل المغربي والرئيس الجزائري في الخيمة الشهيرة التي أقيمت على الحدود المغربية الجزائرية، وطويت صفحة خلافات جانبية وفتحت صفحة طبيعية من الود المتبادل والتعاون المشترك بين البلدين الجارين والشقيقين.
ومدرسة الدبلوماسية ترتب مجريات الأحداث في العالم وتتابع التطورات بشكل مستمر، لا ينتظر أن يطلب منه العون لشعب شقيق، فهو المبادر إلى التحرك فورا بمجرد علمه أن مشكلة أو كارثة حلت بشعب شقيق، والأمثلة كثيرة. منها دوره في إنهاء الحرب اللبنانية والوصول إلى اتفاق الطائف الذي أنهى الصراع في لبنان بعد فشل كل الدول في إيجاد حل للمشكلة اللبنانية، وبعد أن دفع شعب لبنان الثمن... ولقد وضع الفهد هدفاً كبيرا أن يبقى لبنان للبنانيين وحدهم ... ، ورغم محاولة قوى كثيرة ومنها «حزب اللّه الإيراني إبعاد الدور السعودي عن طريق الاعتداء على القنصلية السعودية في بيروت وعلى بعض الأشخاص السعوديين. إلا أنه تمسك بمساندة لبنان وكانت وثيقة الطائف التي تم على أساسها انتخاب رئيس لبنان رينيه معوض، وحين تم اغتياله انتخب الياس الهراوي رئيساً شرعياً.
فمدرسة الدبلوماسية الهادئة تعنى اتساع المجال لدبلوماسية العطاء بغير مقابل، بإقامة الجسور الجوية من خلال طائرات النقل العامة لتحمل كل ما تستطيع من مواد الإغاثة، لا ينشد سوى وجه اللّه.
ولم تكن الدبلوماسية الهادئة والنشطة فقط في إخاء الأشقاء العرب والمسلمين ومساعدتهم الفورية .. وإنما كانت أيضا في مواجهة القوى الكبرى.. فقد حاولت الولايات المتحدة الامريكية ممارسة تقييد تسليح المملكة .. ولكن دبلوماسية الفهد الهادئة أتمت صفقة صواريخ صينية .. لم تعلم بها أمريكا إلا بعد سنتين من استقرار الصواريخ في مخابئها .. ورغم الحملة الشعواء وممارسة الابتزاز التي اتبعتها .. إلا أنه بهدوء أعصاب الدبلوماسية السعودية أسكتت كل التشنجات والصرخات.
بل إن قصة طائرات الأواكس جسدت بوضوح مدى مما تتمتع به الدبلوماسية الهادئة والنشطة السعودية، حينما تمنعت الولايات المتحدة وقادت إسرائيل حملة شعواء ضد صفقة طائرات الأواكس «الإنذار المبكر» . لم يستطع الرئيس الأمريكي أو الكونجرس الوقوف أمام الإرادة الصلبة الفولاذية في الدبلوماسية السعودية الهادئة التي أعلنت السعودية أنه إذا لم تحصل عليها من الولايات المتحدة فسوف تحصل عليها من مكان آخر .. وتمت الصفقة ورضخت الولايات المتحدة وانتهت الأزمة.
وثمة مثل آخر للدبلوماسية السعودية التي تتصف بالصلابة واللين والهدوء والنشاط في آن واحد .. وتتسم بالمثابرة التي تفوق الجبال الرواسي صبرا ورسوخاً ودأباً ، حتى تحقق أهدافها بإرادة اللّه وعونه .. فحينما تولى الخوميني السلطة في إيران اتسمت بعض تصرفاته بالتجاوز السخيف وخاصة في مواسم الحج، حيث وصلت إلى حد إرسال متفجرات بلاستيكية .. ورغم حنيط المتفجرات واعتراف مدبري المؤامرة .. إلا أن الفهد أمر بكتمان الأمر .. بغية أن يخجل الجانب الإيراني من نفسه .. إلا أن الأمر تكرر في العام التالي في موسم الحج وتم اقتحام المسجد الحرام في الشهر الحرام والبلد الحرام.. وهنا فقط.. كشفت الحكومة السعودية جميع المؤامرات بالصوت والصورة والوثائق .. وأدرك حكام إيران أن سياسة اللين السعودية هي دليل واضح على منتهى القوة والثقة بالنفس.
دبلوماسية الصداقات
مواقف الدبلوماسية السعودية بقيادة الفهد، حظيت دائماً بترحيب مختلف دول العالم، لأنها تنبع من إخلاص واقتناع، وحوافزها دينية وأخلاقية وإنسانية لا تسعى وراء مصالح وغايات معينة لأن محركها في أي تصرف هو توسيع صداقتها، ولم تكن على امتداد تاريخها وسيلة لدولة أو منفذ الأغراض ورغبات تلقى إليها.
انتهجت المملكة سياسة الحياد والصواب والمسلك العقلاني، فلم تخبئ مرة أحدا، ولا اختبأت وراء أحد، ولا وظفت الدين للمزايدة والأذى ولا صادقت أنظمة رجعية. بل كانت دائما في طليعة من قاطع جنوب افريقيا وتصدت لكل مسلك سياسي عنصري كاضطهاد انسان أو أبناء طائفة معينة، ولا دعت مجموعة عسكرية مأجورة تعمل لليمين أو المتطرفين، بل التزمت بموقف الدول غير المنحازة والحياد الإيجابي. فلم تقم علاقات مشبوهة مع مجموعات رجعية ولا موّلت أو حمت أنظمة لا ترضى عنها شعوبها . فسياسة الفهد والمملكة سياسة واحدة، ليست سياستين معلنة وخفية، تنبع من مصداقية واعتدال ورصانة حظيت بتأييد العالم واطمئنانه لها دائما . وجعلت لبلاده مقعدا منيعا في عداد الدول ذات الوجه الإنساني، والداعي إلى السلام، والعامل له بصدق وإيمان انطلاقا من دين سماوي ملهم لا يوصي ولا يوحي إلا بالخير.
إن نجاح الدبلوماسية السعودية إنما يعتمد بالدرجة الأولى على ممارسات الفهد التي تأتي من منطلق مبدئ عفوي لا تصنع فيه ولا تكلف. فالفهد منيع الأعصاب يتقبل النبأ المفرح بمثل ما يستقبل النبأ السيء .. ولم تكن حرب الخليج إلا امتحانا لمدى تمرسه للصعاب في جعل الأعلام الدولي يصفه دائما بصاحب الأعصاب الفولاذية.
وإذا كانت تصرفات الفهد على ما ألفناها تأتي بالحجم المرتجى لدولة كبيرة مسؤولة عن نفسها وشعبها ومقدساتها، فإن هذا قدرها وعليها أن تتحمل قسطا من التبعات الجسام تجاه التاريخ والدول الشقيقة وهي بصدد هذا إنما توظف العلم وتستعين بالخبراء وتؤهل شباباً جامعياً من ذوي الخبرة التي ترتفع للمستوى الدولي حتى لا تحتاج لأحد، ولا تستجدي الخبرات من دول قد لا تكون مخلصة وقد تسرب أخبارها.
ولا شك أن المليك المفدى لم تربكه المتغيرات الدولية وقيام النظام الدولي الجديد، بل إنه طالب النظام الجديد بمراعاة أسس العدالة وحسن الجوار، وحل أي نزاع بالطرق السلمية ومساعدة الدول في جهودها من أجل تنمية اقتصادياتها، وهي أمور سبق أن طرحها الدين الإسلامي ونادى بحل المشكلات التي يعاني منها بعض المسلمين في بقاع كثيرة من العالم، وإيجاد تضامن عربي يقوم على الاحترام الكامل لسيادة الدول واستقلالها وحقها في السيادة على مواردها الطبيعية.
وإذا كان الفهد قد خط لنفسه أسلوبا بين زعماء العالم في كيفية التعامل مع القادة والرؤساء فإنما نبع ذلك من صدقه وموضوعيته التي جعلت شعبه وأصدقاءه يرتاحون إلى كل موقف يتخذه على أنه موقف لم ينبع من نزوة أو غرض، بل كان من وحي مقوماته من المصلحة العامة . وخير مثال حرب الخليج التي شهدت إجماعاً عالمياً على تأييد الملك فهد بلا تردد، وقد بلغ التزام المؤسسات الدولية بموقف المليك إلى حد إدانة الذين لا يرون رأيها ولا يباركون خطها.
لقد أصبحت دبلوماسية الفهد قدوة ونموذجاً في الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، وقدر أن العلاقات مع العرب كما هي مع الغرب منهج وبرنامج. فقد أعيدت العلاقات المقطوعة منذ عام 1939م مع الاتحاد السوفييتي «سابقا» عام 1994م. وهو ما يؤكد استقلالية القرار السعودي وعدم ارتهانه لأية اعتبارات إلا اعتبارات مصلحة المملكة ومواطنيها.
إن السياسة السعودية في عهد الفهد لم تنشأ من فراغ وإنما هي حصيلة ونتاج لتجارب الماضي وحاضره ، ومقدمة لمستقبله الزاهر. دور الملك فيها رئيسي في تشكيل وصياغة هذه السياسة من واقع البعد الإسلامي الواضح الذي تتبعه المملكة.
إن احترام العقيدة الإسلامية ومصالح المسلمين هي الأساس المحدد لعلاقات المملكة بالدول الأخرى، ويقول الفهد في هذا الصدد «نحن نبني صداقتنا مع الدول على مصالحنا المشتركة في حدود ألا يكون موضع قدم لأي أجنبي في المملكة، ومن أراد أن يتعامل معنا على هذا الأساس، فأهلاً به وسهلاً، ومن أراد أن يكون له موضع قدم أو أي توجيه يخرج عن نطاق عقيدتنا الإسلامية نقول له مع السلامة».
فالركيزة الإسلامية في سياسة المملكة هي إحدى دوائرها المهمة حيث تسعى دائماً لإقامة علاقات نموذجية في المحيط الإسلامي من خلال التعاون المشترك على المستوى الثنائي ومن خلال دعم المنظمات الإسلامية الدولية.
ولا شك أن إدراك الملك المفدى لمحتوى ومضمون العقيدة الإسلامية أعطى للسياسة الخارجية السعودية، وكذا الدبلوماسية القدرة على تحقيق كل أهدافها بنجاح.
الفهد.. ودبلوماسية الصداقة
ثبت من التجارب أنه من السهل أن تكسب عداوات وتقطع علاقات، ولكن من الصعوبة بمكان أن تبني ما تهدم وأن توصل ما انقطع. كما ثبت أيضاً أن أي غياب عن الساحات الدولية يعتبر دائماً لحساب الأعداء والحاقدين الذين يعملون دائماً على تأزيم العلاقات بين الدول العربية، ويصولون ويجولون ويبثون السموم ضد العرب.
فالدبلوماسية السعودية في تعاملها مع القضايا الساخنة والملتهبة سواء في المحيط العربي أو الإسلامي أو العالمي إنما تتعامل بهدوء وأناة بعيداً عن الانفعال والضجيج والصخب والمهاترات.. وذلك وصولاً للمعالجة الصحيحة والمتّزنة لكافة الأزمات والمشكلات الدولية. مرتكزة على عقيدتها الإسلامية وتراثها الحضاري لتلعب دوراً فعالاً في تحقيق السلام والاستقرار والتنمية لكل شعوب العالم.
ولا شك أن الخط الثابت المعتمد على الاتزان والاعتدال والعلانية الذي يتبعه خادم الحرمين في التعامل مع القضايا الدولية، أكسبه احترام العالم غربه وشرقه كزعيم عالمي. كما نجح الفهد بما اتّصف به من ديناميكية فعالة بعيداً عن ضجيج الإعلام وصخب التصريحات الرنانة في أن يضع لنفسه ولبلده مكان الصدارة بين زعماء وشعوب العالم وحبهم على الصعيد المحلي، ومصلحة الأمة الإسلامية على الصعيد الأشمل والأوسع تعتمد على لغة الحوار ومتابعة الضرب على الحديد، ومحاولة تفتيت الصخر لتغيير مواقف الدول الكبرى واقناعها بكل الوسائل بعدالة القضايا العربية.
لقد تمكنت المملكة بفضل حنكة مليكها وسياسته الحكيمة ونظرته الموضوعية والواقعية لمختلف الأوضاع والظروف، من أن تكون قبلة أنظار جميع المواقف والآمال على اختلاف وتعددية اتجاهاتها.. ولقد عبر المليك المفدى عن ذلك بقوله :« المملكة العربية السعودية تدرك تماماً أن العالم مصالحه متشابكة لذلك ندعو في كل مناسبة إلى تحرك في كل الاتجاهات. وعلى كافة المستويات عربياً وإسلامياً ودولياً من أجل الاستفادة من مجمل تلك الروافد التي نتوسم فيها الخير عن طريق إيجاد حلول تلاقي التأييد لقضايانا في المجتمع الدولي وتصادف في نفس الوقت القبول من الأطراف المعنية إن ما يهمنا بالدرجة الأولى أن يتحقق الفوز لقضايانا في الاتجاه الإيجابي».
وخادم الحرمين الشريفين لا يكتفي في جولاته السياسية واتصالاته الدبلوماسية مع دول العالم بحمل هموم أمته للشكوى والاعتراض فقط، بل هو يلجأ للدفاع عنها بقوة وثبات، وللمطالبة بمواقف حاسمة يشارك فيها الجميع لإزالة الظلم وردع المعتدي الصهيوني أو العربي وإحلال السلام على أساس العدل وإعادة الحقوق المشروعة لأصحابها. وموقفه بمساندة المسلمين في البوسنة ورفع حظر السلاح عنهم، يعد من المواقف الصلبة أمام تعنت الدول الكبرى وموقفها المناصر لصرب البوسنة.
أجمع المراقبون الذين تابعوا نهج الدبلوماسية السعودية بعد الانتصار في حرب الخليج على أن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، وصل إلى ذروة الحكمة والمسؤولية عندما أكد إصرار العرب والمسلمين على عدم السماح بتقسيم العراق. لأن فكرة الانتقام من الأفراد لا يجوز أن تكون الحافز إلى تهديم وطن، وأن أي مساس بوحدة العراق الجغرافية سيلحق الخسارة بالأمة العربية كلها.
لقد أكد هؤلاء المراقبون أن الأسلوب الذي يتعامل به الفهد بعد الانتصار، يسعى دائماً لحل مشاكل المنطقة، وهو أسلوب يتصف بالحكمة واليقظة والحسابات المستقبلية في آن واحد، ويسعى دائماً للتأهب للمستجدات التي لا يجوز أن يسمح لها أن تفاجئ .
ولا شك أن الدبلوماسية السعودية تكتسب حجماً متزايدا لتنسيقها المتكامل مع دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر وسوريا والمغرب وباقي الدول بالعالم في اتجاه السعودية وضرورة إشراكها في كل جهد دولي يستهدف السلام والرخاء والطمأنينة للشعوب.
ومن المؤكد أن المبادرات الإنسانية التي تغلبت عليها روح الأخوة والمحبة وظلت تقوم بها المملكة في أحلك ساعات الحرب تجاه الأسرى والمشردين والجياع والضيوف، أعطتها بعداً عالمياً في المجال الأخلاقي والعطف على المحتاجين والمتألمين.
ولم يكن انتخاب السفير السعودي سمير الشهابي رئيساً للجمعية العامة للأمم المتحدة سوى اعتراف بدور المملكة الاقليمي والدولي (1).
الفهد.. رجل الاعتدال
لقد أظهرت التطورات الجارية في منطقة الشرق الأوسط الدور السعودي الفاعل في الواجهة، وتلقى على هذا الدور ثقل المسؤولية في تحديد اتجاه هذه التطورات.
فقد تزعمت المملكة معركة تحرير الكويت وأعادت الحق إلى نصابه بمساعدة التحالف الدولي الذي لم يكن ممكناً لولا القرار الشجاع الحاسم الذي اتخذه الفهد. كما تتوجه أنظار العالم إلى الرياض حيث دعا الفهد إلى سلام الشرق الأوسط الذي تضمنه مشروعه منذ كان ولياً للعهد وتبنته قمة فاس كأساس لأي تسوية سلمية تنهي النزاع العربي الإسرائيلي، وتؤمن للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة وتعيد آلية أراضيه المحتلة.
والدور السعودي المطلوب والمرغوب فيه هو التقدم لتزعم تحالف دولي تكون مهمته خوض المعركة لإنجاح الخطوة الأولى على طريق هذه التسوية «اتفاق غزة أريحا» الذي وقعه الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي في واشنطن. وقد شدد رئيس الولايات المتحدة الذي شهد مراسم توقيع الاتفاق على أهمية الدور السعودي السياسي وعلى مركزية قيام السعودية بزمام المبادرة في تأمين المتطلبات السياسية الإسلامية والعربية والاقتصادية التي توفر لمنظمة التحرير الفلسطينية تأمين الشروط الاقتصادية لتركيز اتفاق «غزة أريحا» على أرض صلبة من خلال المباشرة السريعة في إعادة إعمار البنية التحتية للأرض التي ستديرها المنظمة في قطاع غزة وأريحا. فضلاً عن إقامة المشاريع الإنمائية والعمرانية وغيرها مما يثبت للسكان أن طريق السلام معبد بالازهار.
لقد تابع العالم بأسره بالتقدير موقف الفهد عندما أزاح الخلاف السياسي مع زعماء منظمة التحرير بسبب موقفها المؤيد للعراق خلال حرب الكويت حين أعلن المليك المفدى أنه يدعم الاتفاق ويعتبره خطوة تاريخية على طريق السلام في الشرق الأوسط على أساس المبادئ السياسية التي ترى المملكة أنه لابد من الاستجابة لها لكي يصبح هذا السلام عادلاً شاملاً ودائماً وفقاً لقراري مجلس الأمن رقمي 242 و 338 ومبدأ الأرض مقابل السلام مع تحقيق الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأرض العربية المحتلة وفي مقدمتها القدس الشريف.
وقد ذهب الدور السعودي كعهده معطاء جواداً إلى المساهمة المباشرة في الاتصالات والمساعي والجهود التي أمنت لعملية السلام بدايتها في «مدريد» ودفع عملية السلام في الشرق الأوسط على أساس أن تؤمن سيادة العرب على أراضيهم.. وقد اعتبرت الرياض أن ذلك مجرد بداية على الطريق الصحيح متسقة مع المتغيرات الجارية في العالم والمضي في أبعادها الكاملة يعتبر أمراً ممكنا وضرورياً.. خاصة أن الدعم السياسي الدولي الذي يقف وراءه يجعل الرجوع عنه أمراً متعذراً.. كما يجعل منه خطوة مهمة على طريق الحل الشامل والموضوعي للنزاع العربي الإسرائيلي كله في إطار المبادئ الثابتة التي حملها خادم الحرمين الشريفين للسلام في قمة فاس.
إن الدور السعودي بقيادة الملك فهد لا يتوقف عن دعم عملية السلام ودفعها وفق الإطار الذي تتبناه المملكة في هذا الصدد.. وذلك باعتبارها شريكاً «بغير أرباح» في أي خطوة تتخذها دولة عربية على طريق السلام والمملكة جاهزة دائما لتبسط أمام المتقدم في طريق السلام ليس كفها فقط وإنما مساعدات الرأي والقلب.
الفهد.. ورؤية استراتيجية
لم تكن صورة الجزيرة العربية في عيون الغرب المتقدم إلا مجرد صحراء قاحلة مترامية الأطراف، تجوبها جماعات البدو الرحل فوق إبلهم، رجال بقفاطين فضفاضة ونساء تفش وجوههن الحجب. وقد أضاف إلى هذه الصورة في السنوات الأخيرة صورة شيوخ النفط ذوي الثراء المفرط والبذخ غير القويم (2).
ولا شك أن هذه الصورة السطحية تخالف الواقع وما أشبهها بناشزة الجبل الجليدي يحتجب دونها تسعة أعشار الحقيقة.
فالمملكة العربية السعودية في إنجازاتها الرائعة التي حققتها، أثناء سعيها الحثيث لمواكبة التقدم وركب الحضارة تحديثاً وتصنيعاً قد أسرت اللب، وشدت الفكر وأصبح التقدم الأعجوبي الذي تحقق في مدى عقد وبعض عقد من الزمان فقط على يد خادم الحرمين الشريفين، هو بالفعل إنجاز لا نظير له في تاريخ البشر. هذه الحقيقة تتباين بشدة مع التصور السطحي الذي يسود مخيلة العقل الغربي حول جزيرة العرب، ذلك التصور الذي ارتبط في ذهنه بأنها خيالات صحراء، إنه السراب أو الوهم ولا سواه!!.
فهذه البلاد أرض مباركة، هي مسقط رأس الرسول صلى الله عليه وسلم، وكعبة أكثر من ألف مليون مسلم، ينتشرون في شتى أنحاء المعمورة يحدبون عليها ويعزونها ويستقبلونها في صلاتهم خمس مرات في كل يوم.
هذه الأرض العظيمة هي صحراء مترامية الأطراف تطفو على بحر من الزيت باحتياطيات مثبتة تبلغ 352 بليون من النفط سيدوم معينها أكثر من مائة عام.
ولقد أحدثت هذه الثروة الهائلة المتدفقة من هذا المورد الإلهي للمملكة ثورة تكنولوجية عصرية، وجعلت هذه الصحراء تزدهر وتجمل.
ولكن.. هذا كله لم يكن ليتم إلا بقيادة حكيمة فاهمة حريصة متوافقة مع التقاليد العربية والإسلامية، تعمل على حماية المجتمع من الخضات العنيفة والتضخم الجامح، هدفها رقي المجتمع ورفاهيته.
وقد كانت النتائج التي انتهت إليها خطط التطور والتنمية خلال العقد الأخير غاية في الروعة، أسكتت الأصوات المتشككة والمتحفظة وخاصة بعد أن اتضح علو فكر قادة هذه البلاد المباركة، الذين أدركوا على عكس ما ظن الحاقدون والحاسدون والمشككون ومنذ البداية أن هذا التدفق الهائل في الدخل هو لفترة محدودة الأجل. فأفادوا منه على النحو الأمثل وهم مستمرون في توجيه دفة السفينة بالاستقرار المناسب، والتحرك المطرد، وقد شملت خططهم التنموية أقاصي أرجاء المملكة حتى غدت أكبر مدينة وأصغر قرية حديث العالم لمدى التقدم والحضارة التي وصلت إليها. وأصبحت المعجزة السعودية نموذجاً ومثالاً وقدوة لأقطار أخرى في عالمنا المعاصر.
(1) من المعروف أن رئاسة الجمعية العامة لمدة عام وهي دورية بالنسبة للمجموعة الاقليمية، وفي عام 1992م كان الدور على قارة آسيا، وقد لعب تقدير دول العالم للمملكة ودورها البارز على المستوى العربي والاقليمي والدولي دوراً بارزاً في فوز السفير السعودي بالمنصب في ظل منافسة شديدة لم تشهدها الجمعية العامة من قبل.
(2)عادل رضا المرجع السابق ص 59.

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved