| الاقتصادية
منذ حوالي 40 سنة أقدم الأستاذ عبدالله بن خميس على إصدار مجلة أسماها حينها بمجلة «الجزيرة» يقوم منهاجها على الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمته وإصلاح شأن عباده وخدمة لغة القرآن وتبنّي الدعوة لإعادة مجد هذه البلاد وبعث سؤددها. وقد صدرت تلك المجلة في وقت اصطرعت فيه المطامع الاستعمارية في بلاد الإسلام، وتنازعتها مطامع المعسكرين الاستعماريين الغربي والشرقي، وغزت ديار الاسلام التيارات الاستعمارية الهوجاء، ومعظم البلاد العربية ترسف في قيود التبعية والفقر والانحلال. وفي عدد المجلة الخامس طرح الشيخ عبدالله بن خميس استفتاء عن الزيت (البترول) (النفط)، ومشاكله في بلادنا؟!، ودعا رجال الفقه والفكر والأدب والسياسة والاقتصاد للمشاركة في الاستفتاء للإفادة من خبراتهم ورياديتهم وأفكارهم وآرائهم خاصة أنّ الزيت (البترول) (النفط) كان وما يزال يُعدّ جانبا مهما من جوانب حياتنا، وقاعدة كبرى من القواعد التي يقوم عليها كياننا، ويرتبط بها واقعنا ومستقبلنا ويعيش عليها كثير من جوانب حياتنا المعيشية والاجتماعية والاقتصادية. كما أنّ الأحاديث عن الزيت (البترول) (النفط) في بلادنا كثيرة ومتشعبة تتحدث عنه: تكوينا وتنقيبا وتخزينا وكشفا واستخراجا وتتحدث عنه: تسويقا ونقلا وأسعاراً وهبوطا وارتفاعاً.
فما هو أثر الزيت (البترول) (النفط) في بلادنا، سلباً وايجاباً، قوة وضعفاً، واقعاً ومستقبلا؟!
خاصة إذا علمنا أن بلادنا كانت بلادا قاحلة ماحلة، تعيش واقعا بدائيا وخشونة عيش وجهلاً ومتربة. كيف وقد حوّل الله سبحانه من حالها، وجعلها دولة حضارية، تزاحم الأمم في التمدن والعمران والتقدم والعلم والرقي.
إنّ اكتشاف الزيت (البترول) (النفط) يعتبر في بلادنا تحوّلا كبيرا، غيّر فيها مجرى الحياة وسلّط عليها الأضواء، وسلكها في عداد البلدان ذات الأثر والمكانة.
إنّ اكتشاف الزيت (البترول) (النفط) في بلادنا كان فتحا جديدا لتقدمها في كافة الميادين وسبباً في رخاء معيشة السكان وتطوير حياتهم ووفرة المال في أيديهم.
يقول محمد عمر توفيق: الزيت ثروة قومية كأية ثروة أخرى تحرص الأمم عليها، لتكييف حاضرها، وتوجيه مستقبلها، ولتكون في حالة تطوّر دائم إلى الأحسن في كل مجال.
وفي المقابل ، يقول محمد أحمد جمال: إنّ السنوات الطوال التي مضت على اكتشاف البترول في بلادنا واستغلاله والاستفادة ماديا منه كانت كفيلة، لو نظّمنا الانتفاع بهذه النعمة البترولية الكبرى، ونظرنا إلى المستقبل بأن نجعل من بلادنا أعظم بلد زراعي وصناعي في المحيط العربي على الأقل.
لقد كان من الممكن ان تكون فائدتنا من الزيت (البترول) (النفط) أعظم لو اتخذنا للأمر عدته، ولو حاولنا أن نجعل من التطور الذي أحدثه الزيت في حياتنا تطورا جذريا يصل للأعماق ولا يكتفي بالسطوح، يُعنى بالمخبر قبل عنايته بالمظهر يهتم باللباب قبل القشور.
ومازال بحمد الله الوقت سانحا والباب مفتوحا والطريق واسعة لذلك.
منذ أكثر من ثلاثين سنة مضت أدلى جمعٌ من حملة الاقلام وأصحاب الفكر والرأي في استفتاء الاستاذ عبدالله بن خميس صاحب مجلة (الجزيرة)، وانقسم الناس الى فريقين: مؤيد ومعارض، موافق ومخالف، متفق ومنتقد، مبتهج ومحزون، ومتفائل ومتشائم.
بيد أنه لم يقل أحد أننا لم نستفد من الزيت، حيث ذهب الغالبية إلى أن هذه الفائدة ليست الفائدة المنتظرة، لا من حيث الكم، ولا الكيف!!
والأكثرون متفقون على أنّ اكتشاف الزيت (البترول) (النفط) في بلادنا نعمة أنعم بها علينا الله عز وجل، وأن ما طرأ من نقص في الزراعة والصناعة ليس من جراء وجود هذه النعمة البترولية، وإنما من طريقة استغلالها.
وغاية الأمر فإن الزيت (البترول) (النفط) كان وسيبقى من أهم الموضوعات الضرورية الحساسة بالنسبة لحياتنا الاجتماعية الحاضرة والمستقبلة معا.
وفي الختام فإني أدعو الى أربعة أمور أساسية تُعد وسائل صحيحة لانهاض البلاد وتقدمها:
1 التعليم المركّز الهادف، ليتفهم أفراد المجتمع واقعهم ويعملوا لصالح أنفسهم وبلادهم وأمتهم.
2 المواصلات والاتصالات التي تربط أنحاء هذه البلاد مدنها بقراها وتجعل منها جسدا متحركا.
3 استغلال المساحات الشاسعة والأراضي الخصبة والمياه المتدفقة من خلال سياسة زراعية هادفة.
4 تشجيع الصناعة الوطنية وحمايتها وتأهيلها وتخصيصها، لتوفّر للبلاد حاجتها.
إنّ تلك السنين الثلاثين أو اكثر التي مضت على ذلك الاستفتاء وتلك الآراء والأفكار لا يُعتقد أن طول المدة قد غيّرت من واقعها شيئا كبيرا.
بل لقد ازدادت ثروة الزيت (البترول) (النفط) عما هي عليه آنذاك أضعافا، وكثر معها الناس أضعافا، وما قيل في السبعينيات الميلادية هو صالح للتسعينيات، وهو في الواقع استشراف لآفاق المستقبل الزاهر.
|
|
|
|
|