| مقـالات
كثير من المفاهيم الجميلة والمعاني السامية التي نسمعها ونتعايش معها يوميا، كثير منها مع الأسف أسيء استخدامها وما زال يُشوَّه علانية وبصور وأشكال مؤلمة لا تتمناها لنفسك، فما بالك لغيرك؟
ومن يا ترى هؤلاء الغير؟ هل هم أناس عاديون؟ أبداً إنهم الاشياء والمعاني الكبيرة في حياتنا. هؤلاء الغير الذين طالما ضحينا من أجلهم، وهم الذين ما زلنا مستعدون للتضحية من أجلهم في كل شيء ولو على حساب أنفسنا.
خذ مثلا «الحب» كمفهوم، إنه لا يحتمل سوى إنكار الذات من أجل إسعاد الحبيب والاقتراب منه والوفاء له والابتعاد عما يكره وحب من يحبهم والتضحية من أجلهم والصبر على تعبهم، وغير ذلك من الأمور الجميلة، فهل فهمناه كما يجب؟ هل طبقناه كما ينبغي؟ هلا حاولنا ولو بشكل بسيط وعملي أن نزيل ما لصق به من تشويه من قبل أولئك الذين ما زالوا مع الأسف يتخذونه ستارا لتصرفاتهم غير اللائقة ونواياهم السيئة التي هي بعيدة كل البعد عن الحب ومعانيه الجميلة ومقاصده النبيلة؟
انظر الى تلك الكلمات الجميلة التي تحمل في طياتها مضامين وقيماً اجتماعية راقية، كيف شوَّهت كمفاهيم بسبب فهمنا القاصر لها وعدم قدرتنا على التعامل مع معطياتها الجمالية بشكل يتناسب ورقيها وسموها.
حتى كلمة او عبارة «إن شاء الله» أو «يصير خير» بدل من ان نغرسها في قلوب أطفالنا على سبيل المثال ونحببهم فيها ونشجعهم على استخدامها، بدأنا نشوه معالمها ومضامينها الجميلة دون ان نقصد!
فنحن نقولها لهؤلاء الأطفال من قبيل إرضائهم أو التخلص من إلحاحهم أو من أجل تغيير مسار موضوع ما كي نريح أنفسنا.
أما هذا الطفل فقد بدأ ومن دون أدنى تحفظ أو مبالغة، بدأ يكره هذه الكلمات وينظر إليها على أنها من قبيل الاستحالة أو التصريف بدليل أنه حينما يطلب من والديه شيئا ما ويسمع تلك الكلمات الحلوة «إن شاء الله» «يصير خير» فإنه يتذمر منها او يطالب والديه بأن تكون اجابتهما معه محددة إما بنعم أو بلا لأنه لم يعد لها مصداقية لديه وأنت وأنا وغيرنا السبب في ذلك لأننا ببساطة لا نصدق معه حينما نقول له «إن شاء الله» ولا نلبي له طلبه حينما نقول له «يصير خير يا بابا» مما يفهم منها أننا نريد منه السكوت وعدم الاستمرار في الطلب.
هذا فقط على مستوى الأطفال اما على مستوى الكبار البالغين فحدِّث ولا حرج لأن التشويه مرتبط بالزيف والخداع ومرتبط بالاستخفاف على عقول الآخرين حتى لو كانوا أصدقاء مقربين!
وما أقسى على قلبك حينما تفتح عينيك فجأة لتكتشف خيانة هذا الصديق أو الطرف الآخر بل ما أقسى على قلبك حينما تكتشف ذلك بنفسك بشكل لا يقبل الشك ثم تصمت وتتظاهر بعدم المعرفة لأنك تحبه بل حتى لو فاتحته بذلك وبشكل غير مباشر فإنه يأسرك بحلو كلامه وبنظرة الانكسار في عينيه ومن شدة حبك له وتأثرك بكلامه تجد نفسك تأخذه بين أحضانك وتعتذر له عن سوء الفهم وكأنك انت المخطىء في حقه!
بل حتى حينما تواجهه بتصرفه غير اللائق معك ثم تسمع منه تذمره من الحياة وقسوتها عليه وظلمها له لا تشعر الا وأنت تسامحه وتصدِّقه وتقف معه وبجانبه بكل وفاء الصديق وحرص الحبيب!
وحتى حينما يتكرر خداعه لك واستخفافه بك وتواجهه بنوع من الشدة والصرامة على خداعه وخيانته لك تفاجأ به يقول لك «تعوَّذ من الشيطان» حينها تُجن! تمرض! اتنهار! لا تستطيع التحمل! لا تعرف كيف تتصرف! تسأل نفسك هل أنا فعلا على خطأ؟ هل أنا أبالغ؟ هل أنا أصوِّر الأمور على غير ما يجب؟ هل أنا أعطيها اكثر مما يجب أو أكثر من حقها؟
إنني أرى بعيني وأسمع بأذني، فأين هو الخطأ؟ إنني ألاحظ بنفسي بُعدك وانقطاع مكالماتك عني وعدم زيارتك لي أو السؤال عني كما تعودت.
وهنا تتساءل : هل أنا من يمارس معي هذه التصرفات الغريبة فقط أم أن هناك مخدوعين آخرين به؟!
ولكي يغيظك اكثر ويشعرك انه ما زال باقياً عليك يقول لك وبكل تبجح: «إنني أحبك وأعزك ولا استطيع الاستغناء عنك، إلخ».
أرأيتم كم شوَّهت كلمات الحب والمعزة والقيم السامية وكم استغلت لأغراض شخصية دنيئة؟
أرأيتم كيف تحول الحب الى أضحوكة يمارسها العابثون لأصحاب القلوب البريئة الصادقة؟
فيا لأولئك البشر تعمل من أجلهم لتكتشف أنهم يعملون لصالح أنفسهم فقط. تصادقهم وتصارحهم بحكم محبتك لهم فتكتشف أنهم يمارسون معك «الحب» ليصلوا الى مآربهم الشخصية لأنك بالنسبة لهم مجرد جسر أو نقطة عبور يصلون من خلالك لغاياتهم الأنانية.
ويا لأولئك البشر تحتاج إليهم فيعتذرون لك بعدم قدرتهم على الحديث معك مثلا بحجة أنهم متعبون غير قادرين على الحركة لتكتشف فيما بعد أنهم مع آخرين في نفس الوقت، أي أنهم يكذبون عليك مما يجعلك طريح الفراش بأمراض جسدية ونفسية من شدة حبك لهم وإخلاصك الشديد وصدمتك الكبيرة فيهم في نفس الوقت.
وحينها لا يشغلك سوى سؤال واحد: ترى كيف استطاع هذا الانسان المزيف خداعي طوال هذه السنوات الماضية؟ كيف صدقته ودافعت عنه وتحمست له؟ لماذا لم أسمع ما قاله أصدقاؤه والمقربون منه والمحتكون به بأنه أناني، انتهازي، وصولي، لا يهمُّه سوى نفسه ولا يفكر سوى بنفسه؟
ألهذه الدرجة حينما نحب بصدق تعمى أعيننا عن رؤية الحقائق رغم أنها واضحة أمامنا ومتكررة وترفض عقولنا تقبّل الحقائق رغم أنها دامغة وترفض قلوبنا التصديق رغم أنها تألمت باستمرار وترفض مشاعرنا الاعتراف بالمرارة رغم أنها جرحت في صميمها وكرامتها في مواقف كثيرة.
ولكن يبدو أنهم قد صدقوا حينما قالوا إن «الحب أعمى» لا نرى منه إلا ما نريد.
فيا لذلك الحب ويا لتلك الأشياء الجميلة والمشاعر الرائعة كيف ننسب إليها ما ليس فيها؟ ما لا تحتمله؟ كيف ندّعيها ونحن لا نملكها ولا نستحقها؟
إنها ليست مشاعرك أنت فحسب كي تتضايق منها، وليس لأننا لم نتطرق لها أو تأخرنا في تناولها فلأننا لم نهتم بها او أن هناك من هو أهم منها أبداً كل ما في الأمر ان الانسان يحتاج لوقت كافٍ وأجواء معينة كي يستشعر المشكلة ويحسها بنفسه كي يستطيع أن يتحدث عنها عن قناعة شخصية راسخة وليس لمجرد إرضاء للآخرين أو مجاملتهم أو ملء فراغ معين في صفحة من الصفحات.
إنها مسؤولية ينبغي أن يحس بها ليس الكاتب فحسب، بل المتلقي أيضا ولكنه لا يحس بها إلا حينما تكون صادقة ونابعة من القلب وهذا ما نحاول الوصول إليه وعمله.
همسة:
صدقني..
لن أدخل قلبك..
لأعرف ما فيه..
أو لأحاسبك عليه..
ولن أستطيع..
مهما حاولت وحاولت!
فتلك نوايا اللهُ أعلم بها..
***
ومها قلت لي..
مهما برَّرت لي..
ما تفعله معي..
كي ترضيني..
فليس لي سوى ان أصدِّقك..
بحكم حبي لك..
وتعلُّقي بك..
وان كان إحساسي..
يقول لي شيئا آخر..
***
من حقك أن تفعل ما تشاء..
مع من تشاء..
ولكن ما أطلبه منك..
ما أرجوه منك..
هو أن تكون صريحا معي..
واضحا كوضوحي معك..
مخلصا كإخلاصي لك..
***
لا أريدك..
أن تزيد مساحة الشك بداخلي..
لا أريدك..
أن تحطم صورتك الجميلة لديّ..
لا أريد أن أشعر بالذنب..
لأنني عرفتك..
لأنني أحببتك..
* * *
بل أريد شيئا جميلا..
يبقى معي..
أعود إليه..
أتذكرك به..
حينما أحنُّ الى الأيام الحلوة..
حينما أحتاج للشعور بالأمن..
***
فإلى متى تستغفلني..
إلى متى تشعرني..
بأنني لا أعرف شيئا..
إلى متى تفترض..
إنني سأصدقك في كل وقت؟
سأسامحك في كل شيء؟
سأعود إليك رغم كل شيء؟
ألأنني أحبك بصدق..
تجرح مشاعري..
تكذب عليَّ؟
تراوغ معي؟
تخدعني؟
وإلى متى؟
drfahd0@yahoo.com
ص.ب 75395
|
|
|
|
|