| وَرّاق الجزيرة
أورد الباحث في الحلقة السابقة بعض التراجم المتعلقة بكتَّاب وعلماء بلدة الحريّق بتشديد الياء ويواصل في هذه الحلقة إيراد بعض التراجم الأخرى:
11 عبدالعزيز بن علي بن عبدالعزيز بن إبراهيم بن عبدالله بن محمد بن حسن: من المشارفة من الوهبة من بني تميم، ولد في بلدة الحريق وبها نشأ وتعلم في كتَّابها، يعد من المقلين من كتابة الوثائق، عرف بالزهد والورع فيذكر عنه قصة مشهورة وذلك حينما شاركت زوجته امرأة أخرى في طحن بعض حبوب القمح، وبعد الانتهاء من الطحن أعطت هذه المرأة زوجة المترجم له شيئا من طحينها وذلك بغير رضى من أهل بيتها، فلما أعدت زوجة المترجم له منه طعاماً وأكل منه رأي في المنام ما يدل على أن في الأكل الذي أكله شبهة، فلما سأل زوجته في الصباح أخبرته الخبر فوبَّخها على ذلك.
عاش معظم سني حياته في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري، وقد توفي في بلده ولن لا يعلم بالتحديد تاريخ وفاته إلا أن آخر ذكر له في وثيقة مؤرخة سنة 1308ه، وقد كفن بنصف كفن قلة ذات يده ولغياب ذويه عنه إذ كان والده في تلك الفترة في شقراء ولم ينتظروا رجوعه.
والمترجم له هو أكبر إخوانه الأربعة،ولم يخلف إلا ابنا واحدا اسمه إبراهيم ستأتي ترجمته ضمن هذه التراجم رحمهم الله تعالى.
12 عبدالله بن محمد بن فنتوخ (1) من قبيلة بني زيد، تولى الإمامة والخطابة في المسجد الجامع ببلدة الحريّق لمدة سنتين فقط ثم انتقل بعد ذلك إماما لجامع بلدة القصب إلى أن توفي فيها وذلك سنة 1339ه رحمه الله تعالى.
13 عبدالرحمن بن صالح بن عبدالله بن إبراهيم بن عبدالله بن محمد بن حسن من المشارفة من الوهبة من تميم، ولد في بلدة الحريق في مطلع القرن الرابع عشر الهجري نشأ فيها أيام طفولته وتعلم في كتابها، انتقل في مطلع شبابه إلى حوطة سدير مع أبيه وإخوانه، اشتغل في الحوطة بالتجارة والزراعة، ومع أن والده وإخوانه عادوا إلى بلدة الحريّق إلا أن المترجم له فضل الإقامة في بلد الحوطة وقد صاهر أسرة آل المنقور.
عرف بالشجاعة وحسن التدبير، وقد كانت له رحلات متعددة للكويت من أجل التجارة ضمن حملة أهالي سدير وكانت هذه الحملة وحملة أهالي الوشم تترافقان في الغالب ليتقوى بعضهم ببعض وذلك من أجل مواجهة أي خطر يعترضهم.
ففي إحدى المرات كان المترجم له ضمن أفراد تلك الحملة وكان معه أربعة جمال محملة بالبضائع وكنت بضاعته في ذلك الوقت في الغالب الصوف والقهوة والهيل والسكر وفي أثناء مسير أفراد الحملة في طريق العودة من الكويت إلى وطنهم أبصرهم عصابة من قطاع الطرق وبدون أن يشعر بهم أحد من أفراد الحملة أخذ أفراد هذه العصابة يرقبون سير حملتي الوشم وسدير ليأخذوهما على غرة فلما وصلتا إلى المكان الذي قرروا أنهم سيبيتون فيه نوخوا جمالهم وعقلوها وأنزلوا ما على ظهورها من البضائع فلما باتوا وأخذوا قسطا من الراحة استيقظوا في آخر الليل وأخذوا في الاستعداد لمواصلة السير وبدأ البعض منهم في تحميل البضائع وفك العقل فلما ثارت بعض الجمال في هذه الأثناء خرج عليهم قطَّاع الطرق الذين بيتوا هذا المكان في أول الليل وأخذوا في إطلاق أعيرة بنادقهم مما حدا بالجمال أن تنفر وتجفل من صوت البنادق وأخذت تسير بسرعة في اتجاهات مختلفة فوقع البعض منها في أيدي هؤلاء اللصوص أما جمال المترجم له فبعضها لم يزل مربط في عقله أما الذي هرب منها فقد استطاع استرجاعه من أيدي اللصوص ومن ثم تجميع ما سقط من على ظهورها من البضاعة، لأنه كان يملك بندقية ينافح بها عن نفسه وعن أفراد الحملة كفرد من أفرادها فسلمت له جماله وبضاعته بخلاف الكثيرين الذين خسروا جمالهم وبضاعتهم.
وكان مجموعة من أهالي بلدته الحريّق ممن كان في تلك الحملة قد عرضوا عليه المساعدة في استرجاع مانهب منه فشكرهم على ذلك لأنه كان قد استرجعها (2) وكانت معاملاته التجارية مع أهالي الحوطة وسكان البوادي المحيطة بها.
والمترجم له يكتب بعض الوثائق عند الضرورة ويعيد نسخ الوثائق القديمة التالفة إلا أن خطه غير حسن، ومن أطرف ما وقفت عليه بخط يده الوثيقة التالية: «الموجب ان ما في الحريق كتيب المطوع غايب لقد شهد عبدالله بن رشيد وأخوه عبدالرحمن بأن حنا ملزمين عبدالرحمن بن صالح على الكتب الموجب غيبة الحميزي». هذا النص مكتوب خلف عقد بيع بستان كتبه المترجم له بخطه.
اشتهر بالكرم والحكمة وحب الإصلاح لذا اختير أميرا لحوطة سدير(3) ولكن لا يعرف بالتحديد متى استلم مهام هذا المنصب إذ الخطابات المتوفرة الآن وتدل على ذلك تبدأ من تاريخ سنة 1350ه وقد وقفت على خطاب موجه للمترجم له من قاضي بلدان الوشم ثم الرياض الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ مؤرخ سنة 1342ه يحسن بنا إيرادنصه كاملا للفائدة :« بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبداللطيف إلى جناب الأمير المكرم عبدالرحمن بن صالح سلمه الله تعالى سلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام وغير ذلك الواجب عليكم تقوى الله والعدل ومواساة جماعتكم واجتناب الحيف والجور والعمل في نوايبكم على ما أفتى به شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله أن النوايب تكون على الناتج من ثمرة تمر وعيش وعروض ونقود وكل ما يعد للتجارة والنوايب السلطانية وغيرها تكون عامة كل بحسبه وأما الجهاد فيختص (...)(4) يكون على الثمرة ثمرة التمر والعيش والمنقود وغيرها ويشترك هنا الكداد وصاحب الملك كل يقدر صيبته هذا الذي أفتى به مشايخنا قدس الله أرواحهم وأنتم بأمان الله والسلام 8 (...) سنة 1342ه».
كان بين المترجم له والملك عبدالعزيز طيب الله ثراه عدة مراسلات نورد منها الرسالة التالية : « بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل إلي جناب الأخ المكرم عبدالرحمن بن حسن سلمه الله تعالى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الخط وصل وما عرفت كان معلوماً مخصوصاً من قبل دعواك أنت وجماعتك في النايبة فهذا ياصلك لهم خط إما يلتزمون لك بمثل ما التزموا به أهل سدير لأمراهم من النايبة وإلا يمشون معك للشريعة والعمل على ما تحكم به الشريعة إن شاء الله هذا ما لزم تعريفه والسلام 4 ن سنة 1353ه «الختم»».
وللمترجم له مكاتبات كثيرة مع بعض أمراء المجمعة وكذلك مع القرى التي تقع جنوباً عن الحوطة مثل عشيرة والخطامة والجنوبية والعطار والجنيفي وغيرها.
وقد أصيب المترجم له بمرض في آخر سني حياته طلب بسببه إعفاءه من الإمارة ولكن الملك عبدالعزيز لم يفرط فيه فبقي أميراً إلى أن توفي وذلك سنة 1356ه رحمه الله تعالى وله من العمر ما يقارب خمسين عاماً، مخلفاً ذكراً حسناً وثناء عاطراً لا تزال الألسن تتناقله إلى اليوم.
وله من العقب ولدان هما: حسن (1349 1419ه) رحمه الله تعالى، والآخر صالح متعه الله بالصحة والعافية على طاعته وهو مقيم في مدينة حوطة سدير.
14 سعد بن فهد بن شويرخ: ولد ونشأ في بلدة القصب ويبدو أنه تعلم في كتابها، حفظ القرآن عن ظهر قلب، انتقل من بلدة القصب إلى بلدة الحريّق هو وعائلته وأصبح في الحريق يدرس الطلاب في الكتاب القرآن الكريم وغيره من مبادئ العلوم وذلك خلفاً للشيخ محمد بن عبدالله الحميزي الذي توفي سنة 1338ه تقريباً.
كان المقرئ ابن شويرخ لين الجانب مرحاً مع طلابه لذا كان محبوباً عندهم من أعماله الجليلة في بلدة الحريّق وحسناته التي لا تزال تذكر فتشكر له أنه حفر في الحريق بئرا في أرض كان قد اشتراها بسبعة ريالات فرانسة.
وكان أثناء حفره لهذه البئر يستعين بطلابه الذين لديهم المقدرة على مثل هذا العمل وذلك بعد خروجهم من الدرس، وكان بعض سكان البلدة إذا مروا به وهو يحفر يشعرونه من خلال كلامهم بأن مكان هذه البئر هنا غير مناسب ولكنه يرد عليهم بأن هذه البئر موافقة في هذا المكان أي مناسبة فحملت هذه البئر اسم موافقة من كلامه السابق، فأصبحت لا تعرف عند أهالي البلد جميعهم إلا بهذا الاسم وحتى الآن.
وبعد أن نزل في حفر هذه البئر إلى مستوى يصعب على طلابه وهم صغار مساعدته إذ انتهى إلى جد الصفاة وهي الطبقة الصخرية التي تحجز الماء عن التراب، ورأي أهل البلد شدة عزمه على إتمام حفرها صاروا يساعدونه حتى خرج الماء واكتمل طي جوانبها بالحجارة.
وقد وقف هذه البئر لسقيا أهل البلد وغيرهم، أما الأرض المحيطة بها فقد غرسها نخلاً متنوعاً وجعلها وقفاً أيضاً، وقد اشترط أن أول جذة لثمر النخل الذي غرسه ووقفه يكون للقرّاية وهم طلابه الذين يدرسون عنده وذلك من باب رد الجميل حيث ساعدوه في حفر البئر كما سبق بعد ذلك يستمر الوقف على جهته الموقوف عليها أما وثيقة الوقف فهذا نصها :«بسم الله الحمد الله وحده: الموجب لتحريره والداعي لتسطيره هو أن سعد بن فهد بن شويرخ أقر وهو صحيح العقل والبدن جايز التصرف بأنه سبل القليب التي هو حفر في أرضه المعروفة قبلي البلد هي والحويط الذي يليها شرقا سبلها وقفاً مؤبدا تكون مشرباً ما يمنع عنها أحد على الدوام وقفا منجزا وله النظر عليها إذا كان حاضراً في البلد ومن بعده وليها الصالح من أهل البلد في الحريق شهد على إقراره بذلك نشوان بن محمد وعبدالعزيز بن سيف وعبدالله بن سليمان بن مهنا وشهد به كاتبه عبدالعزيز بن محمد الحميزي وذلك محرر 6 ش سنة 1352ه».
ولقد لقيت هذه البئر قبولا عند أهل الحريّق لنية صاحبها الصالحة فصاروا يردونها للشرب والتزود منها لعذوبة مائها، وقد وضع كذلك مديِّا حوض لتشرب منه البهائم.
وقد أقيم بجانب الأرض التي أوقفها وذلك في حياته مسجد يعرف باسم مسجد موافقة نسبة للبئر التي حفرها، وهذا المسجد يعد الثاني في بلدة الحريّق بعد المسجد الجامع.
وقد لبث المقرئ ابن شويرخ يدرِّس الطلاب في بلدة الحريق ما يقرب من تسعة عشر عاماً. وقد رزق بولد وحد اسمه محمد توفي في حياته وبذلك انقطع عقبه وقد توفي المترجم له في بلدة الحريق رحمه الله تعالى وبعد وفاته رجعت أسرته إلى بلدة القصب مرة أخرى.
ووفاته تقريبا سنة 1358ه المعروفة بسنة الجدري رحمه الله تعالى.
15 عبدالعزيز (5) بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن علي ابن الشيخ محمد بن محمد بن عبدالله بن نشوان من المشارفة من الوهبة من تميم.
ولد في بلدة الحريق في أوائل القرن الرابع عشر الهجري ونشأ تحت رعاية والده حيث بدأ التعلم على يديه ثم درس على إمام جامع الحريق محمد بن عبدالله الحميزي فأتقن القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، وأتقن علم التجويد ومبادئ الفقه والتوحيد ومبادئ العربية والتاريخ والأدب.
ولما كان رحمه الله أكبر أبناء والده تحمل جلب الرزق صغيرا كما هومعتاد عند الأسر النجدية ذلك الوقت. فعمل جمالا يتاجر من الكويت والعراق مع العقيلات مما صرفه عن طلب العلم والتزود منه.
كان خطُّه جميلاً وحسناً وإملاؤه سليماً، معمول بخطه وكتابته لدى القضاة. كان يكتب بيده الشمال. وكان أثناء رحلاته إلى الرياض يجلس للبادية عندما ينوخون جمالهم في الرياض يكتب لهم معاريضهم.
تزوج من نورة بنت محمد الفايز النواصر من بني تميم ولم يخلف منها سوى بنت وابنين هما: إبراهيم وسعد وقد مات أحدهما في حياته صغيراً وقد ذكر في وصيته أن الناظر على ابنه الآخر عثمان عم المترجم له، إلا أن هذا الابن توفي كذلك ولم يخلِّف وبذلك انقطع عقب والده من الذكور وبقي له الذكر الحسن والسمعة الطيبة عند عارفيه وجماعته.
توفي المترجم له ولم يخط شعره شيباً وذلك سنة 1358ه وله من العمر قريباً من خمسين عاماً، وكانت وفاته في بلدة الحريق رحمه الله تعالى برحمته الواسعة.
الهوامش:
(1) انظر ترجمة مفصلة له في (العلماء والكتاب في أشيقر: 2/259).
(2) روى هذه القصة لي الأستاذ صالح بن المترجم له وقد رواهاله محمد بن رحيم وهو تاجر من أهالي شقراء كان ممن حضر تلك الحادثة إذ هو ضمن حملة أهالي الوشم وقد توفي ابن دحيم بعد أن كف بصره منذ سنوات بعيدة، وقد رواها المحدثي بعد وفاة المترجم له بما يقارب من خمسة عشر عاماً وهي قصة مشهورة ومعروفة.
(3) وقد أشار إلى كونه أميرا في الحوطة الأستاذ عبدالله المعجل في كتابه (حوطة سدير 58).
(4) ما بين القوسين لم أستطع قراءته.
(5) زودني بهذه الترجمة فضيلة الشيخ عمر بن عبدالعزيز النشوان قاضي محكمة القصب فله مني جزيل الشكر والتقدير.
* للتواصل:
الوشم أشيقر 11961
ص.ب: 6075
|
|
|
|
|