| مقالات في المناسبة
*
عندما نحتفل بمرور 20 عاماً على حكم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز فإننا في الحقيقة لا نؤدي واجباً تقليدياً كذلك الذي تؤديه الحكومات والشعوب نحو حكامها، بحكم العرف والعادة. فلم يكن فهد بن عبدالعزيز في تاريخ المملكة العربية السعودية حاكماً عادياً ولا كان حتى قبل ذلك أميراً أو وزيراً عادياً.
فإذا قلنا ان انجازات فهد بن عبدالعزيزفي خدمة وطنه بدأت قبل مبايعته ملكاً على البلاد فإن هذا لن يكون على الاطلاق من قبيل المبالغة او المجاملة لملك لا يزال يجلس على العرش هو في حقيقة الأمر أغنى الناس عن المجاملة او المبالغة.
لقد ظل فهد بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه يعمل في صمت طوال حياته منذ اليوم الذي اسند له فيه جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله مهمة السفر مع أخيه الفيصل إلى الأمم المتحدة سنة 1945م وهو دون العشرين إلى هذا اليوم الذي نعيش فيه انجازاته الكبيرة العملاقة.
هذه الانجازات التي حققها الفهد على مدى مسيرة حياته ويعرفها شعبه، وعاشها الجيل الماضي الذي عاصر الفهد وزيراً للمعارف 1373ه. ووزيراً للداخلية 1382ه ونائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء ثم ولياً للعهد، وانجازات أخرى أعظم وأكبر عرفها ابناء هذا الجيل الذين ولدوا في عصر الفهد بعد مبايعته ملكا على البلاد او الذين ادركوا عصره من ابناء الجيل الماضي المخضرمين، فكل الذين في سن السبعين الآن مثلاً عاصروا وعرفوا ما قدمه خادم الحرمين الشريفين وخادم شعبه المخلص والمحب لأمته الملك فهد بن عبدالعزيز.
ولهذا فإن الحديث عن انجازات الفهد سواء في الثلاثين عاما قبل البيعة أو في العشرين عاما الأخيرة هو مناسبة يحتفي فيها الشعب بقائده، وفائدتها الكبرى أنه رسم القدوة الصالحة للشباب ابناء هذا الجيل لكي يعرف حقيقة الاخلاص والدأب والمثابرة وعشق العمل من أجل الوطن، ليكون كل واحد منهم «فهد». وهذا ما عمل وظل يعمل من أجله إلى الآن، فهو رائد الشباب بحق. أعطى الفهد الشباب اهتمامه منذ يفاعته وفجر شبابه، وكان بعيد النظر، حصيف الفكر، عندما اختار وزارة المعارف ليكون أول وزير لها في عهد جلالة الملك سعود رحمه الله فقد كان يقول لنا في مجرى الحديث عن هذا الشأن ان سر اختياره لوزارة المعارف انها وزارة الشباب، والشباب والعلم توأمان، وهما مستقبل الأوطان، وما أكثر ما ردد: «لا مستقبل لوطن بلا شباب ولا مستقبل لشباب بلا علم».
ومازلت أذكر الكلمة المهمة التي قالها الملك فهد حفظه الله وظل يرددها في أكثر من موقف وهي شكره لله بأن اختاره للعمل في وزارة المعارف وما ناله من توفيق في إعداد هؤلاء الرجال الذين تولوا ويتولون زمام الأمور في المملكة العربية السعودية، مضيفاً حفظه الله بأن إعداد الرجال يأخذ وقتاً طويلاً 6 سنوات للابتدائي ومثلها للثانوي وأربع سنوات للجامعة وثلاث للماجستير وأخرى للدكتوراه، يعني أكثر من عشرين عاماً في حقل التعليم لكي يكون هذا المواطن الشاب دكتوراً أو مهندساً أو طبيباً متخصصاً. ويستطرد خادم الحرمين الشريفين.. بأن الدولة تستطيع أن ترصف الطريق وتنشئ المصنع وتشتري الطائرات ولكنها لا تستطيع صنع الرجال بهذه السرعة وبهذا الإعداد الجيد لولا العمل الكبير والمتابعة المستمرة والدعم غير المحدود لهؤلاء الشباب. ويختتم أيده الله حديثه بالشكر لله على هذا النجاح الذي تحقق في صناعة هؤلاء الرجال معلناً عن سعادته لرؤيتهم في قمة القيادات في هذا الوطن.
والاهتمام بالشباب في فكر فهد بن عبدالعزيز لم يكن منحصرا في شباب هذا الوطن وحده وانما في شباب الأمة العربية والإسلامية، فكان يرى أنه اذا صلح الشباب في وطن وفسد في وطن آخر خسرت الامة عضوا فيها. وما اكثر ما ردد في خطبه حديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى». لهذا فلا عجب ان نسمعه باستمرار ينصح الشباب من هذا المنطلق الاسلامي المستنير ويقول:
«نصيحتي للشباب المسلم بأي بلد بالعالم ان يتبع ما امر الله به وابانه في كتابه وما امر به رسوله. والمسلم دائماً مبتلى وحددت كيف تكون امور المسلم الذي في بلد غير مسلم، من الحكمة والعقل ان يتبصر أي مسلم في أي مكان لا يستطيع أن يمارس فيه العقيدة الإسلامية على الوجه المطلوب ان يتبصر ويرفق بنفسه ويستمر في التمسك بعقيدته الإسلامية، ولا بد أن يأتي يوم من الأيام ينتصر فيه الحق على الباطل».
وحيثما كان الفهد أو يكون فإن العلم معه واحاديث عن العلم والمستقبل للشباب لا تنقطع وتشهد بذلك مجلدات من الخطب والاحاديث القاها امام ابنائه الطلاب والدراسين في داخل المملكة وخارجها.
ولا ينفصل العلم عن الإيمان في احاديث المليك المفدى، فالايمان هو العقيدة الاسلامية السمحة. قال لطلابه في جامعة الملك سعود في 20 شعبان 1403ه «نحن في هذه البلاد نفتخر ونعتز اننا متمسكون بعقيدتنا الاسلامية وسوف ندافع عنها بالنفس والنفيس، وسوف نجعلها هي القدوة» وفي جامعة الملك عبدالعزيز بجدة 18 محرم 1404ه قال لابنائه الطلاب الشباب: «هذا البلد يعتمد على عقيدته الاسلامية ثم على شبابه والشباب الذي يعتمد على العقيدة الاسلامية الصحيحة لا يمكن بأي حال من الاحوال الا ان يكون نصيبه كبيراً جداً من الرقي والاندفاع نحو ما فيه الخير للوطن والمواطنين».
وفي وزارة الداخلية أمضى المليك المفدى ثلاثة عشر عاماً وزيراً للداخلية يعمل في صمت تاركا انجازاته تتحدث عن ما قدم الى اليوم.
اهتم بتعليم الشباب ففتح المعاهد ونشر الوعي الامني وغرس في النفوس حب الوطن وذكر بالله وبالعقيدة وبأن حب الاوطان والتفاني في خدمتها من الإيمان، والموت في سبيلها شهادة. ويوجد اليوم عشرات بل مئات من الجنود والضباط ورجال الامن الذين تعلموا في مدرسة الفهد ابلغ الدروس عندما كان وزيراً للداخلية، فضلاً عن التخطيط والتنظيم والتوسع الذي احدثه في الوزارة خلال تلك الفترة. وكان يرى ونظريته يتم العمل بها على اعلى المستويات في الدراسات الامنية ان رجال وزارة الداخلية لا يستطيعون اعطاء «الامن الوطني» حقه ما لم يتحقق لهم اولاً الامن العلمي والامن الصحي. وهذا ما جعله يبادر الى انشاء المعاهد وتأمين خدمات الرعاية الصحية لمنسوبيها داخل الوزارة نفسها لاول مرة في تاريخها. وقد تحقق هذا كله وسمو الأمير نايف بن عبدالعزيز وسمو نائبه الامير أحمد بن عبدالعزيز يواصلان السير على النهج الذي أرساه خادم الحرمين الشريفين حفظه الله .
أما الفهد نائباً ثانياً وولياً للعهد فقد كان في هذه المرحلة الرجل المؤتمن لدى أخويه الملكين فيصل وخالد رحمهما الله فقد كان مبعوث الفيصل في المهمات الجسام سواء تلك التي تدخل في حدود مسئولياته أو التي يبتعث لها بشخصه من جلال الملك نفسه. فدوره في تسوية الخلافات العربية ورأب الصدع ودبلوماسيته في تذويب الثلوج الجامدة عند اللقاء بالقيادات الغاضبة معروفة، وكان ينطلق في ذلك كله من مبدأ عظيم جعله حفظه الله من ثوابت السياسة السعودية الخارجية، وهو الحرص على وحدة الصف العربي والمسلم، وان المملكة لا تخسر أبداً بالسعي للاتفاق والوفاق مع اشقائها العرب، وان الكبير دائماً الذي يبدأ بالسلام، والمملكة كبيرة، وحجمها يجعلها تغض الطرف عن الهفوات، ورب العزة والجلال جعل الأفضلية للذي يبدأ السلام.
ويظل الفهد باستمرار وطوال العهود قلباً مفتوحاً لابناء شعبه، ولابناء امته ويظل حبه للشباب وللعلم واهتمامه بهما من منطلق ايمانه الوطيد بعقيدته الاسلامية، ومن حق شعبه اليوم بل وامته العربية والاسلامية ان تحتفي بانجازاته كما ان من واجبنا نحن الذين نعيش بالقرب منه ان نشهد له امام شعبه بانه اكثر الناس تواضعا وزهدا في الحديث عما قدم لانه يبتغي بما يقدم وجه ربه الكريم اولا ثم خدمة شعبه ثانياً، وهما اعظم ما يمكن ان يقدمه انسان مخلص مثله او مواطن مخلص مثله كما يحب ان يقال عنه، فأحب كلمة إليه بعد لقب «خادم الحرمين الشريفين» كلمة «المواطنة» و«المواطن» وقد كرَّس حياته من أجل الإنسان الذي يمثل هذه «الكلمة» والرايةالتي يرفعها هذا الإنسان راية «لا إله إلاّ الله محمد رسول الله» لقد أفنى المليك المفدى زهرة شبابه وفتوته، وهو اليوم يعيش عمره المديد إن شاء الله لخدمة هدف النهوض الحضاري وصناعة الإنسان السعودي الجديد الذي أحبه ويعيش من أجله.
|
|
|
|
|