| في ذكرى البيعة
* الطائف هلال الثبيتي:
نظم النادي الادبي بمحافظة الطائف مساء يوم الثلاثاء الماضي محاضرة بعنوان «في مواجهة التحديات» ألقاها الدكتور ابراهيم بن محمد العواجي وذلك بمناسبة مرور عشرين عاماً على تولي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله مقاليد الحكم. وذلك بحضور رئيس بلدية محافظة الطائف المهندس محمد بن عبدالرحمن المخرج.
وقد قام الدكتور عالي بن سرحان القرشي بتقديم الضيف حيث اكد ان افتتاح النادي فعالياته بمناسبة مرور عشرين عاماً على تولي خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم بمحاضرة الدكتور ابراهيم بن محمد العواجي فقد احسن النادي الادبي بالطائف الاختيار لان هذا الرجل حضر تاريخ التنمية الادارية وتاريخ التنظيمات الادارية.
بعد ذلك بدأ الضيف الدكتور ابراهيم العواجي محاضرته «في مواجهة التحديات» قائلاً:
ونحن نحتفل بالذكرى العزيزة لمرور عشرين عاماً على تولي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز قيادة البلاد لابد ان نقف عند حقيقتين مهمتين:
الأولى: ان خادم الحرمين الشريفين لم يكن قبل عشرين عاماً جديداً على مركز القيادة فهو تربى في احضان موحد هذه البلاد العظيم الملك عبدالعزيز ذلك العبقري الشجاع الفذ الذي استطاع ان يحقق دولة موحدة تشبه المعجزة بلا امكانات سوى الايمان والارادة الخارقة والتفاف مواطني هذه البلاد بكل شرائحهم حول علم لا إله إلا الله محمد رسول الله متعطشين للامن بعد الخوف والعدل بعد الظلم والوحدة بعد الفرقة وقد تعلم فهد في مدرسة المؤسس دروس الحكم والادارة ثم لسنوات طويلة وضع اسس التعليم الحديث بالمملكة ثم ادارة امن البلاد في ايام عصيبة استطاع خلالها من تطوير اجهزة الامن بشكل كبير.
الثانية: تتمثل في الانجازات التنموية الكبيرة التي عشناها ولا نزال نقف اليوم امام التحدي ليس للمحافظة عليها فقط ولكن لمواصلة المسيرة وتطوير معطيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والادارية والثقافية بما يؤهلنا للتعايش مع المتغيرات من حولنا وهو تحدّ متشعب الجوانب والابعاد.
وقال: سوف احاول في هذه الوقفة ان استعرض بعض هذه الانجازات التنموية الكبيرة ما استطعت:
أولاً: ان المحافظة على المنجزات التاريخية التي نعيش في ظلها من وحدة الوطن الى الاستقرار والامن الى الانجازات الاقتصادية والخدمية الحديثة تطرح في تقديري التحدي الاول الذي نواجهه كوطن يتساوى بالمسئولية لا بدرجتها المواطن والحكومة.
وأضاف : دعوني أشرككم رؤيتي لهذه المسئولية. كنا اعتدنا في الماضي كمواطنين على ان تقوم الحكومة بأجهزتها بالنيابة عنا في كل شيء اما اليوم فان التحولات واتساع الدائرة الحياتية بكل عناصرها تملي على المواطن مسئولية اكبر لحمل ما تمكنه ظروفه ومواقفه تجاه الوطن وفي المقابل فان على اجهزة الدولة مسئولية اعادة النظر في اوجه واساليب تعاملها مع المواطن وموازنة ما تتوقعه منه من مسئولية مع ما تمنحه هي له من مساحة للتحرك وما تقدمه له من فرص او خدمات. اي انه لا بد من اعادة تحديد العلاقة ضمن استحقاقات المسار الواحد لحماية الوطن ودفعه الى الامام لا بد من التحولات المرافقة لمخرجات العولمة اللازمة بالتفكير في تحديث قنوات الاتصال وتطوير ادوات العلاقة المتبادلة بين الموظف العام والمواطن العام تحديث يستمد مقوماته من قوانيننا المتميزة ومن متطلبات التطور والتحديث.
واشار إلى أنه يقصد بهذه التحديات في هذه المناسبة ضمن اطار مصدر كل التحديات التي ذكرت في مستهل هذه الكلمة وهو التحدي الاكبر في الحفاظ على كياننا الوطني بكل مقوماته المتمثلة في الاستقرار السياسي والامن الاجتماعي والاقتصادي ومواصلة التحديث والتطوير للبنى التحتية والخدمات العامة. إنها
أولاً: تحديات أمنية:
قال لماذا الأمن اولاً لأنْ لا حياة مع الخوف ولا تنمية مع القلاقل والفتن ولانه ليس هناك ما هو اهم من أمن الوطن والنفس والعرض والمال الامن الذي كان باذن الله المفتاح الذي فتح باب الحياة الآمنة الحديثة لهذه البلاد انه امر اساسي بدونه تضيع كل الاشياء القيمة لاي مجتمع اذا اختل امنه اللهم آمنا في أوطاننا.
وأضاف ان فائدة الامن لا يمكن حصرها او قصرها على فئة دون اخرى في اي مجتمع فهو حق لكل مواطن ومسئولية عليه له الاولية وليست مسئولية اجهزة الامن فقط واذا كان الامن هو الاساس فما الجديد؟! لا بد ان نفرق بين مستويات من القضايا الامنية هناك امن الروح والعرض والمال الذي يؤثر لاسباب معاشية وتربوية ونفسية والامن الكلي او امن الوطن الذي يتميز به وطننا ولله الحمد.
وبين ان المتغيرات الجديدة وما رافق الاحداث الدولية التي نعيشها الآن تفرض على كل مواطن ان يمارس دوره بشكل وبدرجة تتفوق على كل ممارسة سابقة لان الوطن الآن مستهدف من قبل قوى الشر الظاهرة والخفية باسم مختلف المقولات والدعاوى المفتعلة من اجل هدف واحد تجتمع من اجله الاضداد.
هو تحدّ من الدرجة الاولى علينا جميعاً ان نعيه جيداً وان نكون مستعدين لمواجهته وحده مهما كانت مسمياته ومظاهره. هو تحد تلتقي حوله فئات خرجت من تحت جلودنا وتحاول ان تبث السموم في بدننا مع قوى خارجية تحاول ان تنقضّ على ثوابتنا الدينية والتنظيمية باسم محاربة الفئة الاولى فئة تسعى باسم الاسلام ان تهدم الاسلام وتشوش على اقوى نظام اسلامي يطبق ويرعى شرع الله في الدنيا قاطبة وقوى تحاول ان تمس من الاسلام بذريعة مقاومة الارهاب الذي نجحت الفئة الاولى في ربطه بالارهاب.
ثانياً: تحديات ثقافية:
وهذا التحدي يحتاج منا الوعي واليقظة والمقدرة على التمييز بين الادعاء والممارسة بين الحق والباطل بحيث لا تختلط علينا الامور ولا يعسر علينا الفهم والتفريق بين ما يخدم مصالحنا العليا وبين ما هو يسيء الى مقومات شخصيتنا وبين ما هو مفيد وما هو ضار بين ما هو اسلامي حقاً وما هو خارج على الاسلام وبين من هو صديق حقاً وبين من هو صديق لمصلحة محددة ونحن في هذه المرحلة الزمنية الصحية مطالبون بأن نمارس مسئوليتنا تجاه ديننا وحكمنا واستقرارنا وامتنا بدون التباس او خلط للمفاهيم والتشوه العاطفي. ولعلنا نلاحظ التركيز الغربي المكثف على دور عقيدتنا فيما يحدث والرباط إعلامياً بين الارهاب المرفوض منا والذي كما قال سمو الامير نايف: اننا من اول ضحاياه منذ عشرين عاماً وبين الدين الاسلامي حتى اصبح كل مواطن سعودي في الخارج مشتبهاً فيه ومتهماً بعد ان كان انساناً تتنافس الدول والشعوب على التعامل معه.
وبيّن ان شروط التصدي لمثل هذا التحدي ان نخرج من موقف المدافع. الهدف الى موقف المؤمن القوي المواجه خاصة ونحن نملك كل المؤهلات لأداء هذا الدور.
ثالثاً: تحديات اقتصادية:
وتأتي التحديات الاقتصادية في رأس القائمة لان على مدى سلامة وصلابة ونمو الاقتصاد الوطني تتوقف قدرتنا على مواجهة المستقبل، انها اداة قوة كما هي اداة حياة، فبلادنا غنية بالموارد الطبيعية ولكن على درجة توطينها وحسن توظيفها وادارتها تتوقف درجة قيمتها للوطن والتحديات الاقتصادية تحمل تركيباً واسعاً من العناصر التي تكون في مجموعة النشاط الاقتصادي المنتج القادر على البقاء والتقدم مثل قدرتنا على الذاتية على تنمية الموارد الطبيعية ضمن الوعي بأن هذه الثروات ليست ملكاً لهذا الجيل والجيل الذي يليه بل هي مصدر البقاء لكل الاجيال القادمة، المنظورة على الاقل. ويأتي العنصر الجوهري في كل جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وهو الانسان لنواجه سؤالاً كثيراً ما رددناه واحسسنا اننا استوعبناه او حاولنا التعامل معه بالدرجة التي ترقى إلى حيويته ولا اظننا فعلنا ما يكفي فالنمو السكاني السريع قد يكون مطلوباً اذا كان يعني زيادة في طاقة الانتاج لا زيادة في الاعباء الاقتصادية والسلوكية.
وقال: كلنا نعرف الجهود التي تبذل في مجال التعليم الاساسي والتدريب ولكنني اعترف لكم بأنني لا اظن ما نعمله كافياً. فنحن ننظر لموضوع التعليم والتأهيل كقطاع عام وهو في الحقيقة القاسم المشترك في كل القطاعات العامة والخاصة، لذا نحن نحتاج الى اعادة تفكيرنا في اولياتنا الوطنية لان السياق في ظل ما نقوم به الآن ليس في صالحنا لان زيادة السكان الكبيرة تعني اما مجتمعاً فاعلاً او مجرد ارقام حركية من البطالة والانحراف بكل صوره وألوانه وحين تخسر القطاعات الاقتصادية الصناعية والتجارية والزراعية والخدمية اي المجتمع انساناً بسبب عدم تأهيله أو لعوامل اخرى فان الناتج خسارتان
الأولى: اقتصادية انتاجية والثانية: اجتماعية لانه من لا يعمل اي العاطل سيكون عبئاً على اسرته ومجتمعه من جهة وانسان مؤهل يكون اداة سلوكية سلبية في المجتمع.
واشار الى بعد ذي اهمية في المجال الاقتصادي والخدمات المرادفة وهو ما اصطلح على تسميته بالتخصيص وهو يمثل اتجاهاً صحيحاً نحو بناء نظام اقتصادي متين فالدولة من جهة لا تستطيع مهما اتسعت مواردها تقديم كل انواع الخدمات ذات الكلفة الاقتصادية الكبيرة في بلاد شاسعة مثل بلادنا بنفس المستوى السابق.
كما أن مرحلة التطور المحلي والدولي ومدخلات نظام السوق العالمي الجديد تقتضي تفرغ الدولة لتقديم الخدمات الاساسية والتفرغ للتطوير والمتابعة المنظمة والمراقبة الجيدة لمختلف النشاطات الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق العدالة والجودة في الخدمات ويرتبط بهذا الجانب التحدي للخروج من نفق الاعتماد الكلي على البترول وهذا لن يتم ما لم تترك الدولة الخدمات العامة للقطاع الاهلي وتنمي الدور المدني في الحياة الاقتصادية والادارية والخدمية.
وبيّن انه في نفس الاطار هناك التحديات المرتبطة بالتقنيات الحديثة المتسارعة في مجال الانتاج الصناعي والتجاري والاداري ومثلها المتعلق بتقنية نظم الاتصالات والمعلومات تلك التي لم يعد التعامل معها لمن ينشد التقدم اختيارياً لانها بوابة الحياة المعاصرة وفي هذا الصدد فانا اكثر اطمئناناً تجاه هذا الحقل المعرفي لان بوادر الوعي بأهميته بدأت تأخذ بعدها الصحيح في المجتمع ولكن المهم هو ادراك اهمية هذا التحدي.
رابعاً: التحديات الاجتماعية:
وقال في هذا الصدد: جميعنا يدرك الآثار السلبية على بنية الاسرة ومن ثم المجتمع وانماط السلوك المنحرفة نتيجة التحولات المعرفية المعلوماتية والانماط السلوكية الوافدة الينا من مختلف الاتجاهات واحد مخرجات العولمة، ولنأخذ مثلاً الآثار الناجمة عن انظمة الاتصالات الحديثة كالاعلام الفضائي الذي لا تملك الدولة ولا الجهات الاجتماعية المعنية وسيلة لمنعها او حتى الحد من آثارها وتفرض علينا تحدياً صعباً لا تعالجه القرارات الرسمية وانما يحتاج الى المواجهة بأسلوبين: الاول وجود البديل الوطني القادر على جذب اهتمام المتلقي باستعمال الاشكال الحديثة كاطار لمحتوى يلتزم بقيمنا وثوابتنا الدينية والاخلاقية واهدافنا السياسية الثابتة.
واضاف قائلاً: بالرغم من صعوبته فانه ممكن التحقيق اذا ما توفرت له الارادة الواعية ووفرت له الامكانات الضرورية والاسلوب الثاني مرتبط بمدى وعينا كمجتمع وكأسر بإيجابيات وسلبيات هذه المخرجات الهائلة التي تتدفق علينا وتدخل علينا حتى غرف نومنا وكذلك بمدى جديتنا في نشر هذه التوعية وتحصين الاجيال ضد الفيروسات الهلامية التي ستؤدي في النهاية «كما نرى بعض آثارها الآن» الي مسح هوية الاجيال والخروج بشخصيات مشوهة لا تمثل مطالب هويتنا ولا هي تمثل مواصفات الهويات الانتاجية في المجمعات الاخرى ولانه ليس كل ما تصبه وسائل الاتصال الحديثة (الفضائيات والانترنت مثلاً) من معارف او مخرجات اخرى سلبية فكثير منها يحمل ما هو مفيد فإن ما نحتاج اليه هو القدرة على انتقاء الافضل وهذه الانتقائية لا تتم بقرارات رسمية او مواعظ عامة ولكن بالوعي وبالقدرة على فرز ما هو مفيد وما هو غير مفيد اعتماداً على معايير مستمدة من مراجعنا وشروط هويتنا الوطنية.
خامساً: التحديات الإدارية والتنظيمية:
وفي هذا الموضوع بيّن اننا مجتمع يعتمد في كل شئونه على اجهزة الحكومة فان مستوى ادائها ينعكس على كل جوانب حياتنا ومع ادراكي لاهمية الجهود المتواصلة التي تبذل في سبيل تطوير هذه الاجهزة فانني اعتقد بان مستوى السرعة التي تتم بها التطورات في الداخل والخارج تفرض علينا تحدياً مماثلاً بالاسراع في اعادة النظر في مجمل التنظيمات والاجراءات الادارية انطلاقاً من مستويات القرار الرئيسية نزولاً الى المستويات التنفيذية الدنيا. هذا المطلب هو ما عبر عن الحاجة اليه قرار سمو ولي العهد منذ عدة اشهر الذي حدد مدة لكل معاملة يتم المحاسبة في ضوئها وهو يمثل اشارة الى ادراك ولاة الامر بوجود خلل اداري او تنظيمي يحتاج الى اعادة نظر. ولكي نمكن هذه العربة (الادارة العامة) التي تقلنا على طريق الحياة اليومية كما الى الخطوط الامامية للتقدم الحضاري من الحركة بالسرعة الملائمة لسرعة كل المتعلقات بها الوقت والخدمة والعدل والمساواة ومقتضيات التطور فلابد من اتخاذ عدة خطوات غير تقليدية لرفع كفاءتها من خلال:
إعادة النظر بنظام أو نظم اتخاذ القرارات في اتجاه اللامركزية
اعادة هيكلة الاجهزة المعنية اما بخدمة برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية او بالخدمة العامة وصولاً إلى :
1 التخلص من البطالة المقنعة التي تمثل عبئاً على الاداء اكثر منها عبئاً على الموازنة العامة.
2 الاستفادة من التجارب الاخرى في تحويل المزيد من الخدمات العامة للقطاع الاهلي
اعادة النظر بوضع اجهزة الرقابة الادارية لان على مدى فعاليتها يتوقف الكثير من نتائج العمل الادارية.
وفي نهاية المحاضرة نسأل عن كيفية مواجهة مجمل التحديات هذه وغيرها المنظور وغير المنظور؟ وما هي اسلحتنا في وجه القوى التي تستهدفنا وقوى الجذب في الاتجاه الآخر؟ وقال: الاجابة الشافية تكمن فينا في عقيدتنا الصافية من الشوائب والتحريف لاغراض تتعارض مع غاياتها ومع مصالحنا الوطنية، في ديننا دين الحب والرحمة والتراحم والحياة كما تكمن فينا في انساننا المؤمن بوطنه وبمسئوليته وبشجاعته في وجه كل انواع الهدم او التراجع او حتى الوقوف او اللا فعل وفي نظامنا السياسي الخارج من رحم المجتمع نظام يمثل مفتاح الامان والامن لمستقبلنا في وجه العواصف. نظام تتمثل قوته في التزامه بكتاب الله وسنة رسوله وبعلاقته المميزة بمجتمعه كما تكمن في منظومة قيمنا وذاكرتنا ووجداننا وتراثنا ووعينا واحلامنا في هويتنا الوطنية التي تستحق لما تمثله من قيمة أن نفديها بكل ما نملك.
|
|
|
|
|