| مقـالات
يعيش معظمنا في دائرة المخاوف التي لا تنتهي ولا نعلم كنهها، تارة نعيش الخوف من الفقر، وتارة هوس الخوف من الموت وتارة أخرى من المرض ومن فقدان من نحبهم ومن فقدناهم سلفاً ومن نريد أن نحتفظ بهم، ليبدأ يوم جديد لا ينتهي الا بمخاوف جديدة ومتصاعدة، ونعلق على هذا أزماتنا النفسية التي تتراكم علينا في يوم ما، مثل جبل قابع على رؤوسنا.
وهذه الصورة المأساوية السريالية تعد مدخلاً لنوبات الهلع غير المترجمة وان كانت غير معلنة فهي تعيش بداخلنا كالوحش يكبر فينا يوماً بعد يوم إلى أن يتمكن منا، فإما أكلنا وإما أصبحنا له وحوشا كاسرة معدومة الضمير، أما العنونة ليست بدءاً بالضمير، إنها فقدان الذوق السليم والأمن.. يعيش ذوينا ممن هم أكبر منا مسؤولية بغاية حمايتنا من الأخطار وتوفير بعض الراحة لنا، وتثار المخاوف هنا وهناك فهذا الإعلام اليومي أصبح بغيضاً لا يرحم القيم الأدبية والأخلاقية ويصور الحياة على أنها لعبة كبيرة بيد الساسة والجمهور ينقسم إلى أحزاب مشجعة كما يفعلون في كرة الرياضة، والحروب أنواع وهي لا تنتهي فهي إما حرب مرتقبة وإما حرب قائمة وإما حرب خلت وخلفت خسائر فادحة، وفي كل الحالات يشير الاقتصاد الى ضرورة الموازنة في الادخار والانفاق بدءاً بالدولة وانتهاء بالأفراد، ويذهب الكل إلى فقد الذوق السليم في تقدير قيمة الأشياء فالمستضعفون في الأرض يرون من واجبهم المشاركة في أي لعبة حربية، إلى أن يتحولوا إلى مرتزقة وربما إلى نابشي قبور، وهذه الملامح البشرية محبطة لجيل كان يحلم بأنه يحلم بحياة كريمة لقد أخذت الحرب صبغة جديدة في التعارف حيث بدت وكأنها أغنية كلاسيكية تطرب العامة ويقوم بترويجها الخاصة، فأصوات المعارضين والحان المغرضين والمناوئين احتلوا مراتب عبد الحليم وعبد الوهاب وأم كلثوم، فكل له مدرسة فنية خاصة بألحان مختلفة ليست مألوفة تفرض الفن الرخيص على الأمة، وتجد المستمعين أو المتلقين مشاركين فعالين ومشجعين من الدرجة الأولى، أما الكرة التي في وسط الملعب تمثل الشعوب! والفوز للأقوى وربما من حالفه الحظ ومن أجاد تسديد الكرة واللعب بمقدرات الشعوب.
الكرة هي مصائر الشعوب تتخبط يمنة ويسرة يقذف بها اللاعبون الساسة بقوة وعنف ومراوغة وتكتيك وربما يحرق المشجعون الملعب وتقوم بين الصفوف القتال، والحرائق وبعض الاصابات المهلكة لقد قامت في الجاهلية الأولى حربان استمرت كل منهما أربعين سنة إحداها داحس والغبراء والأخرى حرب البسوس والأخيرة بسبب ناقة! ونفس النمط الجاهلي القتالي يستمر بنفس الروح الجاهلية غير أن الفرق يأخذ شكلاً تكنولوجياً من الطائرات والأقمار الاصطناعية وغيرها من آلات الحرب ومن الواضح بأن العالم لم يتطور كثيراً في حل قضاياه على الرغم من الحلول الانسانية والحضارية المتقدمة أما التاريخ فقد أخذ عنه حنكة الحرب والدمار ولم يأخذ منه الحكمة والمغزى في مصير الأمم.
يخيل لي أحياناً بأن الأبحاث المستفيضة لخدمة سلاح نووي تتبناه الدول وتمجد علماءه، ينفق عليه نصف وارداتها، أهم بكثير من أن تتبنى نظريات أخلاقية تقوم على تبني المفكرين الانسانيين، وبعض الأشكال الخيرة للمنظمات الدفاعية عن الشتاء والصيف، هذا بشكل عمومي، أما الخصوصية والأكثر شمولية هي احساس البشرية الملحة بالمعنى والمغزى والأمر المخيف هو أن لا تجد تفسيراً شافياً لتسارع الأحداث والسباق الحربي والعنت والصلف العرقي، إن الدعوة هنا هي النظر في التاريخ وفي التسوية للصراعات، وإلى دور الآداب في تنمية وعي حضاري قوي يعطي المرء الشعور بالاستقلالية والأهمية والثقة في المبادئ الحضارية على أنها تشكل حلاً سلمياً، أما اللعبة الكبيرة وهي أن تزج الشعوب بسبب ومن غير سبب في مواصلة التشعب في اللاشيء، والتورط في كل شيء من غير وعي أو إدراك فإنها تعمل دون التطور. ومن المؤثرات السلبية كانت القنوات الفضائية المتعددة الجنسيات والأهداف فعندما بدأت بالبث اعتقدنا بالتنافس على تقديم البرامج الهادفة وربما المسلية ومع كثرة النشرات المطبوعة أكتشفها بأن الكل قد تحول من صنعته الأساسية واعتزلها، يتبع غبار الحرب حتى من كانوا يجيدون أعمالهم السلفية تحولوا إلى سياسيين أو الكتابة في السياسة، ولا أعلم ما هي القيمة الحقيقية وراء ادخال الحرب في كل شيء فنحن نتحدث عنها أكثر من أحلامنا وأثناء طعامنا ونومنا حتى هلكنا بهذه الفكرة الضيقة المعنى.
إن الخيال يتجه هكذا نحو العدوانية، والمخيلة تنحصر في عدد القتلى والمصابين، وأصبح الجميع جنرالات حرب حتى رعاة البقر فلا يوجد الهام ولا ابتكار حتى يروى بان التجار وجدوا في تمويل الحروب دخلاً خيالياً وارتدوا عن العمار واشتغلوا في الحرب للهدم ثم التدمير ثم البناء وهكذا دواليك. أما لقصة الاقتصاد والتي تشكل الوجه الثاني للحرب فأمرها محسوم والكثيرون يراهنون على الكسب والخسارة كما يفعل المتراهنون في مضمار سباق الخيل.. إن الإنسانية ليست جوفاء تعمل وفق برمجة شيطانية أو فئات سادية تحكمها منظمة أول دولة أو حركة، فالمجال الحربي يخلق انطباعاً في العالم بأنه عالم مسعور، صفته اراقة الدماء وتصفية الوجود البشري والبقاء للأقوى، حيث لا يبقى على الأرض سوى الجرذان، أعزكم الله. أما الجوهر الحقيقي لذلك هو استعادة الانسان نفسه من هذه الفئة ليبقى انساناً هانئاً قانعاً بعيشه مستقر البال، فموجات الحرب تلك مهلكة جداً تقتلع الأخضر واليابس.
فليكن منا من يعيد تاريخ الفكر ويعود القاص إلى رواية الحكمة والعاطفة والقدرة على استعراض الخير، وليعود الشاعر الى وصف أرضه ووطنه ومن أحبهم تعففاً وتكرماً ويحكي لنا عن مآثر وأخلاق الفروسية، إن هذا الشتات مرعب حقاً على المستوى البعيد القريب، فنحن ان فقدنا ما نملك من مخيلة نفقد فطرتنا السليمة ونبدأ بالمتاجرة والبيع لا البيعة حتى يأتي زمان لا نجد فيه الأرض، لنعد أدراجنا إلى أنه يوجد عالم مضيء في الضفة الأخرى من النهر ونراقب من بعيد وبشكل مخفف هذه الصراعات الحيوانية هنا وهناك. إن الأمر السياسي والصفقات التدميرية لصناعة الحرب والمواقف الرسمية وغير الرسمية مفروضة على الكل والمشاركة مطلوبة في حدود المعقول والمعرفة بمجريات الأمور مطلوبة، إنما الخوض الدائم بمناسبة وبغير مناسبة للجماهير تعطي الأمر أكثر تشعباً وتشوهاً وتصعيداً حيث يفقد الآمنون استقرارهم النفسي وتضيع مواهبهم في ظل ا لخراب والدمار حتى أن بعضاً من المحللين الرياضيين انقلبوا إلى السياسة وترى اليوم نفس الأسلوب الذي يستخدم في الملاعب الكروية يستخدم في ساحات القتال والأمر يحمل نفس الروح ونفس الأسلوب في التعليق والتكهنات، وهذا ما يخلق التطرف والتشوش لدى الأفراد، أي عندما نتعامل مع الحرب المدمرة تعاملنا مع كرة القدم، أما الشاهد هو ما تخلفه الحروب من ردة فعل وانتكاسة لدى المجتمعات، فبعد حرب الخليج الغبية من القيادة العراقية، أخذ الطرف الغربي زمام الأمور للسيطرة مقابل الحماية في بعض الأحيان فبقيت مجتمعاتنا العربية منشقة بعض الشيء وأخذ الناس فيما بينهم يتأثرون اجتماعياً واقتصادياً من جراء هذه المعركة التي ليس لها مكان عند اللغويين في الإعراب حيث إنها لا تشكل جملة مفيدة بين احتلال وحرب وهزيمة وإلى ما افتراه الطاغية من ظلم وعزله وتخلف وفقر على شعبه حتى ختمت مأساة العراق بمئات الآلاف من الأطفال القتلى والمرضى والنظام العراقي باق إلى ما شاء الله حتى يأتي الله بقائد يصلح ما أفسده سلفه لتبدأ صفحة جديدة مع الدول الشقيقة، وهنا أتساءل أليس لهذا المجون رادع أخلاقي ألم يتضرر الشرق الأوسط كاملاً من مغبة حماقة بعض السياسات الوحشية، ألم يكبر وينضج هؤلاء المتسلطين بوعي آدمي بعد.. لذا لابد من ضرورة التخفيف من الحدة الإعلامية والبرامج الاذاعية لما تستهدف من بث سموم التشاؤم، وذلك لهدف أسمى وهو الانتاج، ولدي مثالين على دولتين بعدتا عن الصراعات فانتجتا قوة مذهلة مثل اليابان بعد حربها مع أمريكا وروسيا أثناء الستار الحديدي، لقد أنتجتا تلك الدولتين أعظم الصناعات وحتى ألمانيا في العصر النازي تحولت إلى قوة عظمى ليس بفضل النازية وانما بفضل ترابط الشعب جنباً إلى جنب. حقاً بان روسيا انهارت بسبب فلسفة الاشتراكية والشيوعية ولكنهم كانوا يداً واحدة لخدمة الدولة، وألمانيا النازية انهارت بسبب معتوه اجوف قصير النظر قاد أمته وشعبه الى الهلاك، ولكنهم آمنوا به فعملوا يداً بيد، وكثير من الدول الناجحة اقتصادياً واجتماعياً قد عملوا في حقول كثيرة متبنين نظريات في شتى أنواع العلوم ويفاجئوننا بين الحين والحين باكتشافات واختراعات تفيد البشرية وتفيد الدولة المنتجة أكثر من غيرها لما تتمتع به من شرف الامتياز والسباق، فنجد تلك الدول منشغلة عن اثارة الحرب، ببناء العلم وخدمته.. انه حقاً ليس صراعاً بين الخير والشر أو بين المؤمنين والكفار، انه صراع بين الفكر والجهل.
|
|
|
|
|