| مقـالات
تشرفت مع زميلي العزيز الدكتور محمد بن علي الصامل بالتكليف بمهمة رسمية في دولة «منغوليا»، وقد استلزم السفر الى منغوليا المرور بمدينة «بكين» من أجل الحصول على تأشيرة دخول الى منغوليا، حيث لا توجد سفارة لهم بالمملكة، وكانت فرصة طيبة تعرفنا فيها عن قرب على سعادة سفيرنا في الصين الدكتور محمد البشر، فقد بدأنا الاتصالات معه من الرياض قبل سفرنا، فوجدنا من سعادته ترحيبا وتسهيلا للأمر، وما ان وصلنا اليه حتى غمرنا بحفاوته وكرمه ونبله، وكلف من يرافقنا ويهتم بنا، وتولى بنفسه الاشراف والمتابعة لانجاز تأشيرة دخولنا الى منغوليا، وأقام لنا حفل عشاء سعودي جمعنا فيه بأعضاء السفارة والعاملين فيها ولاحظنا في هذا اللقاء الانسجام والألفة التي تسود العاملين في السفارة، وذلك الجو الأخوي والحميمي الذي صنعه السفير ببساطته ولطفه وتواضعه واندماجه مع الجميع بصورة نادرة، فأحبه الجميع وقربوا منه وصاروا يتسابقون الى خدمته، وهو يكاد يسبقهم، ويشعرهم بأنه واحد منهم ومن أوسطهم وقد سمعنا من بعضهم ثناء على أسلوبه معهم واعجابا بتواضعه وحسن تعامله، وتكاد تجزم وأنت ترى ابتسامته وبشاشته بأنه قد كان له من اسمه نصيب وافر وكذلك كل من عرفت من أفراد هذه الأسرة الكريمة، وان الأسماء تكاد تلقي في الغالب بظلالها على مسمياتها ومن هنا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتفاءل بالاسم الحسن، ويغير الاسم السيء.
لقد كانت اقامتنا بالقرب من سعادة السفير قصيرة لم تتجاوز ثلاث ليال، لكنه قد أتيح لنا خلالها عدة لقاءات مع سعادته تخللتها أحاديث منوعة في شؤون شتى، ولأن السفير ممن أدركته حرفة الأدب ونحن كذلك فقد كان للأدب والشعر نصيب كبير في بعض مسامراتنا، واستمتع منسوبو السفارة والحاضرون، واكتشفوا جانبا لم يكن بعضهم يعرفه في سفيرهم وهو غرامه وهيامه بالأدب والشعر، ومن يتابع زاوية سعادة السفير في صحيفة الجزيرة يدرك ذلك، وما زال الناس يذكرون مقالته التي اعيد نشرها مرتين حول مقاييس الجمال، وقد أمتعنا سعادته بأحاديث جادة ورائعة حول الجامعات الصينية وعنايتها باللغة العربية وكثرة أقسام اللغة فيها، وأتاح لنا الحديث مع أحد كبار رؤساء أقسام اللغة العربية فيها، وحدثنا عن كثير من الهموم والشجون العربية والاسلامية والصينية والمخطوطات والمراكز والعادات والتقاليد، واكتشفنا أننا أمام شخص يستحق ان يحمل كلمة «سفير» بكل جدارة، فمع موظفيه وضيوفه من السعوديين استطاع ان يجعلهم أسرة واحدة وأوجد لهم جوا من المودة والمحبة والألفة أنساهم الغربة وحببهم في العمل معه باخلاص وتفان، وجمعهم حوله في المكتب وجلسة السمر وملعب الطائرة الذي يقودهم فيه بلباسه الرياضي في أوقات الفراغ بين المغرب والعشاء، ومع رجال الدولة الصينيين المسلمين وغيرهم رسم لهم صورة مشرقة عن الدبلوماسي السعودي المخلص المعتدل المعتز ببلاده وإسلامه، والذي يمثلها أصدق تمثيل في غيبته ومشهده، ووثق العلاقة بينهم وبين بلاده، فكان بحق رمزاً للوطنية، ولست أعني أي وطنية، وإنما أعني الوطنية السعودية، وهي عندي وطنية متميزة، تختلف عن الوطنية في كل مكان، وسر تميزها أنها يمتزج فيها حب الدين مع حب الوطن، فيشكلان رداءً وحداً، سداه حب الدين ولحمته حب الوطن، ولا يتمثل الوطنية حق التمثل، إلا من لبس هذا الرداء، وأبرز ما يتميز به هذا الرداء انه انتاج وطني يتوارثه الخلف عن السلف والأحفاد عن الأجداد، ولا يرتديه من سفرائنا إلا من كان محبا لدينه ومحبا لوطنه، ولا غرابة في اجتماعها بل هو الأصل لأن وطننا دينه الاسلام، وديننا مولود في وطننا، فنحن أولى الناس بهذا الرداء، والسفراء خاصة لأنهم واجهتنا في الخارج، ولا يمكن أن يفشل لنا دبلوماسي في الخارج إلا عندما يخلع هذا الرداء، أو يلبسه بالمقلوب، وأتمنى على سمو وزير الخارجية وهو أحكم مني وأبعد نظراً أن يجعل من شروط تعيين السفراء في الخارج حيازة هذا الرداء الغالي النفيس. وأسأل الله لنا ولسفيرنا الميمون محمد البشر ولبلادنا وقيادتها العون والتوفيق والتسديد.
كلية اللغة العربية جامعة الإمام
أستاذ مشارك
|
|
|
|
|