| مقـالات
دائما نعتقد أن الطفل لا يفهم ما لا نريده أن يفهمه وان تواصله مع الأحداث التي نريد اخفاءها عنه ينقطع اذا افترضنا ذلك داخليا في قرارة أنفسنا ولكن يبدو أن الأمر عكسي تماماً فنحن الذين لا نفهم الطفل ولا ندرك كيفية توصيل المعلومة صحيحة الى ذهنه وإنما نجعله ونرغمه على فهم المعلومة خاطئة وذلك بدون ان نقصد.
فقد تلقيت منذ ما يقارب الاسبوع رسالة عبر البريد الالكتروني وهذه الرسالة تحمل مشكلة طفل يتيم يبلغ الرابعة من عمره وهو يعيش في كنف عمه بعد وفاة والده وهو وحيد ليس له اخوة ولا أخوات أما عمه فهو الذي ارسل يستفسر عن كيفية مصارحة هذا الطفل بوضعه!! ما خطوات ذلك لكي لا يتعرض لأي صدمة نفسية!!؟ وفي هذه الحالة لا أملك سوى رد واحد وهو الابتعاد عن فتح هذا الموضوع اطلاقاً لهذا الطفل بمعنى ان كثيراً من الأطفال ربما يمرون بحالات فقدان لوالديهم وتختلف الظروف من وفاة لطلاق أو سفر طويل أو ما شابه ذلك إلا ان الخوض مع الطفل في تفسير مواضيع كهذه هي بذرة الأزمة خاصة موضوع الوفاة، لأن الفقدان فيه كلي اي لا احتمال للعودة فيه لذلك الشخص المتوفى».
ان الطفل منذ ولادته لا يدرك علاقته بالأم أو الاب الا لكونهما مصدراً رئيسياً لاشباع احتياجاته الرئيسية مثل الطعام والشراب والنوم، والعاطفة لا تتكون في مرحلة مبكرة اطلاقاً إلا بسبب هذا الاشباع بدليل ان الطفل قد يتعلق بالخادمة اكثر من الأم لأنها تشبعه وتلبي رغباته «بيولوجيا» وهكذا إلى ان يصبح عمره اربع او خمس أو ست سنوات وكلما تقدم الطفل في تلك السنوات الثلاث الماضية ابتداء يدرك مفهوم الأسرة والأقارب ولن يتذبذب إطلاقا اذا كان العم او المربي مشبعاً لديه دور والده في الاحتياجات الجسمية والنفسية ولكن الأزمة تكون وعرة عند فقدان هذا الاشباع.. هنا يلح الطفل على البحث عن مفهوم الأب والأم مبكراً خاصة اثناء دخله المدرسة وتكرر تلك الألفاظ الوالدية على مسمعه بل تكرر سماعه لقصص فيها من الحنان والحب ما يبحث عنه وهو عند اصدقائه وليس عنده.. هنا علينا ان نستشعر ذلك وان نشرح للطفل معنى الفقدان الذي قد لا يستوعب كافة جوانبه ولكن ألا يكون ذلك قبل سن السابعة حيث انه هنا يبدأ الى حد ما بإدراك فكرة «الموت» أو على الأقل «الوضع الغيابي» بل ويستوعب الى حد أيضا معنى «الافتقاد» صحيح ان الأمر ليس سهلاً ولكننا يجب ان لا نصعبه على الطفل بل نحادثه فيه مع تعزيز ثقته بنفسه وثقته بالأقارب من حوله واحتوائه من قبل المربية في المؤسسة، ودار رعاية الاطفال الايتام ان كان منتمياً لتلك الدار أو المؤسسة، لان هذا الاحتواء العاطفي ربما يزيل وقع الشعور بالصدمة ويخفف تلك «المصيبة» التي لابد ان نعطيها حقها من الرعاية والحنان فهل فعلاً وواقعاً يراعي المحيطون بالطفل اليتيم مشاعره واحتياجاته النفسية.. اعتقد ان الامر يحتاج اكثر من ان يمر مرور الكرام.
'أستاذ علم النفس جامعة الملك سعود
|
|
|
|
|