| في ذكرى البيعة
جاءت مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رعاه الله ملكاً للمملكة العربية السعودية بعد مرحلة تاريخية مليئة بالاحداث التي صنعها أو شارك في صنعها في سبيل خدمة الأمة منذ نعومة اظافره عندما كان بجانب والده الملك عبدالعزيز رحمه الله في مجلسه الذي كان يضم صفوة علماء الدولة وخبرائها في جميع المجالات والتخصصات مما أهله في وقت مبكر من المشاركة في المسؤوليات التي يرى والده اسنادها اليه فتولى واجباتها بكفاءة واقتدار ونجاح واستمر على هذه الصفة حتى جاء اليوم الذي شاء قدره ان يتولى فيه قيادة الدولة. ففي 21 شعبان 1402ه (13 يونيو 1982م) أي قبل عشرين عاما انتقل الملك خالد رحمه الله إلى جوار ربه فبويع ولي العهد الأمير فهد مليكاً على البلاد وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولياً للعهد وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز نائبا لرئيس مجلس الوزراء.
وعندما نستعرض اهم مراحل حياة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله نجد فيها الكثير والكثير حيث كان يتسلم المسؤوليات في مراحل مهمة من تاريخ التطور الحضاري والسياسي للمملكة العربية السعودية فمنذ أن كان أول وزير للمعارف حقق واحدا من أهم انجازاته في حياته العملية العامة وهو إرساء قواعد انطلاقها مما نرى ونلمس معطياته ونتائجه الآن وجود ملايين من المواطنين المتعلمين وفيهم آلاف من المؤهلين اكاديميا وما يزيد على مليوني طالب وطالبة في مختلف مراحل التعليم.
وحين تولى وزارة الداخلية أرسى دعائم التطور وذلك بنقل وزارة الداخلية الى العصر الحديث وتنظيم اجهزتها واستكمال مقوماتها وإقامة الأمن والاستقرار اللذين لا تطور ولا ازدهار بدونهما وشدد على ركيزة هامة في ذلك الأمر المهم هي العلم والتعليم.. حيث تولى مسؤوليات وزارة الداخلية في مرحلة تطورية مميزة وساهم في ذلك موقعه نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء ثم وليا للعهد ونائبا أول ورئاسته للمجالس العليا التي تغطي أهم قطاعات الحياة في المملكة، كل ذلك أكسبه خبرة شاملة بكل كبيرة وصغيرة من أمور الحكم والادارة وشئون الموظفين وممارسته لمسؤولياته القيادية التي تجمع العلم والعمل والحسم والحكمة والنظرة البعيدة للمستقبل والحنكة المتميزة.
وهكذا استكمل بالشطر الأول من ولاية خادم الحرمين الشريفين تنفيذ مشاريع البنية الأساسية العملاقة التي تمثلت في تطوير المدن والقرى من خلال مخططات شاملة وانشاء ودعم شبكات الطرق والجسور والانفاق والاتصالات والتوسع في انشاء محطات تحلية المياه المالحة وتطوير الزراعة وتقديم الاعانات لدعم المواد الغذائية الاساسية ودعم وانشاء بنوك التنمية العقارية والصناعية والزراعية والتسليف وتحسين أوضاع الموظفين وانشاء وتطوير الموانىء والمطارات لدولية والاقليمية والتوسع في انشاء المدارس بمعدل يزيد على مدرسة يوميا وتكامل المدن الجماعية للجامعات الثماني الى آخر ذلك من الانجازات التي نقلت المملكة العربية السعودية الى القرن الواحد والعشرين بذهول المحللين والخبراء، كما قاد مهمة صعبة جداً بنجاح من موقعه مليكاً للبلاد وهي استمرار خطط التنمية بدون توقف وتصحيح مسار الاقتصاد الوطني ليعتمد على نفسه في نموه بدل الاعتماد الكلي على موارد البترول الذي تتأرجح أسعاره بين الارتفاع والانخفاض لعدة عوامل عالمية.
كما تمكن حفظه الله من قيادة السفينة بالحكمة والطموح في آن واحد فتحقق الاستقرارالمنشود للاقتصاد الوطني وواصلت الدولة تقديم خدماتها وسجلت القطاعات الانتاجية غير قطاع البترول الخام معدلات متقدمة في النمو وحققت البلاد اكتفاءً ذاتياً في كثير من المواد الهامة وفي مقدمتها القمح ودخلت المملكة العربية السعودية السوق العالمية كمنتج لكثير من مشتقات المواد الهايدروكربونية.
وتحملت المملكة العربية السعودية تضحيات كثيرة في سبيل تحقيق الاستقرار للسوق البترولية الدولية ونجحت في ذلك دون ان تخل تلك التضحيات بمتطلبات التنمية والازدهار أو الاخلال بالالتزامات الاخوية التي أخذتها على عاتقها تجاه بعض الدول الشقيقة العربية والاسلامية وقضاياها المصيرية، وهكذا سارت معطيات هذه الفترة المتميزة من تاريخ المملكة العربية السعودية وفق الأهداف بالاساليب التي رسمها خادم الحرمين الشريفين ايده الله داخلياً وخليجياً وعربياً وإسلامياً ودولياً.
كما اهتم بالاجتماع الى ابناء شعبه من طلاب الجامعات والمبتعثين وضباط القوات المسلحة وقادة القوى المشاركة في مواسم الحج ورجال الاعمال وغيرهم والتحدث اليهم في حوار مفتوح وصريح حول مختلف الأمور ايمانا منه حفظه الله بأن بناء الوطن يستدعي مشاركة جميع المواطنين على اختلاف اعمالهم ومسؤولياتهم وبأن الدولة حريصة على ان يعرف الجميع كل شيء حول السياسة الداخلية والخارجية وان يستفسروا وان يقترحوا وان يستمعوا من المليك القائد الى اجابة على كل سؤال.
وفي الوقت الذي سارت فيه الانجازات التطورية بطريقها المرسوم في مختلف المناطق والمدن والقرى كان يقابل هذه الانجازات تطوير مماثل للحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة، وحرص الملك فهد على ان يشرف بنفسه على المشروعات الخاصة بالاراضي المقدسة وان يقضي بعض الوقت كل عام فيها لمتابعة الخطط الموضوعة والاطلاع على ما نفذ منها وإصدار التوجيهات التي يراها ليكون الانجاز المتحقق في مستوى المسؤولية التي تحملها المملكة العربية السعودية تجاه البقاع الطاهرة، ومن هنا كان قراره الذي أعلنه في المدينة المنورة باتخاذه لقب (خادم الحرمين الشريفين) الذي يفخر به ويحبه وإلغاء كافة الألقاب والتعابير الأخرى، ولعل في هذا اللقب الذي اتخذه الملك فهد رسمياً ما يفسر التطلعات التي تعتمل في ضميره ووجدانه، من التطلع الى الله تعالى معينا ومن دينه القويم هادياً، ومن شريعته السمحة طريقاً ومن خدمة الحرمين الشريفين شرفا ومسؤولية وما انشاؤه مطابع خاصة بكتاب الله بعدة لغات بالمدينة المنورة وتوزيعه على المسلمين في جميع انحاء العالم إلاّ تاج يضاف الى اعماله الجليلة فجزاؤه الله عن العقيدة وعن الوطن والاسلام خير الجزاء وجعل اعماله في ميزان حسناته يوم لقاء ربه بصحة وعافية دائمتين ليكمل ما خطط له وعمل من اجله وحفظ سمو ولي عهده الأمين وسمو نائبه الثاني وجميع الأسرة المالكة الكريمة والشعب السعودي الكريم انه سميع مجيب.
|
|
|
|
|