| مقالات في المناسبة
تتميز هذه البلاد الطاهرة عن غيرها من بلاد المسلمين بأنها مؤتمنة على أطهر بقاع الأرض؛ في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومقتضى هذا التميز أن يكون عطاء الوطن وقيادته في مستوى تطلعات المسلمين ومرتقى أمانيهم، بل وتلمس معاناتهم وسماع أصواتهم أينما كان موقعهم على ظهر البسيطة.
وإذا كان قطار التأريخ لا يتوقف إلا عند المحطات التي تغير مجرى الأحداث وتؤثر في حياة البشر فإن تأريخ المملكة العربية السعودية غني بالمحطات التي توقف التأريخ عندها كثيراً داعياً إلى تأملها واستنطاق العبر منها ولاسيما في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله حيث ظهرت الأهمية الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية بمكانها المتميز في موقع يحتل مركز الصدارة في التأثير في حضارة العالم كله وفي الأمن العالمي، وحيث ثقلها السياسي والدبلوماسي، وحيث ثرواتها الكامنة، وحيث تعددت المصالح المشتركة والعلاقات المتبادلة التي تربط بين المجتمع السعودي وبين المجتمعات الإنسانية الأخرى، وحيث نما هذا المجتمع وشب وازدهر حتى وصل إلى ريعان فتوته نضجا ووعيا وإدراكا.
وتعد شخصية خادم الحرمين الشريفين شخصية متميزة حيث يتميز حفظه الله بخلفية معرفية عالية عن القضايا التي تشغل حيزاً كبيراً من اهتمام العالم نتيجة تراكمات ضخمة من التجارب الرائدة منذ أن كان فتى يافعاً توسم فيه أبوه آيات النبوغ والحماس فاستعرض به محكات التجارب، وحتى صعد إلى قمة المسئولية في عهود إخوانه ثم حين آل الأمر إليه مما جعل آراءه ومواقفه ذات وقع يحظى بتقدير من يتابع متغيرات الأحداث في تلك القضايا، ومن اليسير ملاحظة حرصه على الالتزام بالثبات على مبدأ واحد ينطلق من قاعدة ثابتة هي وعيه حفظه الله بالمسئولية الملقاة على عاتق هذه البلاد بأن شرفها الله باحتضان الأماكن المقدسة، ومهوى أفئدة المسلمين ومرمى تطلعاتهم ومن هنا عنيت المملكة العربية السعودية بالدعوة الى الله بالحكمة والحسنى في مختلف الميادين الداخلية والخارجية.
وامتدت أغصان شجرة تلك الرعاية لتصل إلى كل مسلم تقرحت أحداقه بالشكوى الباكية أو أترعت مشاربه بالمهانة المؤلمة أو أشبع ظهره بسياط الظلم القاهر وحيثما كان موقعه في هذا العالم مترامي الأطراف. ولكي يبين خادم الحرمين الشريفين عن قوة عزيمته على رعاية المسلمين وشؤونهم ومقدساتهم وإعلاء شأنهم أعلن عن تخليه عن لقب جلالة الملك وأبدله بلقب يعبِّر عن وعيه بطبيعة المسئولية التي تقع على عاتقه فسمَّى نفسه خادم الحرمين الشريفين.
وعلاوة على إنشاء الجهات الإسلامية كوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد والرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورئاسة البحوث العلمية والإفتاء ووزارة الحج وغيرها تم إنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف وتسميته (مصحف المدينة المنورة) وطباعة ترجماته وتفسيره، وتسجيل قراءته مجودة بصوت القراء المشهود لهم بالإجادة وفقاً لأعلى المستويات التقنية بمعظم اللغات التي ينطق بها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها مثل: الهوسا والصينية والتركية والأوردية والإنجليزية والفرنسية والإندونيسية وغيرها؛ إسهاماً في نشره وتعليمه، وتزويد المسلمين والمراكز الإسلامية في شتى بقاع الأرض بنسخ من القرآن الكريم وترجماته وتفاسيره وبالكتب النافعة التي تسهم في تصحيح عقيدتهم وفي نشر التوحيد الصحيح. وأصبحت توسعة خادم الحرمين الشريفين للحرمين في مكة المكرمة والمدينة المنورة من أهم الاحداث التي سيتوقف عندها التأريخ إعجاباً وانبهاراً، حيث لم يبخل بالجهد أو بالمال أو بالرجال، ولم يدخر وسعاً لخدمة الحرمين الشريفين وغيرهما من البقاع الطاهرة، وتهيئة السبل المريحة لقاصديها من الحجاج والمعتمرين لأداء مناسكهم في يسر وسهولة، وأمن واطمئنان، وترتب على ذلك مسئوليات عظام وتخصيص كثير من الإمكانات والموارد الضخمة للإنشاءات وللصيانة.
ومن شواهد حرص خادم الحرمين الشريفين على الشؤون الإسلامية وتطبيق الشريعة في الداخل والخارج: إرسال القضاة الشرعيين على حساب الدولة إلى الدول الإسلامية الشقيقة لتطبيق الشرع الحنيف هناك وإرسال المعلمين وفتح المعاهد العلمية الدينية في الخارج لنشر العلم الشرعي الصحيح.
والأقليات المسلمة في العالم حظيت بنصيب وافر من رعاية خادم الحرمين الشريفين وما تلك المراكز الإسلامية الشامخة والمساجد المتكاملة التي أقامها خادم الحرمين الشريفين حفظه الله في مختلف قارات العالم سوى إشعار المسلمين بقرب هذا القائد المسلم الشهم من أمانيهم وطموحاتهم.
ثم تجيء الكراسي الإسلامية العلمية التي أسسها خادم الحرمين الشريفين وفقه الله في عدد من الجامعات الأجنبية دليلاً على عمق إدراكه لمتطلبات الدعوة الحكيمة وتقديم الإسلام للناس دين الفطرة والسلام.
إن ضخامة الجهود الدعوية التي يبذلها خادم الحرمين الشريفين أثابه الله هي من الضخامة والتنوع والشمول بحيث تحتاج إلى مؤسسة عالمية ترعاها وتتابع معطياتها وقد طالبت منذ خمس سنوات بإنشاء مؤسسة حضارية تكون مسؤولة عن إنجازات خادم الحرمين الشريفين الدعوية لأهمية التنظيم في البناء الدعوي واستمرار نجاح الجهود وكررت المطالبة أخيراً وها أنذا أكررها لشدة الحاجة إليها ولا يزال الأمل قائماً بأن يرى هذا الاقتراح النور قريباً بإذن الله.
وبالله التوفيق.
alsmariibrahim@hotmail.com
|
|
|
|
|