| القرية الالكترونية
في كثير من الأحيان، تكون الظروف التي تخرج فيها أفكار جديدة ومُبدِعة غريبة بعض الشيء لا من حيث المكان أو الزمن. بل إن غرابة أو اختلاف الماهيّة التي تُولد فيها هذه الأفكار هي العامل الأساس في تفرّدها وتميزّها. ومع ذلك فإنه يُمكن لهذه الأفكار أن تظل حبيسة الأدراج ولا ترى النور أبداً ما لم تتلاقح مع أفكار أخرى لتتوفّر لها الأرضية المُثلى لأن يكون لهذه الأفكار تطبيقاتها العملية التي تخدم الجنس البشري، من تلك الأفكار ما التمتعت في ذهن «مارفن ثيمر» في أعقاب زلزال مُدمّر ضرب منطقة «لوما بيريقا» الواقعة في (Silicon Valley) عام 1989، إذ ان الهدوءالذي حلّ بالمكان والصمت المُطبق في جميع الأنحاء والذي طال حتى أجهزة الحاسوب التي أصابها العطل والدمار قد بعثا داخله الحافز في تطوير تقنية يُمكن معها تلافي العدد المحدود، أو بصورة أدق، المساحة المحدودة لتخزين الملفات الحاسوبية، خصوصاً على مستوى الأفراد. وبالفعل فقد جاء «مارفن» بتقنية «Farsite» التي تبنتها مؤخراً شركة مايكرسوفت.
وتقوم التقنية على فكرة مبسطة تتمثل في توسيع دائرة الأجهزة الحاسوبية التي يتم عليها تخزين الملفات الشخصية، إذ بدلاً من تخزينها على جهاز واحد أو عدة أجهزة مرتبطة بشبكة معينة، يجب أن يتم تخزين هذه الملفات على عدة أجهزة حاسوبية مرتبطة عبر أكثر من شبكة واحدة. وبالتالي فإنه لو أصاب الخراب أو العطل 99 جهازاً نتيجة كارثة ما، فإن الجهاز رقم 100 تبدو إحتمالات إصابته بالعطل ضئيلة جداً كون هذا الجهاز لم تطله الكارثة بسبب المساحة الجغرافية التي تفصله وتُباعده عن الأجهزة الآخرى.
ولم يكن «مارفن» ليتوقف عند حدّ طرح الفكرة بل إنه انضم إلى مجموعة من الباحثين الذين يقودهم «بل بولوسكي» في شركة «مايكروسوفت» لتطوير هذا النظام الذي يهدف إلى تقديم خدمات التعامل مع الملفات لدرجة كبيرة من الاعتمادية وضمان سلامة الملفات وعدم اختراقها من قبل الآخرين وأخيراً توفير الإمكانية للعمل من دون أية حاجة لخادم مركزي.
وما دعّم الفكرة برمّتها هو ما وجده الباحثون الذين قاموا بإجراء دراسة دقيقة على أجهزة الحاسوب داخل شركة مايكروسوفت حيث وجدوا أن الأقراص الصلبة في معظم الأجهزة لم تكن مليئة أبداً بأية ملفات بل انها جميعاً كانت تحتوي على مساحة تخزين خالية تتعدى نسبة 50%، إضافة إلى أن الدراسة وجدت أن نسبة المساحة الخالية على أقراص أجهزة الحاسوب تزداد سنوياً مع ازدياد حجم الأقراص الصلبة بشكل دوري.
ولم تكن مسألة الاحتياط الأمني ورفع درجته وكفاءته لتغيب عن أذهان الباحثين وهم يدركون جيداً أن مسألة توزيع الملفات الشخصية على عدد كبير من الأجهزة الحاسوبية والنهايات الطرفية ترفع درجة خطورة التعرض لأعمال تخريب أو قرصنة، فلجأوا إلى خيار «التشفير»، إذ تم تجهيز هذا النظام بقُدرات تشفير عالية تضمن حتى عدم قدرة المحترفين على تعريض هذه الملفات للتخريب الُمتعمّد. كما أن البرنامج يضمن عدم قدرة مثل هؤلاء الأشخاص على حذف الملفات من الأجهزة الحاسوبية الآخرى.
هذا النظام التخزيني الجديد يوّفر، ضمن مزايا أخرى، الاتصال السريع بالملفات المرغوبة والقضاء على الأختناق الذي يتسبب فيه تكدس الملفات على عدد محدود من الأجهزة، إذ ان العدد الكبير من الأقراص الصلبة التي يتم تخزين الملفات عليها يعني بكل بساطة الوصول الأسرع إلى أي ملفٍ معين نتيجة عدم اعتماد النظام على خادم مركزي.
إضافة إلى ذلك. فإن نظام «Farsite» هذا يعمل بالكيفية التالية، إذ ما ان ينضم جهاز حاسوبي إلى المجموعة حتى يتم نسخ الملفات الموجودة عليه بشكل آلي وإرسالها مباشرة إلى الأجهزة الحاسوبية الاخرى التي تحتويها نفس المجموعة. كما أن هذا النظام على درجة كبيرة من الذكاء تسمح له بأن يتجنب نسخ الملفات المتكررة على نفس القرص الصلب مع قيامه بإعادة توزيع الملفات بحيث لا يتم تكديس الملفات على ذلك القرص دون الآخر، إذ يتم التوزيع بشكل عادل.
بقي أخيراً أن أشير إلى أن هذه التقنية التي يُمكن لها أن تدعم أكثر من 100 ألف جهاز في أن واحدٍٍِ لن تتوافر على نظام XP التشغيلي الجديد ولا النظام الذي يليه حتى يتم إنهاء كل الأبحاث المتعلقة بقدرته على أن يكون نظاماً راقياً ذي درجة عالية من الاعتمادية!
|
|
|
|
|