| مقـالات
عاصرت أو بمعنى آخر عايشت في بداية عهدي بالدراسة الأولية منذ حوالي نصف قرن تقريبا طلبة عباقرة سبقونا يتوهجون ذكاء وطموحاً، كنت أظنهم من واقعهم ومستواهم الدراسي المتقدم أساتذة في العلم والثقافة والأدب، نوابغ في ملكة الحفظ والإتقان.. وكانوا في تلك الفترة في السنة الأخيرة من المرحلة الابتدائية والتعليم النظامي بصفة عامة في تلك الفترة في بداياته الأولى، كانت تتلقفهم وتحتفي بهم المدارس المحدثة بعد تخرجهم مباشرة كمعلمين ناضجين ومديري مدارس تتوفر فيهم الكفاءة والقدرة على تربية الأجيال، نعم كانوا يؤلفون القصائد الشعرية الحافلة ويعمرون المنابر بالخطابة الرصينة.. وعندما تم افتتاح المعهد العلمي بالرياض عام 1351ه كانوا النواة الأولى والنخبة المختارة للدراسة فيه.. وعندما افتتحت كلية الشريعة بالرياض ومن ثم كلية اللغة العربية كان عماد ومرتكز هاتين الكليتين في القبول هم طليعة المتخرجين من المعهد، وعندما نجحوا وحصلوا على التقديرات المتميزة في دراساتهم العليا في الشريعة أو اللغة أصبحوا في تلك الفترة هم الكوكبة اللامعة والنخبة المختارة الواعية التي تعول عليها الإدارات الحكومية الكبرى في سد ما تعانيه من فراغ وحاجة ومعها مراكز الدعوة والمحاكم الشرعية في أنحاء المملكة وكذلك سلك التدريس في المعاهد العلمية التي انتشرت في كبريات المدن والمحافظات فيما بعد.. لقد جالت في خاطري هذه الذكريات وأنا أشاهد وأستمع إحدى القنوات الفضائية العربية المجاورة وأتابع بامتعاض ندوة ضمت على طاولتها المستديرة أحد حملة الدكتوراه في التاريخ ويا لغرابة ما سمعت، وجدته يحور ويدور بأسلوب فج وبعبارات ركيكة مع رصيد ضحل عن الموضوع الذي تدور حوله الندوة وهو لماذا تصر الدوائر الاستعمارية ومعها بعض المستشرقين على الحط من قيمة العصور الوسطى ويتناسون أو يتعامون عن ازدهار الحضارة الإسلامية وفتوحاتها وعلومها..وكنت حينها أتمنى لو شارك أحد طلبتنا الأوائل من الذين أشرت إلى نبوغهم ومستواهم المتقدم في الثقافة رغم أنهم في بواكير حياتهم الدراسية في تلك الفترة.. كما خطرت ببالي هذه الذكريات أيضا وأنا أقلب دفتر أحد أبنائي في إحدى المراحل الدراسية وأرى المستوى المتردد والمتردي الذي يسير عليه بعض المدرسين حملة الشهادة الجامعية في وقتنا الحاضر عند تقويم أداء طلبتهم ومتابعتهم وكيف نرى الفجوات الملحوظة بل الضعف والتقصير بين تلقي وتحصيل الطالب وأداء ومستوى المعلم الآن.. أما عينة أخرى وإن كانت قليلة من بعض معلمي الأجيال الآن فإنك تستغرب كيف نجحت وتخطت حواجز المناهج والمقررات واجتازت الامتحانات قبل تخرجها. وما يترجمه واقعها من ضعف وعجز عن أداء مهامها الحيوية في مجال التدريس ولنأخذ هذا المثال على مصداقية ذلك.. قبل تسعة أعوام على ما أظن تقدم أحد المعلمين إلى مسؤول كبير جدا في الوزارة التي يعمل بها يطلب نقله إلى إحدى المناطق التعليمية لظروفه العائلية.. وقد تقدم إلى المسؤول المتنفذ صاحب الصلاحية مباشرة حتى يضمن الموافقة العاجلة ويختصر الوقت والجهد والروتين، ومن أجل ذلك خط بيده رسالة من صفحة ونصف الصفحة ضمنها الإيضاحات عن أسباب طلب النقل وتقدم بالطلب صباحا وكان المسؤول في ساعة صفاء حيث لم ترد إليه المعاملات بعد.. قرأ الخطاب من ألفه إلى يائه بتمعن وروية.. لكن يا لهول ما رأى وما قرأ .. لقد استدنى القلم الأحمر وبدأ يفرز الأخطاء الإملائية والنحوية ويخط تحتها وفي النهاية وجد في هذا المعروض المحدود حوالي عشرين خطأ إملائيا ونحوياً ، وبدلا من أن ينظر في الطلب كغيره من الأوراق التي تصله تباعاً، أعاده إلى إدارة التعليم التابع لها المدرس بظرف شبه سري يطلب صورا من مؤهلات المذكور ومدة خدمته في التدريس والمواد التي يقوم بتدريسها وتقديراته الفنية والإدارية واسم الموجه التربوي الذي يتابعه.. وانتهى المطاف كما فهمت بالمعلم أن تم إبعاده عن حقل التدريس وتحويله إلى عمل إداري مناسب وتم تعديل مسمى وظيفته وراتبه على ضوء عمله الجديد.. هذا ولموضوعنا الذي أعطينا فيما مضى لمحات مقتضبة عنه إضافات وهوامش سنتطرق لها بالتفصيل في حديث قادم متوخين في ذلك المصلحة العامة التي ينشدها الجميع ومستمدين من الله العون والتوفيق..
للتواصل: فاكس: 4786864 ص.ب: 27097 الرياض: 11417
|
|
|
|
|