| الثقافية
في وجود ثقافات الماضي والحاضر والمستقبل بهذه الصورة السلبية «عندنا» خطأ وفي العلاقات بينها خلل وفي أسباب وطريقة وشكل الانتماء الى كل منها تناقص وازدواجية وغرابة يصعب تبريرها.
هذا الخطأ والخلل والتناقض والازدواجية أشياء نسبية هنا، وتختلف من شخص الى آخر وبحسب ظروفه وقدراته وامكاناته وأهدافه، ولكن يمكن ملاحظتها «عندنا» بشكل يدعو الى الحيرة والدهشة والاستغراب فيما يبدو على ظواهرها وتجلياتها من انفصامات حادة بين الانسان والعصر الذي يعيش فيه من جهة وبين قناعاته الحقيقية الباطنة وانتمائه لأحد هذه الثقافات الثلاث من جهة أخرى، وفي الاقنعة الثقافية المتناقضة والتي يرتديها الانسان (عندنا) حسب المناسبة لتكتمل دائرة الحصار على هذا الانتماء الغريب والمزدوج المتناقض أحياناً. الماضي كان جديداً في وقته وربما كان مرفوضا من قبل ماضيه والحاضر المرفوض والمحارب والمستغرب سوف يصبح من الماضي وسيأتي الجديد في وقته ليصبح حاضراً وسيعيشه ويمارسه من يحاربه ويستطيع اللحاق به زمنياً، وهذا شيء معروف وليس جديداً على أحد، ولكن الذي يثير التساؤل مدى صلاحية الماضي للوجود في الحاضر أي ما هي مبررات وجوده في فضاء غير فضائه واحتلاله مساحات ليست له واستمراره القسري في زمن غير زمانه ومع انسان غير انسانه وبخاصة ان هذا الانسان لا يعرفه ولم يعايشه ولا يرغب فيه حتى ولو كان مفروضاً عليه. في مقالات سابقة قلت ان هذا الانتماء ليس له علاقة بالمرحلة العمرية التي تقسمنا الى شباب وكهول وشيوخ وليس له علاقة أيضا بما يسمى بالاجيال الثقافية او الابداعية أو الاجتماعية، وان كان التعالق ووهم الاختلاط وارداً، وعلى الرغم من وجود مختلف المراحل العمرية والاجيال داخل الثقافة الواحدة او التيار الواحد من تيارات هذه الثقافة، وشرحت وجهة نظري على الرغم من ايماني بأن لكل مرحلة زمنية أو ثقافية يعيشها الإنسان حاجاتها الروحية والجمالية المختلفة وذائقتها وليس هذا ولم يكن إقراراً مني بصحة وطبيعة هذا الانتماء الذي يقفز على قوانين التطور الاجتماعي والثقافي وحاجات الانسان البيولوجية والمعنوية ، المادية والمعنوية ويسبب خللاً واضحاً في الثقافة والابداع والعلاقات الانسانية الطبيعية وقوانين تحولها وتطورها الدائمة الصيرورة والنمو والتجدد والتغيير الى الأمام والى الافضل وليس الى الخلف او الى الأسوأ وهو ما يمكن ان يشار إليه بالتقدم او التخلف وهو ما يثير أكثر من سؤال حول اصرار بعض الناس على ان ينفق وقته وجهده وامكاناته سعيا في سبيل التخلف مكافحاً ومحارباً كل ما يمكن ان يسهم في تقدمه الحضاري والانساني.الشيوخ الذين يحاولون الانتماء الى ثقافة ومجتمع الحاضر او يحاولون استشراف المستقبل لا يشعرون ولا يعكس انتماؤهم ما يمكن ان يشعر به ويعكسه انتماء الشباب الى ثقافة الماضي من تناقض وصدام مع النفس وحاجاتها الطبيعية وازدواجية مريرة وأقنعة انفصامية وبشكل يدعو الى الأسى والشفقة والسخرية أحياناً وبخاصة ان التحديق في واقعهم وقراءة سلوكهم وأفكارهم وقناعاتهم الظاهرة والباطنة يقودنا الى ملاحظة بدهية ونتيجة أولية تدل على ان معظمهم ،إن لم يكن كل هؤلاء الشباب، لم ينتموا الى ثقافة الماضي باختيارهم ولم يكن هذا الانتماء عن قناعة ووعي وخبرة وتجربة وان اختلفت اسباب انتماء هؤلاء الشباب الى الماضي وتعددت ابتداءً من عدم النضج والاعجاب المبني على الانبهار والسذاجة والفراغ الروحي والاجتماعي ومروراً بعدم الرغبة في الخروج على ذائقة اجتماعية مفروضة وسائدة خوفا على مصالحهم ومستقبلهم في هذا المجتمع وسعيا توظيفيا لتحقيقها والوصول إليها بأسرع وأسهل الطرق وليس انتهاءً بكون هذا الانتماء مفروضا واجباريا بحيث يتم الخروج عليه عندما تحين أول فرصة وهذا يثبته معظمهم في ردود فعلهم المستقبلية القوية والمعاكسة تماماً لانتمائهم المعلن سابقا وفي عودتهم للبحث عن الانتماء الطبيعي لما يشبع ويتناسب مع حاجاتهم المادية والروحية الحقيقية وليست المزورة والمستعارة. أوضح مثال على ما ذكرته سابقاً أدباء من الشيوخ يمارسون الابداع كتابة واستمتاعاً على طريقة نزار وأدونيس وأدباء شباب يمارسون هذا الابداع على طريقة أبي العتاهية ولكن هؤلاء الشباب يعودون مستقبلا لتفوق على أولئك الشيوخ في الانتماء الى ثقافتي الحاضر والمستقبل.
|
|
|
|
|