| الاقتصادية
دار موضوع الحلقة السابقة حول ضرورة إيجاد مبرر مقنع لاستمرار الإنفاق العسكري الأمريكي عند مستوياته العالية، وكان أحد هذه المبررات هو تصنيف هذا الإنفاق على أنه استثمار لا استهلاك يستفاد منه في توفير مجموعة من الخدمات لا يمكن الحصول عليها إلا بهذا الشكل من الاستثمارات لكن يظل وجود جرس ينبه باستمرار إلى هذه الحقيقة ويشكل مبرراً ملموساً ومطلباً ملحاً وذلك لاقناع الكثيرين من دافعي الضرائب الأمريكيين بجدوى هذا الإنفاق العسكري الضخم. ولعل في اصطناع الأزمات او تضخيمها في حال وجودها إلى أضعاف حجمها الفعلي أواصطناع أعداء يهددون الأمة ومستقبلها وتضخيم قدراتهم، بشكل مبالغ فيه ما يفي بالغرض المنشود. فهذه الأمور تبرر في حال اقتناع الآخرين بها وجود الإنفاق العسكري الضخم الذي تحتاجه الصناعات العسكرية والصناعات المرتبطة بها ويضمن ضخ الأموال بدرجة أكثر من كافية وبدون حساب لأنه لا أحد يناقش في مثل هذه القضايا الوطنية الهامة والتي يفترض فيها أن تعبر عن تلاحم الأمة وتماسكها تجاه المحن واستعداد الجميع للتضحية.
لذا فإن احتمال استغلال الأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية على نحو يبرر استمرار الانفاق العسكري الكبير وطلب المزيد وذلك عن طريق تضخيم العدو المفترض والمبالغة في تصوير ما يملكه من قدرات وإعطاء الانطباع بأن أمد الصراع سيكون طويلاً أمر وارد.
هذه الأمور أيضا تسهم في إيجاد حل لمشكلة الراكب بالمجان التي تعاني منها الولايات المتحدة الأمريكية وذلك بسبب تنصيبها لنفسها شرطية أو حكومة للعالم.
ذلك أنها ألزمت نفسها بناء على هذا المنصب بتوفير مجموعة من الخدمات للعالم منها حفظ الأمن والاستقرار العالميين وفقا للنظرة الأمريكية بالطبع وضمان انسياب حركة التجارة الدولية. ومنطقي أن يستلزم توفير هذه الخدمات أعباء مالية. والمشكلة هنا أن هذه الخدمات متى ما وفرت لا يمكن استبعاد أحد من الاستفادة منها حتى أولئك الذين لم يسهموا في تحمل تكاليفها، فكان لزاما إيجاد آلية معينة تجبر هؤلاء الركاب بالمجان على دفع ثمن ما يستفيدونه أو ما يشترونه من السوبر ماركت الأمريكي خاصة أن الاقتصاد اقتصاد السوق فالجميع لابد وأن يدفع ثمن مشترياته. وكانت أفضل آلية لإجبار هؤلاء المستفيدين هي عن طريق إيهامهم بوجود عدو للعالم كله لابد من محاربته والقضاء عليه حتى ينعم العالم بالأمن والسلام وبالتالي لابد أن تشترك جميع الدول في تمويل نفقات هذه الحملة طالما أنها مستفيدة من ناتجها. ومن لا يشارك في دفع التكاليف لا يحق له الاستفادة من هذه الخدمة ولعل هذا هو الوجه الاقتصادي للتصور الأمريكي بأن من لا يكون مع الولايات المتحدة الأمريكية في حملتها فهو مع الإرهاب. وربما تفسر الرغبة في الاستفادة من ناتج الحملة الحالية حماس بعض الدول واستعدادها للمشاركة وتحمل التكاليف مثل اليابان واستراليا رغم بعدها وعدم تأثرها بشكل مباشر بالأحداث التي وقعت في نيويورك وواشنطن. وإذا كان يصعب جدا تفسير ما حدث بناء على الاعتبارات الاقتصادية فإنه ليس من المناسب استبعاد احتمال استثماره لخدمة مجموعة من الاعتبارات تشكل الاقتصادية أحدها وليس بالضرورة أهمها.
* قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية جامعة الإمام محمد بن سعود
|
|
|
|
|