| مقـالات
أكثر من مليار ومائتي مليون مسلم على سطح هذه الكرة الأرضية يشكلون أحياناً دولاً بكاملها ويشكلون نسباً عالية في دول عديدة أحياناً أخرى كما يشكلون أقليات في دول أخرى. لا يكاد يخلو أي بلد في العالم من مسلمين ولكن هل أخذوا دورهم ومكانتهم بين الأمم والشعوب بما يتناسب وهذا العدد في وقتنا الحاضر؟ إن واقع الحال يقول لا.. بل وألف لا.. ولكن لماذا؟ هل أصبح المسلمون غثاء كغثاء السيل؟ لن أكون متشائماً وأقول نعم، ولكنهم قد لا يكونون بعيدين عن هذه المرحلة ولعل هناك فرصة لأن يبتعدوا عنها ويحاولوا عدم الوصول إليها، والسعي إلى تأجيلها، لأنها مرحلة ستأتي حتماً لكن هناك فرصة لتأخيرها. ليس هناك فرصة لتجاوزها أو لتجنبها بحسب الحديث النبوي الشريف «توشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل» إلى آخر الحديث ولكن لماذا وصلنا إلى هذه المرحلة رغم تزايد أعدادنا كمسلمين؟ قد يقول قائل إن أعدادنا المتزايدة هي السبب في البلاء والتراجع عن ركب التقدم العلمي وبالتالي المنافسة والصراع مع هذه الأمم القوية الأخرى لأن تزايد الأعداد السكانية في البلدان الإسلامية لا يتلاءم مع الموارد الاقتصادية. والحقيقة أن هناك من يروج لهذا القول ويدعو إليه، بل ويركز عليه ويعقد له المؤتمرات والندوات التي تساهم فيها الأمم المتحدة أحياناً وتنظمها بعض المنظمات الإقليمية أحايين أخرى أو تنظمه بعض الدول فرادى أو مجتمعة تحت مسميات مختلفة كتنظيم الأسرة، أو الطفرة السكانية، أو المشاكل السكانية، وغيرها من المسميات. لم يحاول أحد أن يستشهد باليابان ذلك البلد الصغير المساحة التي تبلغ 377835كم2 وذلك العدد الكبير من السكان الذي يبلغ 505.126 مليون نسمة، وهو عدد لا يتناسب مع تلك المساحة ولا مع الإمكانات والموارد الطبيعية الاقتصادية المتوفرة في ذلك البلد ومع ذلك لم تكن تلك الأعداد السكانية الكبيرة عبئاً على اليابان التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على الإمكانات والقدرات البشرية التي أمكن تدريبها وتعليمها واستثمارها بشكل فريد مما مكنها من أن تحتل المرتبة الأولى في سلم القوى الاقتصادية في العالم وخاصة بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية التي كانت من قبلها قوة عسكرية رئيسية، لكنها حولت جهودها البشرية ووجهتها الوجهة السليمة حيث ركزت على استثمار الإمكانات البشرية التي انتهت ببناء تلك القوة الاقتصادية العظيمة. لن أقول إن التزايد السكاني بشكل كبير في عالمنا الإسلامي (الذي يفوق 35% سنوياً) ليس سبباً في تخلف العالم الإسلامي عن مسايرة الأمم الأخرى ولكنني أقول إنه ليس سبباً جوهرياً أو رئيسيا يمكن تعميمه على كل العالم الإسلامي لأننا قد نجد هذه المشكلة واضحة بدرجة عالية في بعض الدول وأقل وضوحاً في دول أخرى وغير موجودة في كثير من دول العالم الإسلامي. إن الذي يجب أن نؤكد عليه هو أن السكان يشكلون الأساس للبناء الحضاري في أي مجتمع من المجتمعات كما أن السكان هم الذين يمثلون الثروة الحقيقية والفعلية. إن الثروة البشرية بحاجة إلى استثمار لكي تصبح نعمة بدلاً من أن تصبح نقمة وعبئاً ثقيلا. نحن نعلم أن البناء الحضاري لأي حضارة من الحضارات هو نتاج البشر من خلال ما اكتسبوه من خبرات ومهارات وتعليم والذي هو في أساسه نتاج الطموح والإصرار والفكر. إن تاريخ الحضارات المختلفة مليء بهذا الموروث الذي لا نزال ننظر إلى كثير منه بعين الإعجاب لعظمته وفخامته وأثره وتأثيره وننظر إليه أحياناً بنظرة تعجب واستغراب لا لكونه غير لائق ولكن لكونه تم في فترات قديمة حيث كانت إمكانات سكانها التقنية بسيطة ومحدودة وخاصة عندما تقارن بوقتنا الحاضر. ورغم أننا نقارن بوقتنا الحاضر والذي من المفترض ألا تحدث هذه المقارنة لكي لا يكون القياس خاطئاً إلا أننا وعندما نقارن نجد شموخ تراث كثير من تلك الحضارات القديمة. إنه من المفترض أن نحكم على تراث وفكر الحضارات السابقة من خلال التخيل والتصور للأوضاع المعيشية والتقنية والبيئية في عصر كل حضارة. إن هذا التصور والتخيل ليس بمعناه المباشر الخيالي ولكننا بالتأكيد نبنيه على الموروث الذي أمكن الوصول إليه سواء كان ذلك الموروث هو فكري مدون ومكتوب ومنقول وبالتالي محفوظ وأمكن التعامل معه لاحقا أم أن ذلك الموروث كان مادياً ملموسا متمثلاً في الآثار الموجودة حتى الآن والتي أصبحت مقصداً لكثير من السواح والدارسين وكذلك الآثار المطمورة التي يجري الكشف عنها تباعاً وتعطي تصوراً لما كانت عليه الحياة الفكرية والتعامل مع البيئة بجوانبها المختلفة التي يفرز التعامل معها من قبل الإنسان نشاطات اقتصادية مختلفة. لقد كانت هناك أمم وشعوب لم يكن لها ذلك الموروث الحضاري البارز وهي معاصرة لحضارات كونت لها تركة حضارية زاخرة وقد يكون السبب الرئيسي هو في قلة أعداد سكانها وطبيعة بيئتها كسبب ثانوي وعجزها عن الاتصال بالحضارات المعاصرة لها للخوف أو ضعف إمكانية التواصل لعجز الإمكانات. إذ كل الحضارات القديمة كان قوامها الإنسان بعدده وفكره وخبراته وتقنياته المتاحة آنذاك. وما الحضارات الحالية إلا تواصل مع تلك الحضارات السابقة وتطوير للقدرات والإمكانات البشرية.
الإنسان السوي بشكل عام هو إمكانات هائلة تحتاج لمجرد التحفيز والاستثمار والتوجيه الوجهة الصحيحة لكي يسهم في بناء حضاري تنموي متكامل. إذا أمعنا النظر في عالمنا الإسلامي عربي أو غير عربي وبتمعن شديد فإنه من الممكن القول أنه وحتى الآن لم يتم ذلك الاستثمار وذلك التوجيه وذلك الاستغلال لإنسان هذه الأمة. صحيح أن دول العالم الإسلامي الحالية والتي هي قرابة 56 دولة حديثة عهد بالتحرر من وطأة الاستعمار الغربي بدوله وكياناته المختلفة في الوقت الحاضر. والصحيح أيضاً أن ذلك الاستعمار لم يسع في أي يوم من الأيام إلى بناء أي نوع من البنى التحتية ذات القيمة التي كان من الممكن أن تسهم في نهضة تلك البلدان بعد التخلص من الاستعمار. والمؤكد أيضاً أن الاستعمار نهب الكثير من الثروات والموارد الاقتصادية من دول العالم الإسلامي خلا استعماره لها ولكن كثيراً من الثروات والموارد الاقتصادية ظل كامناً حتى خرج المستعمرون.
ولكن الاستعمار ليس هو السبب الذي أعاق استثمار البشر في دول العالم الإسلامي لأن الاستعمار رحل وبقي البشر الذين ناضلوا من أجل دحر الاستعمار. إن كثيراً من الدول الإسلامية لم تحسن الإدارة السياسية بعد استلام زمام الأمور وتاريخ كثير من الدول الإسلامية السياسي واضح وأريقت دماء كثيرة من أجل الصراع على السلطة والانقلابات الدموية مسجلة ومتسلسلة. ويمكن القول أنه لم ينج منها أي بلد إسلامي إلا في أضيق نطاق. ولا شك أن مثل تلك الانقلابات وعدم الاستقرار السياسي أسهم في ضياع كثير من الوقت في الحرص على الحفاظ على السيطرة على زمام الأمور المتعلقة بالحكم مع إهمال شديد للجوانب الحياتية وهموم الشعوب. ومن الجوانب الأخرى التي أسهمت في تخلف ركب العالم الإسلامي عن التنافس مع الدول المتقدمة هو الانقسام والتوجهات الفكرية والعقدية لدى الكثير من القادة والمفكرين في دول العالم الإسلامي والسعي إلى تبني بعض تلك الأفكار والتوجهات ومحاولة تطبيقها على شعوب العالم الإسلامي مثل الماركسية والشيوعية والعلمانية والرأسمالية دون التفكير في اختلاف البيئات. كما أن التوجه القومي والتركيز عليه شغل العالم العربي فترة من الزمن وكذلك التوجه البعثي كل ذلك أخذ من وقت الأمة وصرفت عليه الأموال الطائلة والجهود المضنية والأوقات الطويلة وكل ذلك لم يضف لتنمية وتطوير العالم الإسلامي شيئاً يذكر.
إن إنسان العالم الإسلامي بشكل عام لم يتم الالتفات إليه بشكل جاد وبشكل فعال من قبل الكثيرين ممن تولوا زمام أمره. أي أن الإنسان في العالم الإسلامي بشكل عام لم يتم استثمار إمكاناته ولم تحسن إدارته. وقبل الخوض في هذا الجانب فإنه يلزم التأكيد على نقطة هامة وهي أن الإنسان في البلدان الإسلامية شبيه بأي إنسان في أي بقعة من العالم في إمكانياته وقدراته الذهنية وأنه ليس بأقل ذكاء من أقرانه في البلدان الأوروبية مثلاً. إن أهمية هذه النقطة والتأكيد عليها تأتي من كون البعض يعتقد عكس ذلك وربما الكثيرين منا وقد حاول البعض من المغرضين وهم كثر أن يجعلوا للبيئة دوراً وتأثيراً على ناحية الذكاء وحاولوا الإيهام بأن شعوب الدول في المناطق الحارة هم أقل ذكاء وقدرات وإمكانات ولكن الواقع غير صحيح. إن لنا في أسلافنا وفي حضارتنا الإسلامية عبرة وشواهد على قدرات وإمكانات الشعوب الإسلامية حيث سطعت شمس الحضارة الإسلامية على أوروربا في العصور الوسطى أو عصور الظلام كما يسمونها. وكان ذلك في كافة المجالات من عمرانية وطبية وهندسية وزراعية واجتماعية وغيرها. ولذلك فإن ما قيل عن فرق الذكاء وربطه بالبيئات مردود. والجانب الآخر هو أن هناك مئات الآلاف من أبناء الأمتين العربية والإسلامية الذين هاجروا إلى أوروبا أبدعوا وابتكروا واخترعوا وساهموا في بناء الحضارة الغربية بشكل خاص والإنسانية بشكل عام. إن أغلب هؤلاء حصلوا على الدرجات الجامعية من بلدانهم وأكملوا تعليمهم في الدول الغربية واستقروا هناك وتفوقوا على أقرانهم في تلك البلدان وهذا ما ينفى تهمة الدونية فيما يتعلق بالذكاء ولكنه في نفس الوقت يؤكد خللاً في بيئة البحث العلمي في الدول الإسلامية والعربية مع الإيمان التام بوجود الفروق الفردية في كل مجتمع من المجتمعات. أن كل أولئك المهاجرين من العالمين العربي والإسلامي والبارزين في الدول الغربية هم من بلدان حارة. ولذلك فالحاجة ماسة إلى إعادة بناء الثقة في النفس وأنه بالإمكان الوصول إلى ما وصل إليه الغرب من تقدم علمي وتقني ولكن هذا يحتاج إلى إعادة النظر في جوانب عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية في العالمين العربي والإسلامي
ولعلي هنا أركز على الجانب التعليمي. إن لدى العالمين العربي والإسلامي وكذلك غيرهم من دول العالم الثالث فرصة للانطلاق من حيث انتهى الآخرون. بمعنى أن الغرب أكثر تقدماً في مجالات عدة منها الجانب التعليمي. لماذا لا تستفيد الشعوب الإسلامية من الوسائل والطرق التعليمية والأنظمة التعليمية والطرق البحثية بشكل أكثر فاعلية وجدية؟ إن الملاحظ على الأنظمة التعليمية في دول العالم الإسلامي هو الإتيان في وقت متأخر وعدم مواكبة المعاصرة ولذلك يستمر اللهث وقد تنقطع الأنفاس دون الوصول للهدف المنشود. دعوني أضرب مثالاً في وقتنا الحاضر في جانب تقني يتعلق بالعملية التعليمية. هذا المثال يتعلق بالحاسب الآلي وأهميته التعليمية والذي بدأ اختراعه في الستينيات من القرن العشرين على ما اعتقد ثم تطور شيئاً فشيئا حتى وصل إلى ما هو عليه الآن. إن الحاسب الآلي أصبح في كل ركن من أركان الجامعات الغربية ليس مقصوراً فقط على الوحدات أو مجمعات معينة وهو متاح للطلاب والأساتذة في أي وقت وهناك المراكز التدريبية في داخل الجامعات وهناك المناهج التعليمية لهذا الحاسب الذي أصبح أساس العملية التعليمية. الحاسب ليس قاصراً على الجامعات وإنما في المدارس منذ المراحل الأولى. أصبحت الأمية اليوم لا تعني الشخص الذي لا يجيد القراءة والكتابة وإنما أصبحت تعني الشخص الذي لا يحسن التعامل مع الحاسب الآلي فيما يتعلق بجوانب الحياة المختلفة بشكل عام وحياته التعليمية التخصصية بشكل خاص. فأين العالم الإسلامي من هذا المفهوم؟ إنه في اعتقادي وكانطباع شخصي وبناء على زيارات محدودة وقراءاتي فإن أغلبية الجامعات في دول العالم الإسلامي يقتصر وجود الحاسب على نطاق محدود وفي السكرتارية للإدارات والأقسام وللاستخدام في النسخ فقط. وإذا وجد الحاسب على نطاق أوسع فهو في مركز محدود بالجامعات كما أن هذه الحاسبات في الكثير من الجامعات لا تسعى إلى التطوير في أجهزتها وبرامجها. هناك إدراك لدى كل الجامعات في العالم الإسلامي بأهمية الحاسب الآلي ولكن الزمن يمر دون توفير تقنياته وتطبيقاته وهذا مما يزيد الفجوة في هذا المجال. وجانب آخر في التعليم الجامعي في العالم الإسلامي هو التزايد الكبير في أعداد الطلاب الذي لا يواكبه تزايد في أعداد الجامعات والمنافذ التعليمية التدريبية بل يواكبه تشدد في شروط القبول ويبقى العدد الأكبر خارج نطاق التعليم الجامعي أو التدريبي. بالتأكيد الجامعات هنا تبحث عن النوعية. هناك جامعات عديدة في العالم الإسلامي تقبل أعداداً كبيرة من الطلاب ولكن مخرجات التعليم تكون في أسوأ حالاتها. ماذا نتوقع عندما يحضر المحاضرة فوق ألف طالب؟ ماذا نتوقع عندما يقوم بالتصحيح أساتذة ومعيدون ومحاضرون ليس لهم صلة بالطالب؟ ماذا نتوقع من علم تلقيني دون نقاش ودون آراء؟ ماذا نتوقع من بيئة مكانية متهالكة البناء والتأثيث؟ هذا هو حال كثير من الجامعات العربية والإسلامية؟ إن كثيراً من الجامعات في كثير من دول العالمين العربي والإسلامي لا تخصص مكتباً لكل عضو هيئة تدريس وإنما يتكدسون في مكاتب جماعية لا تتيح فرصة للبحث ولا للقاء الطلاب ولا لجو أكاديمي مقنع. إن هناك جوانب كثيرة تتعلق بالعملية التعليمية لا تزال بعيدة كل البعد عن المواكبة وعن الأخذ بالأساليب التقنية والتربوية الحديثة التي تتيح الفرصة لفرض مكانة للأمتين الإسلامية والعربية بين أمم العالم المتقدمة.
إن هذه الأزمة الأخيرة في أفغانستان والطريقة المتبعة في إدارتها والطريقة التي دعيت بها الدول والشعوب إلى التحالف من أجل تنفيذ أهدافها أظهرت لنا كم هو العالم الإسلامي مطالب بإعادة النظر في جوانب مختلفة سياسية واقتصادية وتعليمية وحتي يتمكن العالمان العربي والإسلامي من امتلاك أدوات الرفض أو القبول بحرية مطلقة وكاملة في قضايا تهم العالم بشكل عام وتهم العالم الإسلامي بشكل خاص وحتى لا تتعرض دوله للطلب بالإجابة بنعم أو لا أو بإجابة مع أو ضد أو بإجابة موافق أو غير موافق وغيرها من مثل تلك الإجابات التي لا تدع مجالا لإبداء الرأي.
zahi2000@hotmail.com
|
|
|
|
|