| مقـالات
سجل الأمير عبدالله بن عبدالعزيز نجاحا كبيراً في اختراق نفوذ اللوبي الصهيوني في واشنطن وذلك من خلال فرض هموم الشرق الأوسط المتمثلة في القضية الفلسطينية على سماء العاصمة الأمريكية واشنطن.. وعبر العديد من الاتصالات المكتوبة والهاتفية والرسائل الدبلوماسية استطاع الأمير عبدالله ان يفرض اجندة الشرق الأوسط على الإدارة الأمريكية التي ربما حاولت التنصل من التزاماتها التاريخية للقضية في محاولتها لاستعطاف القوى الصهيونية المهمة المتمثلة في اصوات تأييد لملفات أمريكية محلية ووفق حسابات حزبية محدودة..
استطاع الأمير أن يعيد نوعا من التوازن للعقل والتفكير السياسي الأمريكي من واقع الرؤية التاريخية للأحداث التي دائما ما ينظر من خلالها الأمير نحو أية قضية او مسألة يتوجه اليها.. ويحاول دائما ان يعطيها السياق التاريخي الذي يكون شارحا ومفسرا وموضحا للأحداث.. وهذه حنكة الرجال الذين يحتكمون للتاريخ ويقيمون الأحداث وفق سياقاتها الزمنية ومسبباتها الحقيقية.. هذا هو عبدالله بن عبدالعزيز الذي عهدناه قائدا عربيا معتزا بعروبته ومسلما فخوراً ومدافعا عن حقوق وقضايا امته الاسلامية.. وعبدالله هو العقل العربي الذي يفكر بشمولية ويتكلم بصراحة ويتجه الى جوهر الأشياء لا الى هوامشها وشكلياته..
منذ أن جاء أريل شارون الى سدة الحكم الاسرائيلي وهو يصول ويجول، يتحرك بعنجهية الجنرال العسكري ويعبث بتراكمات الإرث السياسي في المنطقة، ويلعب بكل ما أوتي من قوة من أجل فرض «أمر واقع» جديد على الفلسطينيين وعلى المنطقة بشكل عام.. وتعددت الاجتماعات واللقاءات العربية والاسلامية والدولية وتبودلت كثير من الزيارات، ولكن الأمير عبدالله عمل على جبهتين رئيسيتين، اولاهما اقتصادية لدعم الانتفاضة الفلسطينية، والأخرى سياسية لتقويض النفوذ الصهيوني المتغطرس على القضية وتصحيح المسار السياسي للمسألة الفلسطينية.. وحضور الأمير عبدالله في اجتماع القمة العربية بالقاهرة أسس لصندوق القدس بمبلغ المليار دولار لدعم السلطة والدفع باستمرار لحركة الانتفاضة.. وكان هذا الدعم قوة هائلة حركت الوضع الميداني على الأرض، وأسست لقواعد مقاومة مستمرة للناس ووفرت الأسس الثابتة للسلطة في منظومة المقاومة الفلسطينية..
اما المحور السياسي لتحرك الأمير عبدالله وهو الأهم في المسألة الفلسطينية فهو مرتكز أساسي نوعي لتحول القضية من دواليب الأرشيف التي حاول شارون ان يقبرها في تلك المتاهات الى وضعية جوهرية في الاهتمام والتركيز العالمي كقضية أساسية ليس في الشرق الأوسط بل في العالم بما تمثله من استقرار وسلام وأمن عالمي..
التحرك السعودي الذي وجه به خادم الحرمين الشريفين حفظه الله وقاده صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز لتصحيح مسار القضية الفلسطينية عكسته وسائل الاعلام الأمريكية والإسرائيلية.. وتحديدا الإسرائيلية حيث أشارت الصحافة هناك في مناسبات عديدة ان الولايات المتحدة تتعرض لضغط سعودي قوي بهدف وقف العدوان الاسرائيلي على الفلسطينيين وتحريك المسار السياسي من خلال زرع واستصدار قناعات من الإدارة الأمريكية نحو القضية الفلسطينية.. وقد عكست افتتاحيات ومقالات الصحافة الاسرائيلية هذا التخوف الذي قد يؤدي الى خلق توازن في السياسة الأمريكية في المنطقة مما يعكس توجها جديدا للإدارة الأمريكية نحو حل مشكلة الشرق الأوسط.. ومما يؤكد هذا التوجه التحولي في السياسة الأمريكية التسريبات الصحافية لكبرى الصحف الأمريكية عن وجود خطة لبلورة موقف جديد لإدارة الرئيس جورج بوش..
وبناءً على هذه الخلفيات السياسية والتي لا يعرف عنها الا القريبون من صاحب القرار السياسي السعودي، فإننا ربما نكون على أعتاب تحولات جديدة في مواقف السياسة الأمريكية نحو قضية الشرق الأوسط.. وكانت بداية هذا التحول هو الإعلان الرسمي عن طريق الرئيس بوش للاعتراف بالدولة
الفلسطينية.. وستأتي مواقف اخرى وتحولات جديدة وستشهد الأسابيع القادمة كما يتوقع المراقبون ضغوطا معاكسة لما اعتادت الإدارة الأمريكية ان تفعله في السابق، وتحولا من ضغوط على الجانب العربي الى ضغوط واضحة ومباشرة وعلنية على الجانب الإسرائيلي..
ومن هنا تحركت قوى الضغط الصهيوني داخل الولايات المتحدة الأمريكية لتلعب في مسألة الاعلام، وتشن لهذا السبب حملة شرسة ضد المملكة العربية السعودية ومواقفها الثابتة، وتحاول أن تقوض أسس الثوابت السعودية المرتكزة على القيم الاسلامية والأصالة والنخوة العربية.. فليس غريبا أن تأتي هذه الحملات المستمرة خلال الأسابيع الماضية بعد ان كشفت الإدارة الأمريكية عن تحولات نوعية في مواقفها نحو مشكلة الشرق الأوسط.. ولهذا تبرز المملكة والشخصيات القيادية فيها كمعبر تحاول وسائل الاعلام المغرضة ان تحقق هدفها عبر حملة تشكيكية تحاول من خلالها التأثير على الرأي العام الأمريكي والدولي.. ولحسن الحظ ان تصريحات الرئيس جورج بوش الأخيرة اثبتت ان هذه التقارير والتحليلات غير صحيحة.. ومن الواضح انها تحاول زرع خلافات وعراقيل بين الحكومتين السعودية والأمريكية بقصد بعثرة الجهود السعودية التي قادها الأمير عبدالله شخصياً والتشويش على القناعات الأمريكية التي تولدت نتيجة هذه الجهود..
ولكن كيف يدير الأمير عبدالله ملف القضية الفلسطينية في الفترة الراهنة؟
من المؤكد أن الأمير يعكس نهجا ثابتا للسياسة السعودية تجاه قضية العرب والمسلمين الأولى، قضية فلسطين والقدس الشريف.. ولنحاول هناك ان نضع بعضا لمرتكزات العمل الذي يقوده الأمير عبدالله في هذا الاتجاه:
1. التأكيد المستمر على ثوابت السياسة السعودية والتي ترتكز على محورية هذه القضية في اجندة الاهتمام والقرار السعودي داخليا وخارجيا، فما
يقوم به الأمير عبدالله هو ترجمة لتوجيهات قائد المسيرة السعودية الحديثة الملك فهد حفظه الله، والملك فهد هو امتداد لاخوته الملك خالد والملك فيصل والملك سعود يرحمهم الله.. والجميع تلاميذ في مدرسة عبدالعزيز التي وضعت لبنات الخير والثبات والاستقرار لهذه البلاد بما يخدم امتها ووطنها ومواطنيها..
2 محاولة الأمير عبدالله وخصوصا في تحركه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في أن«يفصل ويصل» في نفس الوقت بطريقة دبلوماسية واعية بين قضية الإرهاب وتداعياته على الأرض الأفغانية وبين قضية الشرق الأوسط.. والفصل بينهما على مستوى الإجراءات والوصل بينهما على مستوى الأسباب يخدم القضية الفلسطينية على مستوى التأييد العالمي لها.. فعلى مستوى الأسباب فمن المفيد دائما التذكير بأن مشاكل العالم مترابطة ومتعلقة ببعضها البعض.. ولاسيما أن العالم يعيش في قرية واحدة ويتأثر بما يدور في أي مكان في العالم.. ولهذا فان حل مشكلة الشرق الأوسط سيسهم في ردم فجوات واقفال ابواب تسبب مشاكل وتزرع خلافات في أماكن أخرى.. اما على مستوى الفصل بينهما فمن المؤكد أن جهود الأمير عبدالله قبل الأحداث الأخيرة أثمرت في التحول نحو تصحيح مسار الموقف الأمريكي تجاه قضيةالشرق الأوسط.. ومن الضروري ان يحدث تأكيد مستمر للإدارة الأمريكية أن الإجراءات التي بدأت في تأسيسها كقناعات واجراءات تنفيذية للموقف الأمريكي ينبغي ان تنفصل عن اجراءات وخطوات متعلقة بالتصدي للإرهاب..
3 من يستمع للأمير ويتعرف على شخصيته عن قرب وهذا ما لاحظناه تحديداً في اجتماعنا مع سموه نحن أعضاء الجامعات السعودية مؤخرا يلاحظ وبما لا يدع مجالا للشك أن الأمير ذو شخصية جاذبة ويتعامل مع الآخرين من قلبه ويتوجه الى عقول وقلوب الاخرين.. وهذا ما يجد لكلماته الصدى والقبول والتأثير والجاذبية.. فهي تنطلق من القلب وتجد القلوب مفتوحة لها.. وهذا التأسيس في علاقات الأمير مع الشخصيات التي يلتقيها ويتحادث معها تفرض احترام وتقدير الجميع لشخصية سموه دائما..
4 ينطلق الأمير عبدالله من قاعدة أساسية في تعامله وعلاقاته بالدول الأخرى وبزعامات العالم وهي قاعدة تعكس مصلحة وطنية لبلاده، وتترجم موقفا ثابتا لأمته.. وتفرض هذه القناعات التي لا تنفك عن حواراته ومناقشاته ومخاطباته احترام الآخرين له ولقراراته.. فهو يتكلم من خلال خبرة تراكمية واسعة وعبر عمق مجتمعي ومؤسسي لتجربة طويلة..
5 يتأسس دائما في خطاب الأمير عبدالله البعد التاريخي والشواهد الزمنية الحية واستشهادات المثل والقيم الانسانية، وهذا ما يزيد من القناعات ويعزز حسابات المنطق ويوسع مدركات التلقي لدى الآخرين..
وأخيرا، فالأمير عبدالله بن عبدالعزيز يمثل تجربة سعودية صلبة للتعامل مع المواقف والأحداث الدولية، ويعكس دائما هموم وآلام ابنائه واخوته في العالمين العربي والاسلامي.. ويدخل الأمير عبدالله كشخصية عالمية مؤثرة في رسم السياسات الدولية وخصوصا على مستوى المنطقة الشرق أوسطية بما تمثله من تداعيات خطرة ومواقف متغيرة وحسابات دقيقة.. ويعمل الأمير في كل هذه الاتجاهات بدبلوماسية صامتة ولكنها نافذة ومؤثرة وترسم خططا واستراتيجيات تؤثر على خارطة المنطقة العربية وفضاء العالم الاسلامي.. ولاشك أن الحركة الواعية والدبلوماسية التي يتحرك منها الأمير تجعله في مقدمة أعداء الحزب الليكودي المتعسف في اسرائيل وفي مقدمته رئيس الوزراء شارون.. وقد يكون الأمير العدو الأول للكيان الاسرائيلي قبل القيادات الفلسطينية، لما يمثله سموه من تحرك مؤثر على الساحة الدولية يحاول من خلاله تفكيك النفوذ الاسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا وغيرها من دول العالم..
alkarni@ksu.edu.sa
|
|
|
|
|