| الاخيــرة
* غداً وبحلول اليوم الحادي والعشرين من شهر شعبان هذا العام يتمّ خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود أيده الله عشرين عاماً من عهده الزاخر بالخير والإنجاز والعطاء، وتلك أطول فترة يمضيها ملك في تاريخ هذه البلاد، منذ أن ودّعت مؤسَّسها الخالد إلى دار الخلود.
* *
* ويزهُو يوم كهذا على ما سواه من الأيام بأنه محطة هامة في تاريخ المملكة العربية السعودية، الشعب والأرض والكيان، وليسَ مجرد ورقة تقويم في عُمر إنسان!
* *
* لن أتحدثَ في هذه المداخلة القصيرة عن مشوار خادم الحرمين الشريفين في رحاب السياسة والأمن والاقتصاد والتعليم والتنمية بمفهومها الشامل، فهناك.. مَنْ هو أثْرى مني علماً، وأقوى مؤُونةً، وأبلغُ تعبيراً، للحديث عن تلك القضايا.
* *
* سأتحدث باختصار عبر السطور التالية عن مشوار خادم الحرمين الشريفين على صعيد الإدارة والتنظيم والتطوير الإداري، وأمهّد لذلك بالقول إن فهداً بن عبدالعزيز، الأميرَ والوزيرَ والملكَ والإنسانَ، لم يكن غائباً قط عن هذا المشهد، فقد عاشر حفظه الله الإدارةَ زمناً طويلاً سبقت تولّيه زمامَ الحكم، وعاصَر من خلالها رجالاً وقضايا تبدأُ وتنتهي بالإنسان العادي، محورِ الإدارة ووسيلتها وغايتها.
* كان حفظه الله أولَ وزير للمعارف قبل أكثر من أربعين عاماً، بعد أن تحولت مهمةُ التعليم من «مديرية عامة» في زمن المؤسِّس الخالد، إلى «حقيبة وزارية» في عهد جلالة الملك سعود رحمه الله، ثم حمل بعد ذلك «حقيبةَ الأمن»، حين عُيِّن وزيراً للداخلية خلال عقد الثّمانينات الهجرية، كما أسندت إليه مهمة «النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء» إلى جانب حقيبة الداخلية، وحين رحل جلالة الملك الشهيد فيصل بن عبدالعزيز، طيّبَ الله ثراه إلى دنيا البقاء، ليخلفه في سُدّة الحكم أخوه الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله ، بُويعَ الأمير فهد بن عبدالعزيز وليّاً للعهد، وعُيِّن نائباً أول لرئيس مجلس الوزراء، واستمر كذلك حتى تسلّم مقاليد السلطة في عام 1402ه، ليخلفَ أخاه خالداً الراحل إلى واحة الأبرار.
* *
وهكذا، فإن استعراض ملامح من «السيرة الإدارية» لخادم الحرمين الشريفين حفظه الله أمر لا يقتصر على مشوار العشرين عاماً فحسب، وإنما يمتدّ إلى ما قبل ذلك بثلاثة عقود تقريباً، لعب خلالها الملك فهد بن عبدالعزيز دوراً ريادياً وقيادياً فاعلاً ومؤثراً، وكان عضداً أميناً لولاة الأمر من اخوانه الذين سبقوه في سدة الحكم.
* *
وحسبي هنا أن أقف بإيجاز متأملاً أبرز المحطات الإدارية في مشوار العشرين عاماً لولاية خادم الحرمين الشريفين، لأدلّلَ بها على عِظَم الإنجاز الذي حققه أيدّه الله في هذا المضمار.
* *
أولاً: أعيدت صياغةُ معادلة الحكم في البلاد عبر نصوص قوية وثابتة تستمدُّ روحها وجوهرها من الشريعة المطهّرة، وتجسّدُ خلاصةَ التجربة السعودية الطويلة في التعامل مع قضايا الساعة في الداخل والخارج، فكان نظام الحكم الأساسي الصادر عام 1412ه، والذي يعتبر «وثيقة حقوق» سياسية تنظّمُ علاقةَ الحاكم بالمحكوم، وتقنّن ما للحكم وما عليه.
* *
ثانياً: إنْفاذاً للتوجيه الربّاني «وشاورهم في الأمر» طُوِّرت عملية الشورى التي بدأها المؤسس الخالد طيب الله ثراه، وأعيد تفعيلها نظاماً واختياراً وممارسةً في عهد خادم الحرمين الشريفين، بدءاً من عام 1412ه (1992م)، بإصدار نظام جديد لمجلس الشورى، وتبعه تكوين المجلس من ستين عضواً يمثّلون صفوةً مؤهلةً من أبناء البلاد، وبدأ المجلس أعماله من جديد في عام 1413ه، ليُثبت عبر الممارسة العملية، أنه عضد أمين لولي الأمر في اتّخاذ القرارات المنظمة لشؤون البلاد وشجونها، وتنتهي دورتُه الأولى بعد أربع سنوات، لتزداد عضويته بنسبة خمسين في المائة، ويبدأ دورته الثانية عام 1417ه بتسعين عضواً، وحين انتهت هذه الدورة في عام 1421ه زيدت عضويته مرةً ثانيةً لتصل في الدورة الثالثة «الحالية» إلى مائة وعشرين عضواً، وهو لا يبرح يؤكّد في كل المواقف والأوقات أهميّة دوره التاريخي في دعم أداة الحكم ومدّها بالرأي الثاقب والمشورة الحسنة.
* *
ثالثاً: وهناك خطوة أخرى لا تقل فاعليةً عمّا سبقها، حيث صدر في عام 1414ه نظام جديد لمجلس الوزراء، ليحل بذلك محل نظام عام 1377ه، ومن خلاله، ازدادت مهام مجلس الوزراء وتنامى دورُه في صناعة القرار السياسي والتنموي، بكل ما يتفرع من هذه الكلمات من معانٍ ومقاصد سامية.
* *
رابعاً: وتزامنَ مع هذا وذاك ميلادُ جديدُ للإدارة المحلية في المملكة، ممثّلاً في صدور نظام المناطق، ليمنحَ أمراءها ومجالسها الشُّورية المصغّرة دوراً ثميناً في دعم أغراض التنمية، من منظور محليّ يأخذ في الاعتبار عن كثب آمال الناس وقضاياهم وتطلعاتهم.
* *
خامساً: وأخيراً، أحسَب أنّ الناس الآن يتذكرون ما صدر عن مجلس الوزراء في منتصب شهر رجب من هذا العام، حين أقرّ المجلس الموقر مشروعين عملاقين هما: نظام المحاماة ونظام الإجراءات الجزائية، وكلاهما أداتان فاعلتان في تطوير آليّة التقاضي وصيانة حقوق الناس، نصّاً وآليّةَ أداء، وقبل ذلك بقليل صدر نظام المرافعات، الذي قنّن آلية العمل في المحاكم الشرعية وصولاً إلى معادلة تنصفُ طالبَ الحق وتردعُ المناهضَ له.
وتبعتْ ذلك لفتةٌ كبرى كرّمت الصحافة وصناعة الكلمة في البلاد، تمثلت في صدور نظامين حديثين هما، نظام المطبوعات، ونظام المؤسسات الصحفية، ولكليهما دور فاعل في تنشيط الصحافة، ودعم حرية الكلمة، نصاً وأداءً.
|
|
|
|
|