| متابعة
* موسكو د ب أ:
حظيت تنازلات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للولايات المتحدة في نطاق التحالف المناهض للإرهاب بالاشادة والثناء في الخارج، ولكن هذه الإيماءات وغيرها من تصرفات بوتين قد أثارت القلق لدى الكثيرين داخل روسيا.
وتعد عمليات توفير الممرات الجوية ونشر القوات الأمريكية في آسيا الوسطى وإغلاق منشآت التجسس الروسية في أنحاء العالم بمثابة تنازلات كبرى بالنسبة لبعض السياسيين والجنرالات والوطنيين الآخرين من أتباع المدرسة القديمة، الذين يراقبون الوضع في هلع فيما يقودهم المسلك الموالي للغرب من جانب الرئيس الروسي إلى أحضان العدو اللدود السابق.
ولم يصدر الإعلان في الأسبوع الماضي عن إغلاق المركز الروسي للمراقبة الإلكترونية في لوردز بكوبا في كانون ثان يناير القادم، إلا بعد مناقشات مع رؤساء أجهزة الدفاع الوطني قيل انها اتسمت بالمرارة ووسط غضب واسع في الدوائر السياسية.
ويقول عضو البرلمان الشيوعي فيكتور اليوخين: «إن بوتين يقصر مصالح روسيا على موسكو وضواحيها»، محذراً من أن البلاد تواجه «خطر الاختفاء من المسرح الدولي تماماً».
ومع تمسك بوتين بمساندته القوية للعمل العسكري الامريكي ضد أفغانستان، هناك أصوات معارضة تتردد أصداؤها في موسكو.
وقال الجنرال محمود جاريف، رئيس أكاديمية العلوم العسكرية في اجتماع جرى مؤخراً مع الصحفيين الغربيين: «إن قتل المدنيين أمر غير مقبول».
كما قال جنرال الجيش السابق الكسندر فلاديميروف إنه وكثير من زملائه يرون أيضاً قدراً ضئيلاً من التوجيه في الحملة ضد حركة طالبان الحاكمة في أفغانستان. وقال «إنه من غير الممكن حتى الآن تمييز هدف استراتيجي سواء على أساس سياسي أو عسكري».
كما أن قرارات بوتين الأخيرة أثارت بعض التشويش لدى المقربين منه. فقد قام وزير الدفاع سيرجي ايفانوف بحكم العادة باستبعاد أي استخدام عسكري أمريكي للجمهوريات السوفيتية السابقة في آسيا الوسطى في الهجمات ضد أفغانستان.
ولكن من الواضح أن بوتين اختار عدم ممارسة نفوذ موسكو بصورة سلبية في المنطقة حيث سمح للجمهوريات بالقيام سراً بمساعدة الولايات المتحدة في إعداد عملياتها.
والسؤال الذي يتردد كثيراً في موسكو هذه الايام هو: «ما الذي تحصل عليه روسيا في مقابل هذا التساهل الكبير من جانبها؟». ومن الواضح أن بوتين يثق في حصوله على مقابل متبادل من واشنطن.
ويبدو أن المقامرة أسفرت عن أولى ثمارها، ففي المباحثات التي جرت في شنغهاي، أعلن الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش عن المزيد من مبادرات نزع الأسلحة النووية في واشنطن وهو أمر مفيد بالنسبة لروسيا التي يتعين عليها على أية حال القيام بخفض ترساناتها النووية بدرجة كبيرة لأسباب مالية.
وفي موسكو، تعهد وزير التجارة الامريكي دون ايفانز أيضا بتقديم الدعم الاقتصادي لروسيا، بما في ذلك المساندة القوية لطلب روسيا بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.
كما أن الثمار الأخرى بدأت تظهر تدريجياً، إذ ان الموقف الأكثر تسامحاً في الغرب إزاء حرب روسيا ضد المقاتلين في جمهورية الشيشان يعد في حد ذاته انتصاراً لبوتين الذي حذر مراراً من خطر التطرف قبل هجمات الحادي عشر من أيلول سبتمبر الماضي التي تعرضت لها الولايات المتحدة.
والنغمة السائدة التي يرددها بوتين هي أنه: «يتعين محاربة الإرهابيين في كل مكان، سواء في أفغانستان أو في الشيشان أو في البلقان».
ويشير مراقبون إلى الأخطار الكامنة، خاصة بالنظر إلى عدد المسلمين في روسيا الذي يبلغ 20 مليون مسلم ومجموعة الدول غير المستقرة التي تقطنها أغلبية مسلمة والممتدة على الطرف الجنوبي لروسيا.
ويحذر جنرال المخابرات الروسية السابق وخبير الشؤون الاسلامية ليونيد شيبارشين من إثارة نزاع مع العالم الاسلامي. ويقول: «لا يسعني فقط إلا الأمل في أن تكون قيادتنا من الذكاء بحيث لا تعزل الإسلام وأتباعه عن باقي المجتمع».
ومن المحتمل أيضا أن تظهر اختبارات أخرى لسياسة بوتين إذا ما اتسع نطاق العمليات العسكرية الامريكية ليشمل دولاً إسلامية أخرى تعد الآن من الزبائن الرئيسيين لصناعة الأسلحة المزدهرة في روسيا. وتقول صحيفة كوميرسانت الصادرة في موسكو: «إذا ما قامت الولايات المتحدة الآن أيضا بمهاجمة أهداف في العراق أو سوريا أو ليبيا أو إيران، فإن روسيا ستجد نفسها في وضع غير مريح»، وحينئذ يتعين على موسكو أن تقرر ما إذا كانت ستبقى على «علاقاتها الخاصة» مع تلك الدول أو أن تنسحب من مساندة الولايات المتحدة.
|
|
|
|
|