| مقالات في المناسبة
على خطى الملك المؤسس الموحد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه تستمر مسيرة البناء التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، يحفظه الله ،
فقد تولى خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم قبل عشرين عاماً ساعياً بجد وهمة وتفان لا يعرف الكلل ولا الملل لما فيه مصلحة الوطن والمواطن، وقبل ذلك كانت له انجازات عظيمة تمثلت في العديد من أعمال البناء والتطوير ففي مجال التربية والتعليم كان أول وزير للمعارف في بداية عهد أخيه الملك سعود قبل أربعين عاماً، حيث انطلقت على يديه الحركة التعليمية إلى كافة المدن والقرى على امتداد الوطن وتوج وزارته بتأسيس أول جامعة في المملكة ورعى التعليم الجامعي على شتى الأصعدة من كليات ومعاهد ومراكز تعليمية متعددة للبنين والبنات فأكسبه ذلك خبرات عالية مع ما يتمتع به يحفظه الله من حنكة إدارية ومواهب إنسانية متعددة أهلته للمشاركة في قيادة دفة الحكم نائباً ثانياً لأخيه الملك فيصل في رئاسة مجلس الوزراء ثم ولي عهد لأخيه الملك خالد إلى أن أصبح ملكاً يقود المسيرة المباركة فوضع نصب عينيه الاهتمام ببناء الإنسان السعودي من خلال الاهتمام بالعلم والثقافة وفتح آفاق الإبداع أمام أهل الفكر والأدب وأصبحت الجامعات السعودية تضاهي أكبر الجامعات في العالم من حيث التجهيزات والمستوى الأكاديمي ونوعية البرامج والمناهج وأنشئت معاهد ومراكز للبحث وفقاً لخطط استراتيجية تقوم على معايير علمية منضبطة ودراسة واستقراء شامل، وكذلك أندية أدبية تعنى بالأدب والثقافة،
واهتم خادم الحرمين الشريفين كذلك بربط مناطق المملكة بشبكة من الطرق الحديثة وحرص على تطوير نظم الاتصالات إضافة إلى حرصه الشديد على تقديم الرعاية الصحية بشتى عناصرها الفنية والعلمية للمواطن وكذلك اهتمامه بالعمران وتوفير كافة الخدمات السكانية،
وعلى الصعيد الخارجي اهتم بدعم القضايا الإسلامية والعربية بما يحقق العدل والحق في المحافل الدولية، وإرسال الدعاة وبناء المساجد والمراكز الإسلامية في شتى بقاع الأرض،
ولعلي هنا أحصر حديثي في بعض إنجازاته على الصعيد الأمني الذي سار فيه على خطى والده المؤسس، فقد كان الأمن من أعظم الإنجازات التي سعى الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، من أجل تحقيقها لهذه البلاد وأهلها، وهي بحق تعتبر من أكبر الإنجازات في هذه الرقعة من الأرض منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى بعد لقاء الإمام الفذ محمد بن سعود، رحمه الله ، أمير الدرعية، بالشيخ محمد بن عبدالوهاب، رحمه الله ، وتعاهدهما على القيام بنصرة دين الله ونشر عقيدة التوحيد الخالص لله رب العالمين،
كانت قد تردت الأحوال الدينية والعلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية عند سكان الجزيرة العربية بسبب انعدام الأمن والاستقرار وشيوع الفوضى قبيل بزوغ الدولة السعودية المعاصرة على يد الملك المؤسس، وقد نجم عن تلك الأوضاع انشغال الناس عن العلم والبناء بتأمين لقمة العيش والحاجات الأساسية لهم ولأبنائهم، ولهذا فقد كان لتوفير الأمن والاستقرار مذاق خاص عند سكان هذه البلاد في عهد موحد الجزيرة بعد أن ذاقوا مرارة الخوف والقتال والتناحر،
ولما تم تثبيت الأمن لأهل هذه البلاد بدأ تثبيت نظام القضاء أيضاً، فقد أخذ نمطين من الممارسة، قضاء البادية وقضاء الحاضرة، ونحن نشهد اليوم، في عهد خادم الحرمين، انحسار النوع الأول الذي اعتمد غالباً على الولاء والأعراف والتقاليد البدوية وقليل من الأهلية الشرعية، وتم تكريس النوع الثاني الذي يعتمد على الأنظمة المؤسسية التي تقوم على قواعد علمية وشرعية ثابتة ومستمدة من الكتاب والسنة،
وهكذا تحقق جانب من أهم جوانب الاستقرار للمواطن والمقيم بفضل الله ثم بالرعاية الكريمة من خادم الحرمين الشريفين، وهو جانب الأمن، ولا ينكر هذه النعمة إلا جاحد،
يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : «من اصبح منكم آمناً في سربه، معافىً في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها»، وليس من شك أن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية هو العامل الأصيل في توطيد وتثبيت الحياة الآمنة المستقرة، والأمن والأمان هما عماد كل جهد تنموي وهدف تسعى إليه كل المجتمعات على اختلاف مشاربها،
وقد أكثر علماء النفس والاجتماع المتخصصون من الحديث عن الأمن وأهميته في بناء الشخصية السوية والمجتمع السليم، ويأتي الأمن في موقع متقدم في التصنيفات النفسية للحاجات، ففي تصنيف ماسلو«maslow» الهرمي للحاجات والدوافع ذي السبع درجات تأتي الحاجة للشعور بالأمن والسلامة في المرتبة الثانية بعد الحاجات الفسيولوجية الأساسية لحفظ الحياة، ثم تأتي بقية الحاجات تالية له كالانتماء والاحترام والمعرفة والجمال وتحقيق الذات، والشعور بالأمن يعتبر إحدى الحاجات الأساسية الأصيلة التي تولد مع الإنسان، ولا يقتصر في مفهومه العام على حفظ النفس، وإنما هو شامل للحفاظ على الضرورات الخمس كلها، والأمن الفكري والديني جزء لا يتجزأ من ذلك السياق، وهو يقوم على حماية عقول المجتمع ويحافظ على هويتها،
ويرتكز الأمن الفكري على عنصرين هامين هما الأمن التعليمي والأمن الإعلامي، ، وقد أولت الدولة الرشيدة هذين العنصرين جل اهتمامها، ودأبت على الحرص واليقظة الشديدين بحيث لا يتم التسلل من خلالهما إلى البناء الفكري والعقدي لمجتمعنا،
وإن مما يستحق التنويه في هذا السياق هو تحقيق تلك المعادلة الدقيقة في بلادنا بين الحفاظ على الأمن من ناحية ومراعاة حريات المواطنين وعدم التدخل في شؤونهم الخاصة من ناحية أخرى، فأمن الأفراد يقوم على العقد الاجتماعي غير المكتوب الذي ينص على التخلي عن جزء من الحرية الشخصية في سبيل رعاية حق الجماعة بالأمن والطمأنينة من خلال قرارات الإرادة الجماعية، وهذه معادلة لا يمكن تحقيقها إلا بقدر كبير من الإتقان والإخلاص في الأداء الأمني لرجال الأمن،
ومن أهم الجوانب التي اهتم بها خادم الحرمين الشريفين في بناء هذا الكيان بشكل عام وفي بناء القطاعات الأمنية على وجه الخصوص هو بناء الكوادر، وقد انصب الاهتمام على بناء رجل الأمن وإعادة صياغته بما يتلاءم مع متطلبات البلاد في هذا العصر وإعادة النظر في النشاطات التدريبية والتطبيقية وفي البرامج المنهجية واللامنهجية،
وهذا التوجه يسير جنباً إلى جنب مع تأهيل الكوادر الأخرى اللازمة لبناء مستقبل الوطن والمواطن،
وهناك نقلة نوعية في هذا العهد الزاهر لا يمكننا إغفالها وهي التخطيط الأمني السليم، فقد صارت الخطط تبنى بصورة علمية على الإحصاءات والتقارير فيتم تحليل تلك التقارير والأرقام في الإدارات المتخصصة تحليلاً علمياً مدروساً، وقياس تلك الظواهر السائدة والمتوقعة التي لها علاقة في انخفاض أو ارتفاع نسبة الجريمة أو الحوادث الجنائية أو غير الجنائية أو الحوادث المرورية،
ومن هنا يتم التعرف على مواطن الخلل وإيجاد الحلول المناسبة لها وبناء الاستراتيجية الوقائية الفعالة، ومع كل هذا فإن الجريمة لا تزال دخيلة وغريبة على مجتمعنا ولله الحمد والمنة رغم وجود نسبة سكانية مرتفعة نسبياً من المقيمين والعمال قد تصل إلى خمسة ملايين نسمة تختلف انتماءاتهم الفكرية والدينية والاجتماعية اختلافات كبيرة،
ولعل من الواضح للجميع أن ما وصلنا إليه من مستوى أمني رفيع إنما جاء بفضل من الله تعالى ثم بالرعاية الدقيقة من رجل الأمن الأول خادم الحرمين الشريفين الذي نسأل الله جلت قدرته أن يديم على بلادنا الأمن والأمان في ظل توجيهاته ورعايته وتوجيهات ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني وسمو وزير الداخلية وسمو نائبه، ، حفظهم الله لنا ذخراً لإقرار الأمن ونشر الطمأنينة في مجتمعنا السعودي، ، وسدد على طريق الخير خطاهم وأدام عزهم،
* أمير منطقة حائل
|
|
|
|
|