| الاقتصادية
بعد أن اقتنع الاقتصاديون في فترة زمنية خلت بأن النظام الاقتصادي لا يملك آلية تصحيح ذاتي فعالة تضبط سيره وتعمل على تجنيبه الاهتزازات العنيفة وتعالج الاختلالات التي تنشأ من حين لآخر قاموا بابتكار وتطوير مجموعة من الأساليب والأدوات التي يمكن استخدامها وقت الحاجة لتحقيق الأهداف السابقة.
وتقوم هذه الأساليب والأدوات على فكرة التحكم في مجموعة من المتغيرات الاقتصادية أو إدارتها بطريقة معينة وهذه المتغيرات هي جزء من الإطار الاقتصادي العام والتي تعمل وفق آلية معينة في الأحوال العادية لكن قد تستلزم بعض الاعتبارات التدخل والتأثير على هذه المتغيرات أو على آلية عملها.
وقد كان المتوقع أن تقوم هذه المتغيرات تلقائياً بالتعديلات اللازمة للأوضاع الاقتصادية المختلفة، لكن وجد أن التعديل التلقائي غير ممكن في كثير من الحالات فظهرت الحاجة إلى وجود تدخل خارجي لإحداث التعديل والتوجيه اللازمين لتفعيل اثر هذه المتغيرات في معالجة المشاكل الاقتصادية المختلفة.
وعلى الرغم من الانتقال من فكرة ترك المتغيرات تعمل تلقائيا لتصحح مسار الاقتصاد وتعالج مشكلاته إلى فكرة التدخل من قبل الحكومة لإدارة وتوجيه هذه المتغيرات ظلت أساليب التدخل عاجزة في أحيان عديدة عن القيام بما هو مطلوب منها.
ومن الشواهد على ذلك حالة الاقتصاد الأمريكي الذي يمر الآن بركود يتوقع أن يستمر وأن يزداد سوءا ولم تفلح إلى الآن الوسائل التقليدية في إخراجه من هذه الأزمة على الرغم من استخدام العديد منها مثل خفض سعر الفائدة وزيادة الإنفاق الحكومي وإجراء تعديلات معينة في الهيكل الضريبي. ليس ذلك فحسب بل إن البعض يرى ان إصرار الحكومة على استخدام هذه الوسائل بشكل مستمر ومتتابع يساعد على إيجاد قناعات لدى شرائح متعددة من المجتمع بأن الاقتصاد يمر بأزمة حقيقية كبيرة الأمر الذي جعل الوسائل التي كانت فعالة ومؤثرة في السابق محدودة الأثر الآن وهذا مما يفاقم المشكلة ويزيدها سوءا.
وكان المتوقع أن تتحسن الحالة الاقتصادية نتيجة لاستخدام الإجراءات السابقة لا أن تسوء فاستمرار سوء الأحوال الاقتصادية وزيادته حتى بعد استخدام وسائل العلاج أعطى انطباعاً معيناً عن مدى حجم المشكلة التي يمر بها الاقتصاد وعن نوعيتها وأنها مختلفة عن سابقاتها.
وإذا اقتنع الناس بذلك وخاصة بعدم إمكانية العلاج في الزمن المنظور وأن أساليب العلاج لم تعد قادرة على القيام بما هو مطلوب منها أصبح استخدامها عديم الجدوى نظراً لأنها لم تعد مؤثرة في قراراتهم.
والتي تتأثر والحالة هذه بالحقيقة أن هناك مشكلة ما يمر بها الاقتصاد قد أصبحت مستعصية على الحل.
والسؤال الآن.. لماذا أصبحت هذه الوسائل عاجزة عن حل مشاكل الاقتصاد الأمريكي الآن أو على أقل تقدير لماذا أصبحت محدودة التأثير؟
تقتضي الإجابة على هذا السؤال مراجعة قائمة من المشاكل التي وضعت هذه الوسائل والأساليب كعلاج لها، كما تستلزم أيضاً التعرف على أسباب مشاكل الاقتصاد السابقة والحالية، فحتى وإن تشابهت أعراض المشاكل فإن هذا لا يعني أن حقيقتها واحدة وأن أسبابها متماثلة.
*قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية
جامعة الإمام محمد بن سعود
|
|
|
|
|