| الاقتصادية
هناك أجهزة حكومية تعمل بعيداً عن أعين الناس، وربما تكون مواقعها غير معروفة للجميع، لأن طبيعة أعمالها في الأصل لا علاقة لها بالجمهور، لكن نتاجها يبنى عليه قرارات هامة، ويعتبر بمثابة المستند المهم في اتخاذ الإجراء التنظيمي او التنفيذي من قبل السلطة المختصة، من هذه الأجهزة «مصلحة الاحصاءات العامة»، هذا الجهاز الملحق بمبنى وزارة المالية والاقتصاد الوطني لا لشيء ارتكبه، وانما بسبب حظه العاثر، حتى عندما تم فصل المصلحة عن وزارة المالية وربطها بوزارة التخطيط لم يشفع لها هذا بقدرتها على التحرك بصورة كاملة، بل بقيت على ما هي عليه، تحت الوصاية البيروقراطية، وبقينا نتعامل معها وكأنها غير قادرة على تسيير اجراءاتها بنفسها ان لم يقم عليها «عائل» يرعى شؤونها!! ولم نكلف انفسنا عناء البحث والسؤال لماذا؟ وما الفائدة من هذا الربط؟ ولماذا هذا الجهاز بالذات؟؟ بينما هناك اجهزة ربما تكون اقل شأنا تم فصلها كمؤسسات مستقلة بذاتها وبمجلس ادارة خاص بها، إن وضع المصلحة بهذا الواقع أفقدها جزءاً من أهميتها، وجعلها تدور حول نفسها بين امكانية القيام بمهامها على الوجه المطلوب وبين التزامها ببيروقراطية الاداء، الامر الذي تسبب في ضعف بعض جوانبها، وعدم قدرتها على اداء دورها المنوط بها من خلال جعل بعض الاحصائيات الصادرة عنها وكأنها لم تصدر منها، حيث تنسب في معظم الاحيان الى جهات اخرى «لاتعد مصدراً اساسياً» وهذا فيه اجحاف بحقها لا يمكن اقراره!! إن استمرار هذا الجهاز بهذا الوضع سيؤثر على ادائه، اذ رغم تزايد اهمية الإحصاء في الوقت الحاضر، واعتباره الدعامة الاساسية لكافة العلوم، ورغم ان نظام المصلحة الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم «23» في 7/12/1379ه اعتبرها «الجهاز المركزي» للإحصاء في المملكة، وحدد اختصاصاتها في القيام بجميع انواع العمليات الاحصائية التي تدعو اليها الحاجة في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية رغم كل ذلك الا ان الواقع الذي تعيشه المصلحة يحتاج الى اعادة نظر حيث ان الدور الذي تقوم به لا يؤدي النتيجة المطلوبة، وقد تقف هي عاجزة عن معالجة بعض القضايا والمشكلات التي تواجهها بسبب ارتباطها بجهاز آخر!! ولا ندري لماذا هذا الربط؟ وماهي اهدافه؟ قد يكون ذلك ضرورة عند بداية نشأتها، لكن يستمر الى مايزيد عن اربعين عاما فهذا ما لا يمكن تفسيره ولاسيما ان مثل هذا الجهاز يعتمد نجاحه على قدرته على الحركة، وسهولة اتخاذ القرار عن طريق «قصر» خط السلطة، واختصار الاجراءات والمراحل التي يمر بها القرار، ان اهمية الاحصاء لاحدود لها، وكما اشرنا فإنه اصبح الدعامة الاساسية لكل العلوم، واصبح كل بحث يخلو من الاساليب الاحصائية يعتبر بحثا ناقصا، كما ان دقة النتائج تعتمد في المقام الاول على ماتعكسه الارقام والجداول الاحصائية، ولهذا ارتبط مفهومه مع مفهوم الدولة نفسها، من خلال الاهتمام بجمع البيانات المتصلة بأمورها، حتى صار «الاحصاء» يفهم بأنه «دراسة شؤون الدولة» وصارت الدول تهتم به لكونه وسيلة هامة يساعد على اطلاع الناس على نشاطاتها، وما تبذله من جهود نحو المجتمع، ولهذا ادخل الاحصاء كمادة علمية تدرس في الجامعات، واصبح له مراكز متقدمة ومتطورة جدا ويملك اكبر الوسائل والتقنيات العالية، وزاد الاهتمام به حتى شمل جميع المجالات، لانه يعتمد على جانب مهم وهو «الارقام» والارقام هي الوحيدة التي لا تكذب!! لأنها لاتتكلم من تلقاء نفسها!! إن ما دعاني الى كتابة ذلك هو المفاجأة التي تعرض لها احد الزملاء قبل مدة عندما كان يبحث عن بعض المعلومات الاحصائية، التي لها علاقة ببحثه، وكنت اعتقد ان مثل هذه المعلومات لا يمكن الحصول عليها بسهولة، وعند مراجعته مصلحة الاحصاءات العامة وجد ان جميع المعلومات متوفرة، ومطبوعة بطريقة علمية، وألحق بها مؤشرات وقياسات متعددة وتحتوي على جميع المعلومات الخاصة بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية وغيرها، وفهم من بعض الموظفين هناك ان جميع هذه المعلومات متاحة للجميع، ومن حق اي باحث او مواطن الاطلاع عليها!! وهنا تولد عندي سؤال: لماذا لانعرف شيئاً عن هذا الجهاز؟
وما اسباب هذا القصور؟
ومن المسؤول عن ذلك؟
نعرف ان الدولة ومع اتساع نشاطاتها في مختلف المجالات تحرص على تحقيق الرفاهية للمواطنين بأي اسلوب يمكنها تحقيق هذا الهدف،فقامت بإنشاء مؤسسات عامة على غرار الاجهزة الادارية التي تتولى بعض النشاطات التي تتميز بطبيعة خاصة ومختلفة عن تلك النشاطات التقليدية التي تمارسها الوزارات والمصالح الاخرى، لأن طبيعة بعض النشاطات والخدمات تتطلب في ادارتها اسلوبا خاصا عن طريق اجهزة متخصصة ومستقلة في شؤونها المالية والادارية، لها كوادرها ونظمها الخاصة بها، ومتحررة من الروتين ومظاهر التعقيد التي تتسم بها عادة الاجراءات في الاجهزة العامة، فكانت هذه المؤسسات ذات طبيعة خاصة، وأدت دورا هاما في بناء المجتمع، وادارة الخدمات، لأن اجراءاتها تخصها وحدها، ولديها امكانية كبيرة للتحرر من القيود التي تفرضها معظم الاجراءات، فكانت سبيلاً الى تقديم عطاءات افضل، ونتائج ملموسة، من خلال القدرة على اتخاذ القرار، وسرعة البت فيه، ان واقع مصلحة الاحصاءات العامة وما تمثله من اهمية متزايدة في عصر المعلومة، يتطلب النظر في امكانية بحث استقلالية هذا الجهاز استقلالاً تاما، بحيث يرتبط بالسلطة العليا مباشرة، ويكون له قدرة على الحركة داخل محيطه العام، مع اعادة النظر في نظامه الذي مضى عليه مايزيد على اربعين سنة، ولاسيما اننا في عصر العولمة الذي يتغير باليوم بل بالدقيقة والثانية، مما يحتم علينا ضرورة مواكبة هذا العصر بما يخدم مصالحنا، ويحقق اهدافنا العامة التي تنشدها الدولة وتسعى الى تحقيقها من خلال اجهزتها المتنوعة لأن الواقع يؤكد بأن هناك جهوداً تبذل، ونتائج تستخلص لكنها لم تحقق اهدافها بسبب ضعف بعض الاجهزة نفسها وهذا مايتطلب البحث،
|
|
|
|
|