| محليــات
فقدت بلادنا عامة ومدينة الرياض خاصة أحد أعيانها المعروفين بصفات حميدة عديدة أهمها التواضع والزهد النادران في أيامنا هذه. ذلك الفقيد هو الشيخ عبدالعزيز بن سليمان المقيرن، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
عملت مع الفقيد في الغرفة التجارية الصناعية بالرياض الذي كان هو صاحب المبادرة في تأسيسها عام 1381ه وترأس مجلس إدارتها لخمس دورات متتالية. ولم تكن مدة عملي في الغرفة كمدير لتحرير مجلتها طويلة لكنها أعطتني أساسا قويا وأنا أخطو أولى خطواتي في المجال العملي. ومصدر هذه القوة احتكاكي برجال ذوي معدن أصيل وصفات فاضلة وخبرة منوعة وعلى رأسهم الشيخ عبدالعزيز المقيرن.
كان الفقيد زاهداً بمعنى الكلمة. والزهد حينما يأتي من غني يكون أصدق ويستحق أن يطلق عليه الزهد الحقيقي، ولم يقتصر زهد الفقيد على مظهره الذي لا تكلف فيه وإنما امتد إلى حديثه.. فهو عفُّ اللسان، غير شتَّام أو لعَّان، بل إنك لتكاد أحياناً لا تسمع ما يقول.. ليس خجلاً أو لعدم قدرة على رفع الصوت لكنه هدوء الكبار ووقار الفضلاء.
وزاهداً في الأضواء التي كانت تسعى إليه فيرفضها، ولم تظهر صوره في الصحف إلا لمرات معدودة على الرغم من أنه من أكبر المساهمين في بعض المؤسسات الصحفية. وزاهدا في التكريم، بل يعتقد أنه لم يعمل شيئا يستحق ذلك مع أنه عمل الكثير ولغرفة تجارة الرياض التي بدأت بغرفة واحدة في عمارة ثم تحولت الى قلعة تحتضن نشاطات متعددة ليس فقط لخدمة التجار كما هو شأن الغرف التجارية في بلاد عديدة وإنما لتبني أعمال الخير للجميع وخدمة المجتمع بكافة شرائحه. وقد أعطى «رحمه الله» الغرفة من جهده وصحته وحتى ماله الشيء الكثير. وكمثال على ذلك اشترى أرضاً وسجلها باسمه لإنهاء الاجراءات بشكل سريع ودفع قيمته كقرض حسن لأن الغرفة لم تكن تملك الرصيد الكافي ثم حولها باسم الغرفة فيما بعد دون ان يتحسر على ارتفاع قيمتها وهي على أحد الشوارع الرئيسية للعاصمة. ومقابل ذلك لم يتخذ مركزه كرئيس للغرفة للوجاهة أو الاستفادة من هذا المنصب بأي شكل من الأشكال.
يتحدث بقناعة بأن هذه البلاد بخير وأن من يعمل بنزاهة وجد يحقق خيراً كثيراً، ويضرب مثالاً على ذلك بتاجر يتعامل في مواد عادية لا علاقة لها بمناقصات الدولة أو المشروعات الكبرى ومع ذلك صار من أبرز الأغنياء الذين يُشار إليهم عند الحديث عن تجار الرياض.
رحمك الله يا أبا فهد، فقد أخذت من صفات والدك الشيخ سليمان المقيرن «رحمه الله» الكثير وخاصة الورع والتقوى والزهد والتواضع وتنظيم الوقت.
عزائي لإخوانه وأبنائه وأقاربه وأصدقائه ولرفقاء دربه الذين قرأت حزنهم في عيني الشيخ صالح الحميدان متعه الله بالصحة والعافية حينما قدمت له العزاء، لأنه تذكر بدايات الغرفة التجارية التي عاصرها الشيخ الحميدان عضوا في مجلس إدارتها.
وأخيراً: زاهد الأغنياء عبدالعزيز المقيرن من الذين يحبهم فعلاً كل من قابلهم حتى لمرة واحدة. ولذا فلا غرابة ان امتلأ المسجد على كبره بالمشيعين الذين لا تربطهم بالفقيد مصالح الدنيا أو القرابة. وسيظل كثيرون وليس الإخوان والأبناء فقط، يتذكرون مجلسه من المغرب إلى العشاء، ثم سعيه السريع إلى المسجد المجاور ليؤدي الصلاة منهياً بها برنامجه اليومي الثابت.
|
|
|
|
|