| سيرة ذاتية
*
ورث جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه اللّه، عن أبيه مقدرته على معرفة معادن الرجال، وحسن اختيار معاونيه، واعتماده بعد اللّه سبحانه وتعالى على كفاءة الرجال بصرف النظر عن أي شيء آخر. وكان للملك فيصل رحمه اللّه فراسة لا تخيب ونظرة صائبة لا تخطئ الا أن يشاء اللّه.
وقد رأى في أخيه سمو الأمير فهد بن عبد العزيز ما سبق أن رآه والده الملك المظفر عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود.
رأى أن الفهد كان أكثر من كفاءة وأن مواهبه متعددة، فهو رجل الداخلية الحازم، ورجل العلاقات الدولية الواسع الأفق، وهو إداري متميز، وعسكري منضبط، وشاب مؤمن يحمل بين جنبيه روح المؤمن الطموح لوحدة صف أمته وتضامنها، المشتعل بالحماس لخلاص المسلمين من قيود الاستعمار ونير الصهيونية الجاثمة على صدرها.
فراسة الفيصل
رأى الفيصل ذلك كله في الفهد وخبره فيه بنفسه من خلال تعامله اليومي معه في الداخل، واصطحابه له في معيته أثناء رحلات إلى الخارج. ولم ينس جلالة الملك فيصل رحمه اللّه ذلك الحس السياسي المتقد الذي لمسه في الفهد يوم عهد إليه الملك عبد العزيز باصطحابه معه في رحلته إلى مؤتمر الأمم المتحدة بنيويورك سنة 1365ه الموافق 1945م.
فلا عجب إذن أن يعين جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز بعد مبايعته ملكا على البلاد في 16/6/1384ه أخاه سمو الأمير فهد بن عبد العزيز وزير الداخلية نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للدفاع والطيران بالنيابة إضافة إلى استمراره في حمل مسؤولية وزارة الداخلية.
وكان الفهد على قدر المسؤولية رغم ثقلها وتعددها، ونهض بمسؤولياته الكثيرة بعزم الشباب وحنكة الشيوخ، وناب عن الملك في كثير من الملمات ورحلات العمل والمؤتمرات العربية والدولية في الوقت الذي لم تغمض له عين عن السهر على الأمن الداخلي وشؤون البلاد والعباد.
وكان عند حسن ظن الملك فيصل به، فتولى كثيرا رئاسة مجلس الوزراء عند غياب الملك أو غياب ولي العهد والنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء سمو الأمير خالد بن عبدالعزيز رحمه اللّه .
ومن موقعه نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء عهد إليه جلالة الملك فيصل بأن يكون القوة المحركة لتنفيذ أول خطة تنمية خمسية في المملكة العربية السعودية «1390 1395ه»، فأشرف الفهد على برامجها وكان قوة الدفع التي لا تعرف الكلل أو الملل في تنفيذ برامجها وإنجاز أهدافها، فكانت هذه الخطة الخمسية الأولى للتنمية بحق نقطة التحول التي شهدتها المملكة العربية السعودية في بنيتها الاقتصادية، والنقلة الهائلة التي حدثت في الاتجاه نحو النمو والنهضة والتطور التي ظهرت بشائرها في عهد جلالة الملك فيصل الميمون.
ولم ينس الفهد من موقعه نائبا ثانيا ودافعا محركا لمسيرة خطة التنمية الأولى أن التعليم المحرك الأساسي لأي خطة تنمية، فالتفت إليه وهو رائده ورافع رايته في المملكة منذ كان أول وزير معارف يعينه الملك عبد العزيز رحمة اللّه عليه كان خادم الحرمين الشريفين منذ تلك المرحلة الباكرة في حياته يرى أن التعليم نقطة الانطلاق الأساسية لأي أمة نحو خطط تنمية ناجحة ، ونحو نهضة يصاحبها أمن واستقرار ورفاء، وهو ما تحقق بالفعل في عهده الزاهر.
في مدرسة الملوك
وازداد سمو الأمير فهد بن عبدالعزيز وزير الداخلية والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء حكمة على حكمة من ثقة جلالة الملك فيصل فيه، وكثرة مرافقته له في الداخل والخارج ومن هنا كانت تجربته ثرية وخلاصتها عظيمة بمعايشة ثلاثة ملوك ما تعلمه أولا في مدرسة والده الملك المؤسس، وهي مدرسة الدروس الكبرى، وما أفاده من تجربة أخيه الأكبر الملك سعود الذي عينه وزيرا للداخلية تنفيذا لما توسمه فيه الملك عبدالعزيز من نجابة وحسن تدبير في شؤون الأمن الداخلي ثم من الملك فيصل دروس الحكمة والصبر في التعامل مع القضايا الاقليمية والدولية، والعمل على ريادة المملكة العربية السعودية مهبط الوحي وموئل العروبة أضيف إليها بعد ذلك ما استجد في مدرسة الملك خالد بن عبد العزيز سحابة الخير والنبل والطيبة التي كان الفهد فيها عضداً لأخيه ومعينا له على تأدية الأمانة وحمل المسؤولية. بهذه الخبرات لعب الفهد دورا أساسيا في رسم سياسة وطنه الداخلية والخارجية في عهدي الملكين سعود وفيصل رحمهما اللّه واستطاع بناء نهجه السياسي المتوازن الذي لا يعرف الغلو والشدة، ولذلك لم نعرف عنه إخفاقات في مناصبه التي تقلدها ولا تردد أو إحجام في قراراته التي اتخذها، لأنه لم يكن يتخذ قراراً إلا بعد تروٍ وتفكير.
ومن واقع هذا المنطلق لشخصيته كان لسمو الأمير فهد بن عبد العزيز مواقف جسدت فلسفة المملكة العربية السعودية وسياساتها التي لا تحيد في دعم المجهود العربي والإسلامي، رأى الفهد الفيصل يرفع راية التضامن الإسلامي في وجه القومية العربية العلمانية وينقض على أعدائه الذين حاربوه فلما انهزموا أمام العدو المشترك لم يخذلهم لأن في هزيمتهم هزيمة لكل العرب والمسلمين.
وكانت المملكة العربية السعودية في هذا الموقف ترسم صورة رائعة للوجه العروبي الذي لا يمكن أن يكون عروبيا بحق الا بالإسلام، فالإسلام هو الذي صنع ما يسمى بالوطن العربي اليوم. ومن أرض الجزيرة حمل المسلمون الأوائل العروبة نسبا والإسلام عقيدة، فلما دانت تلك الشعوب بالإسلام تكلمت العربية، وما كان للعربية أن تكون بهذا الاتساع ولا تظفر بهذا الخلود لو لم تتشرف بأن أوحى اللّه الذكر الحكيم لنبيه بها.
شهامة اليوم المشهود
ولما جاءت هزيمة 1387ه المشهورة بهزيمة 1967م وقفت عروبة السعودية المسلمة تضمد الجراح، وتنسي الخلاف تحت شعور جارف بأننا كلنا «في الهم شرق» كما قال شوقي رحمه اللّه وكان للأمير فهد بن عبد العزيز في هذا الموقف دور مشهود في رأب الصدع والدعوة للتعاضد والتآزر وجمع الشمل ونسيان الماضي وبناء قاعدة للعمل العربي المشترك ضد العدو المشترك الذي يريد أن يفتك بكل العرب وكل المسلمين بصرف عن تفاصيل معتقداتهم واتجاهاتهم السياسية، وبتوجيهات من جلالة الملك الحكيم فيصل بن عبد العزيز أصدر سمو الأمير فهد بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية ووزير الدفاع والطيران بالنيابة بيانا بتاريخ 20/2/1387ه الموافق 29/5/1967م قال فيه:
بناء على التوجيهات الملكية السامية، التي صدرت عن القائد الأعلى للقوات المسلحة السعودية قبل أيام، لوضع كافة قواتنا المسلحة تحت الإنذار، كانت قد صدرت إلينا على إثر ذلك التعليمات الخاصة المستعجلة من صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن عبد العزيز نائب جلالة الملك، باستنفار جميع الوحدات البرية والجوية والبحرية، ووضعها على أهبة الاستعداد.
وقبل يومين، أصدرنا تعليماتنا المستعجلة إلى جميع قادة المناطق العسكرية والأسلحة المساندة بذلك.
كما أن الاجتماعات العسكرية الهامة مع كبار المسؤولين المختصين توالت خلال اليومين الماضيين، لوضع الأوامر الخاصة بتحرك الوحدات الشمالية إلى مواقعها المتقدمة على ساحل خليج العقبة، على طول امتداد حدودنا الإقليمية لمواجهة أي خطر اسرائيلي غادر على الأراضي العربية في هذه المنطقة.
وإيمانا من سياسة هذه المملكة الصريحة التي أعلنت عنها دائما بوقوفها مع أشقائها العرب ضد أي خطر يهدد سلامتهم وأمنهم وأرضهم.
وإيمانا من هذه المملكة بأن مصير العرب المشترك يحتم علينا الوقوف صفا واحدا وقلبا واحدا مع كل العرب، وإن اختلفت بعض وجهات النظر السياسية مع البعض في هذه الأيام.
فإن هذه المملكة، وعلى رأسها القائد الأعلى للقوات المسلحة، يحفظه اللّه، ترى أن الظروف العربية الراهنة تحتاج إلى جهود وتنسيق مشتركين، وتحتاج أيضا إلى عمل مشترك في كافة المجالات مع أشقائنا العرب تجاه العدو المشترك، ومن يسانده من الدول الاستعمارية.
وعلى هذا الأساس فإن المملكة العربية السعودية تتجاهل الخلافات الثانوية، وتقف في مستوى الأحداث القومية والسياسية والعسكرية والعربية، لتكون يداً واحدة، وسلاحاً واحداً، ضد العدو الغادر المتجني على حقوق أمتنا ووطننا العربي الكبير في كل دنيا العرب.
لذا، فإن وزارة الدفاع والطيران تعلن أن قواتنا البرية الضاربة بأسلحتها المساندة الكاملة، قد تحركت واحتلت المواقع الأمامية على طول ساحل خليج العقبة، واتخذت مراكزها العسكرية المقررة، لمساندة أشقائنا العرب في هذا الخليج العربي، وصدرت إليها الأوامر الحاسمة، لصد أي اعتداء غادر على أي جزء في هذه المنطقة، وصدرت الأوامر، كذلك إلى القوات الجوية لوضع كافة إمكاناتها لأي إسناد جوي تحتاجه هذه المنطقة.
أما بقية قواتنا المسلحة فإنها مستعدة للتحرك السريع إلى مواقعها المحددة لتساند أي جبهة عربية تحتاج ذلك.
ووزارة الدفاع والطيران إذ تعلن ذلك على الشعب السعودي خاصة، وبقية الشعوب العربية في كل مكان، فإنما تؤدي واجبها الوطني، والأخوي، وحتمية التضامن العربي إزاء الأخطار المشتركة، واسترداد ما اغتصب من وطن وأرض وحقوق.
واللّه نسأل أن ينصرنا وهو القوي العزيز.
فهد بن عبد العزيز
وزير الداخلية
وزير الدفاع والطيران بالنيابة
وفي وزارة الداخلية أعلن سمو الأمير فهد بن عبد العزيز وزير الداخلية التعبئة العامة في صفوف قوات الأمن السعودي على اختلاف مهماتها، وأعلن كذلك رفع الاستعداد والطوارئ إلى الدرجة القصوى، ونادى الفهد بأن يكون كل فرد على مستوى المسؤولية، ومستعدا للفداء والتضحية من أجل أمته ومصيرها، والدفاع عن العقيدة والمقدسات والأرض، ووجه أمراء المناطق بالعمل على تجنيد الأجهزة العاملة لديهم مع المتطوعين من أفراد الشعب دفاعا عن الأرض العربية المسلمة.
هكذا ظل خادم الحرمين الشريفين اذ ذاك في عهد جلالة الملك فيصل نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للداخلية ووزيرا للدفاع والطيران بالنيابة ركنا أساسياً في الحكم، وكفة عادلة في الرأي، وسياسة أمنية حازمة استتب بها الأمن في الداخل، وكفاءة دبلوماسية رصينة في سياسة الفيصل الخارجية حفرت للمملكة العربية السعودية مكانتها في العالمين العربي والإسلامي.
ولما توفي جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز شهيدا إن شاء اللّه في 13/3/1389ه انتقل الفهد إلى دور ريادي جديد في حياته السياسية وفي تاريخ المملكة العربية السعودية.
|
|
|
|
|