| محليــات
* حائل عبدالعزيز العيادة:
في صورة عكست تلاحم وترابط المجتمع السعودي الواحد، سابق الشيخ محمد بن ابراهيم البراهيم عقارب الزمن وتمكن من عتق رقبة شاب كان في طريقه للقصاص لعدم تمكن ذويه من استكمال قيمة «الدية» المقررة وهي ثلاثة ملايين ريال سعودي.
وحسم «الانسان» محمد البراهيم الوضع برمته، وفك رموزاً معقدة لقضية شاب قتل آخر منذ عامين اثر خلاف بسيط نشب بينهما، وأوفى بوعد قطعه على نفسه عندما حادث جدّيْه هاتفيا، وأكد لهما ان تلك الدموع التي ذرفاها على سماعة الهاتف خوفا وهلعاً من ان يفقدوا ابنهما.. ليست بتلك البساطة عنده، وسارع لمخاطبة البنك الذي يتعامل معه ووجه بسرعة صرف مبلغ مليون ريال وثمانمائة مائة ألف على الفور لاستكمال ما تبقى من قيمة «الدية».
وأمر مندوبه الخاص بسرعة المغادرة من الرياض الى منطقة حائل وتسليم المبلغ لرئيس محاكم حائل لينهي القضية بأسرع وقت.
الأحداث تتوالى
ويقول الشيخ محمد بن ابراهيم البراهيم في اتصال هاتفي أجرته «الجزيرة» عقب انتهاء الوضع، ان الاقدار قد لعبت دورا هاما في هذه القضية ووفقني المولى عزوجل لاتمامها قلنا للشيخ محمد.. كيف؟
قال: أولا اعتبر ان ما قدمته من تبرع هو واجب ووطنية تربينا عليها وعلمنا إياها هذا الوطن الكبير من خلال مدرسة خادم الحرمين الشريفين الانسانية التي هي قدوتنا، ولا أخفي عليك ان نجاحي في اكمال مبالغ التبرع وهي مليون و800 ألف، انجاز ونجاح حقيقي لي شخصيا وليس مجرد تبرع يتم الاعلان عنه في وسائل الاعلام أو المجالس.
مكالمة آخر الليل
ويضيف الشيخ البراهيم راوياً التفاصيل.. عندما علمت بالقضية وتفاصيلها، شعرت انه من واجبي كمواطن وكإنسان ان أساهم بأي شيء لحل هذه المشكلة.
تحركت سريعا.. وبدأت أولى العقبات.. كيف أحصل على هاتف مباشر لأحادث أهل القاتل، بحثت طويلا عنهم دون جدوى.
هاتفت 905 للبحث عن اسم أو قريب أو أحد لأسرة السليماني دون جدوى! وانقضى اليوم الأول ولم أيأس. أو ينتابني شعور بالكسل أو التراخي.
لا أخفيك سراً كان هناك شيئ ما يحركني ويدفعني لأن أساعد هذه الأسرة التي لا أعرف أو أملك أي معلومات عنها.
في اليوم الثاني كررت الاتصال ب905 لافاجأ به يعطيني رقماً لجوال، وكان لأحد أقارب الأسرة «خال القتيل» والذي زودني بتفاصيل عن القضية.
* وماذا حدث فيما بعد؟
يمضي الشيخ محمد قائلا: قلت له انني سأقدم تبرعا ب200 ألف، وسألته هل هذا يكفي؟!
فقال لي: جزاك الله خيراً على ما تقدمه وشرح لي حجم التبرعات التي وصلت من أصحاب السمو الملكي الأمراء وأهل الخير،، عندها طلبت منه ان اتحدث شخصيا مع جد القاتل، إلا أنه اخبرني انهم يقيمون في قرية تبعد 40كيلو عن حائل تقريبا وليس لديهم هاتف، فوجهته بأن يرسل لهم «الجوال» لأنني سوف أحادثهم للأهمية.
وبالفعل تحدثت مع الجد وفهمت منه ان النواقص تتجاوز المليون وثمانمائة ألف، وروى لي «الجد» تفاصيل قضية القتل التي تمت خلال شهر رمضان وحينما كان القاتل والقتيل وهما شابان صغيران يقدمان الشاي لجموع المصلين في صلاة التهجد داخل المسجد.
ودب بينهما خلاف بسيط، ورغم محاولات الأسرتين الصلح بين صغيريهما إلا ان الشيطان كان أسرع حينما دفع احدهما الآخر ليسقط على جزء حديدي ويلقى مصرعه دون قصد من الآخر.
ويضيف الشيخ البراهيم قائلا: شعرت برغبة جامحة وقوية في ان أسدل الستار على هذه المأساة، وتحركت عواطفي بصورة لا مثيل لها حينما سمعت عبرات «الجدة» على الهاتف وحينما هوت السماعة من يدها حرقة وألما على ما سيؤول اليه فلذة كبدها، وهنا قررت حسم الموضوع والحمد لله تمكنت من ذلك بتوفيق الله.
وكيف كانت ردود فعل أبناء تلك الأسرة والقرية؟
لا يمكن لي أن أصف لك شعورهم جميعا، نحن جميعا، أسرة واحدة في هذا الوطن الكبير. الجميع وقف وقفة أسرة وكيان واحد. انظروا ماذا قدم سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز وماذا قدم سمو الأمير عبدالعزيز بن فهد، وسمو أمير منطقة حائل الذي تابع ودعم وقدم كل التسهيلات وغيرهم كثيرون من أبناء وطني الحبيب.
اعتقد ان الموضوع لا يقتصر على دعم بسيط قدمه شخصي المتواضع.. القضية برمتها عكست أصالة وتسامح ورجولة هذا المجتمع الشهم صغاراً وكباراً.
وكانت «الجزيرة»، قد انفردت قبل عامين بنشر خبر عفو عم القتيل منوخ الشمري عن القاتل يوسف المسلماني بعد ان قام عدد من اعيان منطقة حائل بزيارة لمنوخ الشمري منهم ممدوح بن رمال ومطلق العبيكة وعبدالله السعيد وصالح الغالب وفهد الفايز ومشعان المناحي واللواء سعود المشعان وعبدالمحسن الخرينق بالاضافة إلى آخرين وكذلك القحطاني وصالح الخرينق ومسلم المسلماني حيث قابلهم عم القتيل مقابلة كريمة واستضافهم وسمع منهم وحث ولمس حاجة اخوان القتيل حيث انهم يتامى بلا أب أوأم واحوالهم المادية والاسرية سيئة فقد اوضح ان العفومشروط بدفع مبلغ ثلاثة ملايين ريال لهم.
فوافق الجميع وسط مباركة لهذا الفعل الحميد مبدين شكرهم إلا ان القضية ابتدأت من جديد واخذت منحى صعباً يحتاج إلى جمع مبالغ كبيرة خصوصاً وان والد السجين في السجن معه واحوال اسرته المادية صعبة جداً فيما اجتمع اقارب القاتل في منزل الخرينق لتدارس كيفية جمع الاموال وبدأوا بأنفسهم حيث جمعوا مبالغ كل حسب استطاعته ثم انطلقوا باتجاه أهالي مدينة حائل فتبرع الحوطي بمبلغ ثمانين ألف ريال وعبدالرحمن السديري صاحب شقق الديوان المفروشة بمبلغ عشرين الف ريال وفهد الفايز بعشرة الاف ريال وتوالت التبرعات بعد ان تم وضع رقم حساب باسم جد المعفى عنه في بنك الرياض وحيث ان التبرعات على تتابعها لم تصل للمبلغ المطلوب فقد كان اقارب المعفى عنه يبحثون في كل اتجاه لزيادة المبالغ وهنا قدم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام تبرعاً بمبلغ ثلاثمائة ألف ريال حسب المبلغ المحدد في بداية الأمر كما تبرع صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز وزير الدولة ورئيس ديوان مجلس الوزراء بمبلغ 300 ألف ريال إلى جانب تبرع الدكتور ناصر الرشيد بمبلغ 300 ألف ريال حيث وصلت التبرعات إلى مبلغ تجاوز مليوناً ومائتي ألف ريال مع دخول مبالغ بسيطة على أيام متفرقة وقام اقارب المعفى عنه بمخاطبة الشيخ آل إبراهيم حينئذ من اجل التبرع بما يجود به للمساهمة في اعتاق رقبة السجين يوسف المسلماني فكان ان وافق على دفع المبلغ المتبقي في بادئ الأمر وسط فرحة أهالي وأقارب المسلماني خصوصاً ان هذا التبرع سوف يحرك توقف التبرعات عند حد مليون ومائتي ألف ريال حيث استغرق التوقف وقتاً طويلاً تحسب الاسرة له على انه أعوام طويلة اشتياقاً لخروج ابنها الذي كان مسجونا بدار الملاحظة ثم انتقل إلى السجن العام بعد ان امضى في دار الملاحظة أعواماً.
ثم قام الشيخ محمد آل إبراهيم بجمع المعلومات اللازمة واستفسر عن كافة أحوال الاسرة والقضية وكانت المفاجأة الكبرى باتصال هاتفي اجراه الشيخ آل إبراهيم مع عبدالمحسن الخرينق يعلن عن استعداده لدفع كامل المبلغ المتبقي تقديراً لأحوال الأسرة وابتغاء لوجه الله ورضاه واعتاق رقبة يوسف الذي ينتظر خروجه جده وجدته.
وقد اصر الشيخ آل إبراهيم على مهاتفة جد وجدة المعفى عنه يوسف مؤكداً انه لا يريد ان يعيشا في قلق أو أن يكونا غير مصدقين لهذا الأمر، فجاءت المكالمة لهما مفعمةبالمشاعر الصادقة من الطرفين ابدى فيها الشيخ محمد بن إبراهيم استعداده الكامل باخراج ابنهما باسرع وقت وكان دعاء الجدة مؤثراً للشيخ ولوالدته بطول العمروبالاجر العظيم من الله العزيز الكريم.
من جانبه ابدى الشيخ آل إبرهيم حرصه على ارسال مندوب خاص لمنطقة حائل لمتابعة سرعة اخراج السجين واكمال المبلغ والاطلاع عن قرب على أحوال اسرة السجين حيث امر فيما بعد بمبلغ مائة ألف ريال لمساعدة السجين بعد خروجه من السجن ومساعدة أهله.
وقد التقت «الجزيرة»، مع اقارب المعفى عنه حيث عبر عمه «عادل فهد المسلماني» عن بالغ سروره بهذا اليوم وقدم شكره لكل من ساهم من رجال الخير وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد باعتاق رقبة يوسف واصفا ذلك بانه عمل انساني كبير يدل على تقارب القيادة والشعب وتكافل المجتمع السعودي المسلم فيما ذكر والد المعفى عنه ان ابنه اليوم قد ولد من جديد كما وجه شكره للشيخ آل إبراهيم وكل من ساهم في اعتاق رقبة ابنه من اصحاب السمو الملكي وكذلك الذين قاموا بزيارة منوخ الشمري كما شكر كل من قام بهذا العمل الكريم والذي لا يقوم به إلا الرجال الافاضل واضاف انني لا ادري بماذا اجازي الشيخ آل إبراهيم حقيقة فما شملنا به من عطف كان يفوق الخيال حيث ان الشيخ آل إبرهيم لم ينقطع اتصاله بنا منذ ان علم بقصتنا وتابعها أولا بأول بشكل لا يوصف حيث لم يكتف بدفع المبلغ بل انه حرص على اتمام معروفه جزاه الله خيراً كما اشكر مندوب الشيخ آل إبراهيم رمضان العنزي فقد كان نعم الممثل للشيخ آل إبراهيم بعمله الدؤوب الخير ومساعيه الحميدة في اتجاه تنفيذ ما أوكل إليه على أكمل وجه.
كما انطلقت الكلمات فيما بعد بشكل غيرعادي من صالح عبدالمحسن الخرينق حيث قال لم يكتف الشيخ آل إبراهيم بدفع المتبقي ولا بمساعدة السجين وأهله بل تجاوز إلى تقصي أحوال ثلاث اسر أخرى وقام بدفع مبالغ مجزية تجاوزت مائة وخمسين ألف ريال.
المحرر: نعم كان هذا العمل الإنساني الخير دليلاً جديداً على ترابط الشعب السعودي قيادة وشعباً كما كان تأكيداً لمدى كرم وانسانية الوافي الشيخ محمد بن إبراهيم واننا اذ نحتفي بهذا الموقف تشارك «الجزيرة»، في فرحة هذه الاسرة باعتاق ابنها لنشير إلى ان العمل الخيري سمة من سمات الشعب السعودي النبيل وندعو إلى مضاعفة هذه الأعمال باقتفاء اثر الخيرين الباذلين في اوجه الخير لمساعدة المحتاجين ابتغاء لوجه الله.
***************
لقطات
* سمو أمير منطقة حائل وسمو نائبه بذلا جهداً انسانياً رائعاً في متابعة هذه القضية وقدما التسهيلات حتى انتهائها.
* الأمير عبدالعزيز بن فهد أضاف بوقفته مع تلك الأسرة سلسلة أخرى من أعماله الانسانية المتميزة نحو أبناء وطنه.
* يقول الشيخ محمد البراهيم: انه تناول هاتفه الجوال بعد حديثه مع جد وجدة القاتل، للبحث عن هاتف للبنك من خلال مكتبه، إلا انه فوجئ بأن رقم جوال مدير البنك في ذاكرة الجوال أمامي.
* تركت هذه القضية الانسانية بعد انتهائها ردود فعل واسعة في منطقة حائل وجسدت بوقائعها نبل وأخلاقيات مجتمعنا السعودي.
|
|
|
|
|