| مقـالات
نحن القرويين لا نترك طبعاً تربينا عليه.. وأنسنا به. وأعاد الينا البسمة بعد تجهم من المدينة.. وأسعدنا بعد تعب ونصب من أهوال المدينة.. فتجدنا بين حين وآخر نهرب الى البر.. الى الأودية ذات الأشجار السامقة.. نستظل بظلها.. ونرمي أمتعتنا تحتها ومعنا «العدة» كاملة، الأبريق والدلة السوداوان. والقدر الذي كوته نار الحطب من تحته.. حتى ألفها. حتى ولو كانت الأرض شهباء.. فنحن القرويين نحنُّ لتلك الأرض بهدوئها ونحب فيها انسياح النظر في أرجائها من غير ان يصطدم بشيء كما يحل لنا في المدينة الصاخبة.. التي تختصر الحياة بضجيج سياراتها وفوضى العمل اليومي فيها.. وعبث الشباب المندفع في أسواقها «الرازحة تحت ثقل المطبات الصناعية».
في الصحراء كل شيء يوحي بحياة جديدة حتى ولو كانت شهباء لم يسقها المطر، ولم يطرَ شجرها، ولم ينعش نبتها، تجدنا نحنُّ الى ذلك، حنين الأرض يوم شربت دم أول قتيل على وجهها «هابيل». ويقال ان الأرض بعد ذلك لم تشرب أي دم أريق عليها.. فالدم المراق عليها ينتشر يمنة ويسرة لكنه لا يتخللها والعامل المهم في هذه الرحلات.. وجود الصحبة، والأصحاب الموافين.
فما كل رحلة تكون ذات صدى نفسي إذا لم يصاحب ذلك توافق في المزاج.. وتطابق في الأهواء.. وبعض الأصدقاء يتفقون على أمير لهم.. وهو شأن متبع في الاسلام في السفر.. وهذا يوّحد الرأي.. وقد يكون بين المجموعة صاحب مزاج شاذ، فتزداد الرحلة مسرة وهناء.. حيث يبدأ أشقياء المجموعة في اثارته من حيث تكدر مزاجه، وتبقى أشياء في الذاكرة.
أما إذا أورقت الأشجار، وتزينت الصحراء فذاك ما يتمناه الكثيرون، خاصة صحاري نجد بعد الوسمي.. لكن يظل حب الصحراء متمكنا من قلوبنا نحن القرويين فلا نتركها من حين لآخر ولو أجدبت وقد يكون حبها ناتجاً عن توفر ذكريات فيها قضيناها وقت ربيعها فتظل تلك الذكرى راسخة في القلوب والنفوس.. وتعلق الانسان بالصحراء طبيعة فيه.. ومثل هذا.. لا تجده يرتاح للمدينة كثيراً وانما يسارع في نهاية كل أسبوع الى قريته ومرابع صباه ليهنأ بقليل من الفرح والسعادة.. إننا نحب صحراءنا حتى ولو كانت شهباء أليس حب الوطن من الايمان؟!.
|
|
|
|
|