أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 4th November,2001 العدد:10629الطبعةالاولـي الأحد 19 ,شعبان 1422

الاقتصادية

الوكالات التجارية السعودية بين الاستمرار والتفتيت
الوكالات السعودية أسهمت في بناء التنمية الاجتماعية والاقتصادية وليس من المصلحة تفتيتها
نظام الوكالات يسمح بتعدد الوكلاء، وأنظمة الاستيراد تسمح للجميع باستيراد السلعة فأين الاحتكار غير المشروع؟
هل تمّ التفكير في مدى توفير قطع الغيار اللازمة والصيانة النموذجية عند مطالبتنا بتفتيت وكالاتنا التجارية
بقلم د. محمد بن عبدالعزيز الصالح
أولت الخطط التنموية الخمسية خلال العقود الزمنية الأربعة الماضية اهتماماً متزايداً بالقطاع الخاص وذلك في إطار فلسفة الاقتصاد الحر التي تنتهجها حكومة المملكة العربية السعودية منذ توحيد هذه الدولة على يد جلالة الملك المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه وحتى وقتنا الحاضر. حيث تحرص الدولة على تهيئة القطاع الأهلي ليصبح الركيزة الأساسية للنشاط الاقتصادي. وبالفعل نجد أن ذلك قد تحقق من خلال إدارك أن هذا القطاع قد أسهم بما يزيد على 51% من الناتج القومي في عام 1421ه ومن المتوقع أن يصل اسهامه إلى 55% عام 1424ه وفقاً لما تضمنته الخطة التنموية السابعة، من أجل ذلك نجد أن هذا القطاع لا يزال يحظى بدعم ورعاية الدولة، وذلك من خلال السياسيات والحوافز والمبادرات التنظيمية والتي أسهمت في توسيع دوره في الاقتصاد الوطني وزيادة فاعليته.
مزيد من اهتمام الدولة بالوكلاء السعوديين
إن من مظاهر اهتمام الدولة بالقطاع الخاص أن أصدرت العديد من المراسيم الملكية الكفيلة بسن البنود القانونية الكفيلة بحفظ حقوق الوكلاء التجاريين السعوديين في المملكة، ولذا نجد أنه في عام 1382ه صدر المرسوم الملكي رقم م/11 والذي بموجبه تم قصر أعمال الوكالة التجارية في المملكة على السعوديين فقط، وفي عام 1389ه صدر المرسوم الملكي رقم م/5 والذي جاء منصباً على تحديد الجهات المختصة بمنازعات الوكالات التجارية، وفي عام 1400ه صدر المرسوم الملكي رقم 2/32 يوجب سريان نظام الوكالات التجارية على كل من يتعاقد مع شركة أجنبية، إضافة لذلك نجد أنه قد أوكل لوزارة التجارة مهمة اصدار نموذج موحد لعقد الوكالة التجارية، وفي عام 1401ه صدرت اللائحة التنفيذية لنظام الوكالات التجارية.
ومن خلال هذا الاستعراض لصدور الأنظمة واللوائح الخاصة بالوكالات التجارية، يتضح حرص الدولة على تنظيم هذا الجانب بهدف توفير حماية أضمن للوكلاء السعوديين في مواجهة الشركات الأجنبية، وذلك وصولاً إلى ايجاد علاقات متكافئة بين الشركات الأجنبية ووكيلها السعودي من خلال حفظ حقوق والتزامات كلا الطرفين.
الوكالات التجارية وخدمة الاقتصاد الوطني
منذ أن بدأ تنظيم الوكالات التجارية في المملكة قبل أربعة عقود زمنية، والمؤسسات والشركات السعودية التي تلعب دور الوكالات التجارية تقوم بأدوار ملموسة في مجال بناء التنمية الاجتماعية والاقتصادية من خلال دورها في تنشيط حركتي التجارة والاستثمار حيث عملت تلك الوكالات على توفير ما يحتاجه المجتمع السعودي من الخدمات والسلع الاستهلاكية وقطع الغيار ومراكز الصيانة العملاقة، فقد أسهمت الوكالات السعودية في استيراد وجلب احتياجات المجتمع من المعدات الحديثة في العمليات الإنتاجية، إضافة إلى التنويع في تشكيلة المنتجات التي يستهلكها المواطنون، الأمر الذي اسهم في تحريك عجلة الانتاج وتفعيل جودة المنتجات ورفع مستوى معيشة المواطنين، ومن ثم المساهمة في رفع معدلات الأداء الاقتصادي العام.
موقف وزارة التجارة
إنه في ظل السياسات الحكومية المعلنة بدعم القطاع الخاص ليكون اللاعب الأساسي في بناء التنمية الاقتصادية السعودية، وفي ظل حرص الدولة على تهيئة البيئة الاستثمارية الحرة لرجال الأعمال تتجه وزارة التجارة إلى إقرار بعض التوجهات الرامية إلى تقييد حرية انتشار وتوسع المؤسسات والشركات السعودية مما ينعكس سلباً على تلك الشركات في مواجهة مثيلاتها الأجنبية.
وفي اعتقادي أنه يجب على وزارة التجارة وغيرها من الأجهزة ذات العلاقة برجال القطاع الخاص أن يدركوا بأن عملية إعادة الهيكلة التنظيمية يجب أن تأخذ في الاعتبار مصالح رجال الأعمال السعوديين، والذين اسهموا بالكثير حتى اصبح للاقتصاد السعودي من المكانة ما يجعله يجابه غيره من الاقتصاديات التي سبقته بعدد من العقود الزمنية بل ويتفوق عليها، اذكر ذلك في الوقت الذي يدور داخل أروقة الأوساط التجارية بالمملكة ذلك التوجه الذي ترمي وزارة التجارة إلى تحقيقه والمتمثل بحظر الوكالات الحصرية بالمملكة وفي ذلك نجد بأن الدراسات المتعلقة بمشروع نظام مكافحة المنافسة غير المشروعة قد نصّت في بندها الثالث على: (إضافة مادة إلى مشروع نظام مكافحة المنافسة غير المشروعة ليكون نصّها: مع عدم الإخلال بنظام الوكالات التجارية، يحظر النص في عقد الوكالة التجارية على أن يكون الوكيل الحصري في جميع مناطق المملكة، بل يجب تعيين أكثر من وكيل في المملكة).
الجدير بالذكر ان وزارة التجارة تتجه إلى منع المؤسسات والشركات التجارية السعودية ذات الإنتاجية العالية من تسويق ما نسبته أكثر من 35% من حاجة السوق من سلعة أو خدمة معينة في السوق، إذ يتضح ذلك من خلال ما تضمنه مشروع نظام مكافحة المنافسة غير المشروعة حين عرف مصطلح الهيمنة غير المشروعة بأنه (وضع تكون من خلاله المنشأة أو المنشآت التجارية قادرة على التحكم فيما يزيد على 35% من حجم المنتوج من السلع والخدمات في السوق)، ومن يتجاوز ذلك يتعرض للجزاءات.
فكيف يمكن أن نكافئ الشركات والمؤسسات الوطنية العملاقة والتي أسهمت في بناء التنمية الاقتصادية لهذا الوطن بأن نمنعها من التوسع في سياستها الاستثمارية، وكيف يمكن أن يتم تقييد وتحديد نسب التوسع في الشركات الوطنية العملاقة في الوقت الذي طالما افتخرنا فيه بأن اقتصادنا السعودي يسير وبدعم من الدولة في ظل أسس ومبادئ حرة لا تصطدم مع مصالح القطاع الأهلي. وكيف يمكن أن ننادي بأهمية الأندماج بين المؤسسات والشركات الوطنية الصغيرة والمتوسطة لتصبح شركات وطنية عملاقة لتحوز على حصة أكبر في الأسواق الخارجية ناهيك عن أسواقنا المحلية في الوقت الذي ترمي وزارة التجارة إلى تصنيف عملية تسويق ما نسبته 35% من حجم تسويق أي منتج أو خدمة على أنه هيمنة غير مشروعة.
الوكالة الحصرية ومفهوم الاحتكار
استندت وزارة التجارة في توجهها الرامي إلى إلغاء ما يعرف بالوكالة الحصرية، وتحديد الحصة المسموح للشركات الوطنية بتسويقها من أي منتج أو خدمة ب 35% استندت في ذلك على أن عدم تقييد الشركات بذلك يؤدي إلى نوع من المنافسة غير المشروعة مما يعتبر (وفقاً لما تراه وزارة التجارة)، نوعاً من الاحتكار غير المشروع.
وفي هذا الخصوص يجدر الإشارة لعدد من الاعتبارات ومنها:
أ أن الوكالة الحصرية لا يجب أن يتم تصنيفها على أنها احتكار غير مشروع حيث إن الوكالة الحصرية في مجال المنتجات الغذائية لا تمثل كامل المنتجات الغذائية برمتها في أسواق المملكة وإنما تمثل شركة أجنبية بعينها. فهي وكيلة حصرية للشركة الأجنبية وليست وكيلة لكافة المنتجات الغذائية، وبالتالي فإن وصف تلك الوكالة بالاحتكار إنما هو وصف يتطلب إعادة نظر فيه، وبالتالي فإن مجال المنافسة متاح لكافة المنتجات المماثلة.
ب إن نظام الوكالات التجارية المعمول به في المملكة طوال السنوات الماضية لا يلزم أي شركة أجنبية بتعيين وكيل حصري لها في أسواق المملكة. وإنما تعمد النظام ترك ذلك لحرية الطرفين (الشركة الأجنبية ووكيلها السعودي).
مما يعني إتاحة الفرصة للشركة الأجنبية لان يكون لها أكثر من وكيل أو موزع سعودي وبالتالي فإن ذلك يتنافى مع أي صفة أو ممارسة احتكارية.
ج إن أنظمة الاستيراد المعمول بها في المملكة لا تمنع التجار من غير الوكلاء أو الموزعين المعتمدين من الاستيراد من بلد المنشأ. وعلى سبيل المثال نجد أنه وعلى امتداد السنوات الماضية كان هناك الكثير من التجار ممن كانوا يستوردون مختلف السيارات من عدة دول على الرغم من وجود وكلاء حصريين وموزعين معتمدين لتلك الأنواع من السيارات، وتتداول الأوساط التجارية أن هناك دراسة عملت على أسواق المملكة والدول المجاورة بما فيها الإمارات ومصر وأثبتت أن أسواق المملكة تقل في أسعارها عن تلك الدول بما يتراوح بنسبة 3 20% بما فيها خدمات الصيانة.
خطورة المنافسة القادمة من دول الجوار
نشرت صحيفة اليوم خلال الأيام القليلة الماضية (الثلاثاء 7 شعبان ص 5)، أن دول مجلس التعاون الخليجي سوف تبحث اقتراحاً يسمح للمواطنين الخليجيين بممارسة نشاط الوكالات التجارية بين الدول الأعضاء في المجلس، وأن هذا الاقتراح سوف يتم بحثه خلال اجتماع وزراء التجارة والصناعة الخليجيين والذي انعقد يوم الأربعاء قبل الماضي (8 شعبان 1422ه)، وذلك في العاصمة البحرينية المنامة.
وأمام هذا الخبر، أجدني غير قادر على تفهم ما تصبو إلى تحقيقه وزارة التجارة فيما يتعلق بالوكالات التجارية. فالوزارة من جهة تتجه إلى ما أشرنا إليه بالنسبة للوكالات التجارية السعودية العملاقة بحيث لا يكون لها الحق سوى بتسويق ما نسبته 35% كحد أعلى من السلعة أو الخدمة التي طالما عملت تلك الوكالة وأنفقت الكثير من الأموال الطائلة حتى وصلت بتلك السلعة إلى ما وصلت إليه من انتشار.
وفي الوقت نفسه أجد أن معالي وزير التجارة يجتمع مع نظرائه وزراء التجارة في دول مجلس التعاون لمناقشة السماح للمواطنين الخليجيين بممارسة نشاط الوكالات التجارية بين الدول الأعضاء في المجلس.
إن التوجه لوضع حد لنمو الوكالات الحصرية سوف ينعكس سلباً على اقتصادنا الوطني من خلال هروب رؤوس أموال السعوديين والشركات والوكالات إلى الدول المجاورة بما فيها دول الخليج، ومما لا شك فيه أن المتضرر الأساسي من ذلك هو المستهلك السعودي وذلك من ناحيتين:
أ زيادة تكلفة المنتج محل الشراء نظرا ً لأن ذلك المنتج سيمر عبر ثلاثة أطراف (الشركة المصنعة+ الوكيل الأصلي بالخليج+ الموزع في المملكة)، وذلك قبل وصول السلعة المنتجة للمستهلك النهائي.
ب تضرر المستهلك من خلال صعوبة توفير أعمال الصيانة وتوافر قطع الغيار بالشكل اللازم نظراً لارتفاع تكلفة ذلك على الوكالات الصغيرة مقارنة فيما لو تم تقديمها من قبل الوكالة التجارية العملاقة.
سلبيات إلغاء الوكالة
الحصرية
اختتم حديثي بالتأكيد على أن التوجه الرامي إلى تفتيت الوكالات التجارية السعودية من خلال إلغاء الوكالات الحصرية، قد يترتب عليه عدد من السلبيات والتي ومما لا شك فيه سيتضرر منها اقتصادنا الوطني، ومن تلك السلبيات:
1 ان تطبيق هذا التوجه لا يتفق مع القواعد التي تسير وفقها الأسواق الحرة حيث تعد أسواق المملكة إحداها وضمن المنظمات الاقتصادية الدولية التي دخلت أو ترغب المملكة الدخول في عضويتها.
2 ان تنفيذ هذا التوجه لا يمثل أي دعم للتجار السعوديين وفي التوسع بأعمالهم التجارية وفقاً للسياسات والأنظمة التي سبق أن أقرتها الدولة.
3 ان تنفيذ هذا التوجه مع تقييدها بنسبة تسويقية لا تتجاوز 35% من حصة السوق يتعارض مع توجّه الوزارة بفتح المجال لاستقطاب الاستثمارات السعودية والأجنبية العملاقة
4 إن الغاء وكالات الشركات قد ينعكس سلباً على المستهلك السعودي من خلال تضرر خدمات ما بعد البيع وتوفير قطع الغيار اللازمة والتي كان بإمكان الوكالة التجارية الأصلية توفيرها نظراً لتمكنها وقدرتها على ذلك.
5 إن تفتيت الوكالات الحصرية إلى وكالات صغيرة سيجعل الشركة الأجنبية (الموكل)، في موقف تفاوضي أقوى مع الوكالات المحلية المحدودة في الإمكانات مما يجعلها تفرض عليهم ما تراه من شروط قد يتضرر منها المستهلك المحلي من جهة واقتصادنا الوطني من جهة أخرى.
كلمة أخيرة
أختتم حديثي بالتأكيد على أنه من الأهمية أن يحظى هذا التوجه الذي تنشده وزارة التجارة بالدراسات اللازمة من قبل كافة الجهات ذات العلاقة وأخص بالذكر اللجان الاقتصادية بمجلس الشورى وهيئة الخبراء ومجلس الغرف التجارية وهيئة الاستثمارات العامة والمجلس الاقتصادي الأعلى وغيرها من الجهات ذات العلاقة، إن هذا التوجه بهذه الصفة التي تتضمن في طياتها العديد من السلبيات والتي من الأهمية أن تؤخذ في الاعتبار قبل إقرار هذا التوجه.
أرجو ألا أكون قد قسوت على المسئولين في وزارة التجارة، ولكنها الأمانة التي تفرض نفسها وتوجب عرض مثل تلك الموضوعات بشكل أكثر وضوحاً وشفافية حتى يتم إعطاؤها مزيداً أكبر من الإقرار النهائى لهذا التوجه، واثقاً من تقبل معالي وزير التجارة ومعاونيه لهذا الرأي بما عُرف عنهم من رحابة صدر وسعة أفق.
dralsaleh@yahoo.com

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved