| في ذكرى البيعة
إذا كانت حضارات الأمم تقاس بما حققته من نهضة وازدهار فإن ما تحقق للمملكة العربية السعودية في عهد مولاي خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله من تطور لا يمكن ان يقاس بفترة تولي جلالته مقاليد الحكم حيث فاق حجم ذلك التطور المقاييس الزمنية وذلك ليس مستغرباً على رجل عظيم كالملك فهد تلقى على يد المؤسس العظيم موحد هذا الكيان وفارسه الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه القواعد الأساسية لانطلاق المملكة الى اعلى درجات الرقي والتقدم مع التركيز على الانسان السعودي ليكون على قدر كبير من العلم وتوفير رغد العيش والحياة الكريمة له. فقد كان حفظه الله شغوفاً بملازمة مجلس والده وكانت لهذه المجالس والتوجيهات التي تلقاها على يد والده الأثر البالغ في صقل شخصيته وإخصاب تفكيره ليكون مهيأً لتولي اكبر المناصب، وعندما لمس فيه والده النضج المبكر والاستعداد لتحمل أكبر المهام انتدبه لبعض المهام الدولية لتمثيل المملكة العربية السعودية كما تولى حفظه الله في أول حياته منصبا من أهم المناصب في المملكة حيث كان اول وزير للمعارف وذلك عام 1373ه الموافق 1953م ثم تولى حفظه الله وزارة الداخلية في عام 1382ه الموافق 1962م فنائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء عام 1387ه الموافق 1967م بالاضافة الى قيامه بمسؤوليات وزارة الداخلية. ولقد كان من المهام المبكرة التي تولاها مولاي حفظه الله اختياره عضوا في وفد المملكة العربية السعودية الذي كان برئاسة الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله بمناسبة افتتاح هيئة الأمم المتحدة في نيويورك، كما ترأس حفظه الله وفد المملكة العربية السعودية المشارك في الاحتفال بتتويج الملكة اليزابيث ملكة بريطانيا عام 1373ه، كما ترأس وفد المملكة العربية السعودية في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية في دورته الثالثة والثلاثين الاستثنائية في بلدة شتورة اللبنانية عام 1380ه الموافق 1960م، كما قام حفظه الله بزيارة عدد من الدول الأوروبية حيث زار دولة فرنسا بدعوة من الرئيس ديقول في عام 1387ه، وترأس وفود المملكة لعدد من المحافل الدولية وناب عن المغفور له الملك فيصل رحمه الله في العديد من المناسبات منها مؤتمر القمة للدول المصدرة للبترول «اوبك» الذي عقد في الجزائر عام 1395ه الموافق 1975م، كما قام بزيارة لفرنسا للمرة الثانية وذلك عام 1395ه الموافق 1975م، واسفرت هذه الزيارة عن ايضاح فرنسا لسياستها تجاه القضية الفلسطينية بوجوب انسحاب اسرائيل من الاراضي المحتلة وضمان حقوق الشعب الفلسطيني. وفي 13 ربيع الأول من عام 1395ه الموافق 25 مارس عام 1975م عُيِّن حفظه الله ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء، كما ترأس جلالته عدداً من المجالس العليا منها المجلس الأعلى للبترول والمعادن والمجلس الأعلى للجامعات والمجلس الأعلى لرعاية الشباب واللجنة العليا لشئون الحج ومؤتمر القمة العربية الذي عقد في بغداد عام 1398ه الموافق 1978م ووفد المملكة في مؤتمر القمة العربية العاشر عام 1400ه الموافق 1980م، كما ترأس وفد المملكة في المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في مدينة كالكون في المكسيك وحضره معظم رؤساء دول العالم لبحث مشكلات العالم الاقتصادي ووضع الحلول للعلاقات الاقتصادية بين الدول النفطية والدول الأخرى عام 1401ه الموافق 1981م، من المملكة العربية السعودية حيث بدأ حفظه الله في ممارسة دوره في نمو وتطور المجتمع السعودي مستنيرا بشذا الأهداف والقيم الدينية والأخلاق الإسلامية وتعزيز الدفاع في المملكة بترسيخ قواعد الأمن الداخلي وتحقيق معدل مرتفع للنمو الاقتصادي عن طريق تنمية الموارد الاقتصادية والحصول على أقصى قدر من واردات الزيت واطول فترة ممكنة، كما عمل جلالته حفظه الله على تخفيف اعتماد المملكة على صادراتها من الزيت الخام عن طريق التوسع في التعليم والتدريب وتشجيع الانتاج الزراعي والصناعي ورفع المستوى الصحي وزيادة الرفاهية لجميع فئات المجتمع ودعم الاستقرار الاجتماعي، والحقيقة انه يصعب في مثل هذه المقالة ان نحصر كل ما تم انجازه في تلك المجالات الخدمية التي أصبحت تغطي كل هجرة وقرية ومدينة، كما شملت اياديه البيضاء ما يهم المسلمين في كل اصقاع الأرض وذلك بتوسعة الحرمين الشريفين وتنظيم المشاعر واقامة عدد من المراكز الإسلامية والمعاهد العلمية والدينية في عدد من الدول الأوروبية وغيرها، كما حرص حفظه الله منذ توليه على وضع القواعد الأساسية لتنطلق المملكة على أسس متينة معتمدة على كتاب الله وسنة رسوله فصدرت أوامره الكريمة باعتماد النظام الأساسي للحكم وتأسيس مجلس الشورى ونظام المناطق والمجلس الأعلى الاقتصادي وهي لبنات يشهد القاصي قبل الداني بمتانة قواعدها ونجاح ثمارها. واذا كانت الأفعال اكبر شاهد من الأقوال فلقد كان جلالته حفظه الله يستغل كل مناسبة ليتحدث الى شعبه بصراحة وعفوية بعيدا عن الخطب المكتوبة والمنمقة وانما هو حديث الاب لأبنائه والقائد لشعبه الوفي. واذا كان يتعذر ان نسطر هنا كل ما اكد عليه الفهد في حديثه لشعبه مما يعكس اهتمامه حفظه الله بكل صغيرة وكبيرة وفي شتى المجالات إلا اننا سنورد هنا مقتطفات من تلك الاحاديث التي تعكس ما يتمتع به من سعة الاطلاع وتقدير لعظم المسئولية حيث قال حفظه الله: «ان استخدام التكنلوجيا لا بد ان يخضع لمفهوم العقيدة الإسلامية وبناء المدن سهل وبناء الإنسان وانه اذا نضبت الموارد سيبقى الرجال» وفي معرض حديثه عن تطوير الإنسان السعودي يقول حفظه الله: «صناعة الإنسان هي الأساس فالمال يذهب والرجال وحدهم الذين يصنعون المال وان كل اهدافنا في البناء والتطوير وتحقيق المجتمع المتقدم لن تتم ابدا اذا لم يتم القضاء على الجهل واننا نعتبرها مهمة من أقدس مهمات ومسؤوليات الحكم». وفي مبادرات جلالته بتهيئة شعبه في مناسبة الأعياد وكل سنة وكذلك حديثه الى حجاج بيت الله الحرام كان يحدث الجميع بكل وضوح مستعرضاً ما يتشغف كل انسان لسماعه عن السياسة الداخلية والخارجية للبلاد مؤكدا على اهمية التلاحم والتضامن الإسلامي مشيداً في كل مناسبة بوفاء شعبه وما يتحلى به من القيم والأخلاق مؤكداً على أهمية الالتزام بالعقيدة الإسلامية السمحة..
* مدير عام الحقوق بإمارة نجران.
|
|
|
|
|