| عزيزتـي الجزيرة
كانت السيارة في يوم ما واعدة لعالم رائع من السرعة والحرية والراحة، حيث تنقل الناس سحرياً الى اي مكان تؤدي اليه الطريق، واذا اخذنا في الاعتبار هذه المزايا المغرية، فليس من المدهش ان يراود الناس في جميع انحاء العالم حلم امتلاك سيارة بيد ان المجتمعات التي شيدت شبكاتها من الطرق حول السيارة بدأت تستيقظ الآن على واقع اشد خطورة، فالمشكلات التي يحدثها الاعتماد المفرط على السيارة تفوق مزاياها بكثير.
وهذه المشكلات عديدة وواسعة الانتشار فاكتظاظ حركة المرور وتلوث الهواء يزعجان كل المدن الكبرى، والاعتماد على النفط يجعل الاقتصاديات سريعة التأثير والحساسية، والمدن التي تصمم شوارعها للسيارات بدلاً من تصميمها لخدمة الناس تتزايد صعوبة الحياة فيها.
ولعل السيارة تجسد اكثر من اي اختراع آخر ما لاحظه جاك إلول عن كل التقنيات، انها تصلح خادماً جيداً، ولكنها سيد رديء.
بيد ان الرضوخ لمتطلبات السيارة الخاصة قد اصبح روتيناً جامداً في كثير من مدن العالم..ولقد فرض استعمال السيارة ابرز سمات الحياة الحضرية ويتضح ذلك بالاخص في تصميم المدينة الحديثة.
تقول مارسيا لاو: والنمو المتزايد في اسطول السيارات العالمي، الذي يبلغ حالياً قرابة 800 مليون سيارة يوضح انه اذا فشلت المجتمعات في استعادة سيادتها على هذا الخادم، فان المشكلات المقننة بالسيارة قد تصبح أزمات عالمية.
وللاسف، تأتي جنباً الى جنب مع اعداد السيارات مشكلات مستديمة. فاكتظاظ حركة المرور، الذي اصبح الآن حقيقة واقعة في المدن الكبرى، قد مد ساعات ذروة المرور اليومية الى اكثر من 14 ساعة.
والمحركات الهادرة والابواق الزاعقة تسبب احباطاً وضغطاً مفرطاً للدم.
والمركبات الآلية هي اكبر مصدر منفرد لتلوث الهواء حيث انها تحدث غلالة من الضباب الدخاني فوق مدن العالم.
والمشكلة ان الحساسية الاقتصادية والسياسية لاي مجتمع يعتمد على السيارة انما تتضح بصورة مؤلمة حيثما توجد ازمة نفطية.
وضخامة هذه المشكلات المرتبطة بالسيارة تتحدى مجرد الثوابت التقنية. وبدون وجود بدائل السيارات، فان التقدم التقني في اقتصاد الوقود وخفض الانبعاثات قد تعوقه القيادة المتزايدة للسيارات.
وعلى حين يكمن تفاؤل عظيم في بعض التغييرات التقنية الا انها ليست موجهة الى كافة مشكلات استعمال السيارة.
وعلاوة على ذلك، فانه لا توجد اي تقنية للسيارة يمكن ان تدرأ تماماً العواقب الاجتماعية السلبية لمجتمع تسيطر عليه السيارة، والوفيات من حوادث المرور مثال على ذلك.
ويكمن الخطر الاعظم من حوادث الطرق في الخليط المشوش والكثيف لحركة المرور الآلية وغير الآلية في العالم الثالث.
حيث تبلغ معدلات الحوادث المميتة على الطرق ثلاثين ضعفاً بالنسبة لمعدلاتها في العالم الصناعي.
ان المشي على القدمين وركوب الدراجات هو اكثر التنقل الفردي شيوعاً، وذلك لانهما اقتصاديان ونظيفان ويوفران الخير، ولا يتطلبان وقوداً سوى آخر وجبة غذائية تناولها الشخص.
وفي كل من الدول الغنية والفقيرة، فان خدمة احتياجات الناس الذين لا يمتلكون سيارات امر حيوي لتكوين نظام متواصل للنقل. وتوجد عدة وسائل لجعل المدن للناس وليس للسيارات وحدها ومن بين هذه الوسائل توفيرالمرافق المختلفة لتحسين وصول المشارة وراكبي الدراجات الى مقاصدهم في مختلف انحاء المدينة واعطاء الاولوية لهم في مراكز المدن والتنسيق المتكامل للمشي وركوب الدراجات مع النقل العام.
وعلى ذلك، يمكن للمدن ان تواجه كثيراً من مشكلات النقل بها عن طريق تيسير استعمال الدراجات والمشي على الاقدام ويمكنها ايضاً ان تتخذ خطوات لجعل النقل العام اكثر راحة ولتهيئة وسائل انتقال ووصول عالية الجودة للناس، مقابل جزء من تكلفة النقل الآلي.
وفي الوقت نفسه، فان نوعية الحياة سوف تتحسن في المدن التي تجعل توجهها لخدمة الناس وليس لمجرد المركبات الآلية.
ورغم ان المناطق الحضرية تناضل لدرء اكتظاظ المرور بدرجة ما، فان تلك الاقل معاناة هي الاقدر على تشجيع بدائل لقيادة السيارات.
لقد آن الاوان لقيام المدن المتواصلة.
ان الاعتماد على السيارة يزعج مدن العالم الكبرى بمشكلات لن تفلح في حلها قط اجتهادات تقنية السيارات، ولكي تتم المواجهة الكاملة للاكتظاظ والاعتماد على النفط والمدن التي يتزايد عدم صلاحيتها للحياة فيها، ينبغي على الحكومات ان تنهي عهد السيارة. وافضل وسيلة مؤكدة للاقلال من الاعتماد والمفرط على السيارات هي اجراء اعادة ترتيب شاملة لاولويات النقل.
والخطوة الاولى هي تسليط الضوء على التكاليف الخفية لقيادة السيارات، المتمثلة في بنود مثل تلوث الهواء، والخدمات التي تقدمها البلديات، وتشييد الطرق والاصلاح. ولعل المصروفات التي لا يكاد يعترف بها احد هي بنود مثل الشرطة والحرائق وخدمات الطوارئ، تزيد الامر تعقيداً.
ان مدى عجز الدول النامية عن الوفاء باحتياجات النقل وديونها المالية الباهظة توضح ان المستقبل الذي تسيطر فيه السيارة امر غير مجد في العالم الثالث.
ختاماً اقول لما كانت المشكلات الضخمة التي يسببها الاعتماد المفرط على السيارة في تواصل ازعاجها للمدن فانه قد يحدث تحول سياسي في السنوات القادمة ومن المحقق ان الناس حول العالم قد بدأوا يشهدون بأعينهم ان تكاليف الاعتماد على السيارات قد اصبحت تفوق المزايا واذا ارادت المدن ان تحقق حلم النقل النظيف والفعال والذي يمكن الاعتماد عليه، وهو ما كانت تعد به السيارة يوماً ما، فان عليها ان تتوجه الى بدائل متواصلة ومجدية وقد آن اوان ذلك!!
د. زيد بن محمد الرماني
عضو هيئة التدريس بجامعة
الامام محمد بن سعود الاسلامية
|
|
|
|
|