| عزيزتـي الجزيرة
فُجعت كما فُجع غيري في صباح يوم الاثنين 20/8/1422ه بوفاة فضيلة الشيخ عبد الحميد السعودي رحمه اللّه اثر حادث مروري مروع في حي القدس، والشيخ رحمه اللّه علمٌ من أعلام الدعوة إلى اللّه وعالم من علماء هذه البلاد المباركة الذين يُشار إليهم بالبنان، وهو عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض.
كان رحمه اللّه إماماً وخطيباً لجامع الإحسان في حي القدس منذ افتتاحه وحتى عام 1419ه تقريبا حيث انتقل مع وفد الجامعة للتدريس والدعوة في أمريكا لمدة سنتين حتى عام 1421ه، وكان رحمه اللّه خطيباً مفوّها بليغا واضح العبارة سلس الألفاظ حريصا على إفادة الناس وتلمس حاجتهم في مواضيع خطبه.
قبل ذهاب الشيخ إلى أمريكا كان له درس منتظم في الجامع الذي يؤم الناس فيه في كتاب عمدة الأحكام وانتهى إلى ما بعد منتصف كتاب الصلاة تقريبا.
بعد عودة الشيخ رحمه اللّه رأى أن يعيد الكتاب من بدايته نظرا لكثرة الطلبة وتجددهم، ثم رأى بعد ذلك أن يُدرِّس كتاب دليل الطالب اعتبارا من شهر جمادى الثاني لعام 1422ه .
كانت دروس الشيخ رحمه اللّه يوم الاثنين بعد المغرب في كتاب دليل الطالب وبعد العشاء في كتاب عمدة الأحكام.
يتميز رحمه اللّه بسهولة أسلوب الشرح وإيصال المعلومة بأيسر الطرق والأساليب وترتيب نقاط الموضوع ترتيبا منطقيا متسلسلا يُسهِّل الفهم للطالب، وكان يركز على المسائل المهمة كثيرة التكرار في الواقع اليومي والمسائل التي يكثر سؤال الناس عنها، وكان يحث الطلبة على الفهم أولا ومن ثم المراجعة وتبليغ الناس العلم وإيصال الخير لهم.
وكان لا يسمح بالكتابة أثناء الشرح، وكان يقول مرارا وتكرارا : سأملي عليكم، لا تستعجلوا، افهم أولا ثم اكتب. وكان درسه لا يُمل وإن طال وقته مع حرصه رحمه اللّه على الوقت ومراعاة الحضور ومشاغلهم وبعد أحيائهم، فكان الدرس ينتهي في وقته المحدد ثم يأتي بعد ذلك وقت الأسئلة، ثم بعد أن ينتهي وقت الأسئلة يجلس الشيخ مع من أراد سؤالا خاصا أو أن سؤاله لم يطرح أو يريد أن يناقش الشيخ في مسألة لم يفهمها أو غير ذلك، وكان يباسط الطلبة ويؤانسهم ويمازحهم أثناء الشرح بطرح الأسئلة عليهم لتحريك أذهانهم وجلب انتباههم وهذا كله وغيره مما شجع كثيراً من الطلبة لأن يحضروا درسه من أماكن بعيدة ومن أحياء متفرقة بل ان بعضهم كان يأتي بواسطة سيارة الأجرة ذهاباً وإياباً حرصا على درس الشيخ رحمه اللّه.
حدثني أحد الاخوة انه كان مع الشيخ في طائرة قادمة من جدة إلى الرياض، يقول الأخ: فحان وقت صلاة المغرب فقام الشيخ من مقعده ووضع اصبعيه في أذنيه وأذن لصلاة المغرب بصوت لطيف يسمعه غالب الركاب، ثم تقدم الشيخ وتقدمتُ معه في موقع مناسب في الطائرة «قبل تحديد المصليات في الطائرة» وأقام الصلاة على مرأى من جميع الركاب فصلى، فتوافد الناس إلى الوضوء والصلاة مع الشيخ، ثم جاءت جماعة أخرى وبعدها أخرى حتى انتهوا من الصلاة. انتهى الموقف.
أقول انظر إلى هذا الموقف الذي لا يحتاج إلى تعليق فتدبر بنفسك جرأة الشيخ وفقهه وعلمه في كيفية الصلاة في الطائرة، وحرصه على إفادة الناس ونشر الخير بينهم في مثل هذه الحالة، وتذكيرهم بأهم فريضة بعد الشهادتين، وأداءه للفريضة في وقتها .. الخ.
توفي الشيخ صباح يوم الاثنين 20/8/1422ه اثر حادث مروري أصيب الشيخ من اثره بنزيف داخلي حيث وجده أحد الاخوة ممن حضر الحادث رافعا السبابة ليكون آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا اللّه، فنرجو أن ينال ما وعد به الرسول صلى اللّه عليه وسلم حيث قال «من كان آخر كلامه لا إله إلا اللّه دخل الجنة» رواه أبو داود وقال الألباني صحيح الإسناد.
صُلي على الشيخ ظهر يوم الثلاثاء في جامع الراجحي وكانت جنازة مشهودة حضرها جمع كبير لم أر مثله في هذا الجامع المبارك إلا ما كان في جنازة الشيخ صالح بن غصون رحمه اللّه رحمة واسعة. وقد امتلأت مقبرة النسيم بأقارب الشيخ ومشايخه وزملائه ومحبيه وطلابه حتى تمنيت أني مكانه ولي هذا الحضور العجيب والمبشر بالخير للشيخ ومن سار على دربه درب العلماء والدعاة، وصدق الإمام أحمد بن حنبل رضي اللّه عنه ورحمه عندما قال لأحمد بن أبي دؤاد المعتزلي الضال وأصحابه: بيننا وبينكم يوم الجنائز، فعندما توفي الإمام أحمد بن حنبل صلى عليه كما قال أهل السير ألفُ ألفٍ أي مليون مسلم، وعندما توفي ابن أبي دؤاد صلى عليه ثلاثة اثنان منهم تم استئجارهما لحمل الجنازة . وكفى بهذا عظه وعبرة.
أخيرا أسال اللّه تعالى بمنه وكرمه أن يغفر لشيخنا وأن يرفع درجاته في المهديين وأن يخلفه في عقبه في الغابرين وأن يفسح له في قبره وينور له فيه وأن يجمعنا وإياه وذريته ووالديه وإخوانه وأنسابه ومشايخه وطلابه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .آمين.
سامي بن محمد المسيطير
|
|
|
|
|