|
| محليــات
لا ينقلب «المجنَّ» على ظهره عند العرب إلا حين يُظهر الضدُّ الضدَّ...
وتُخْبر الأمور بأضدَّادها...
حتى إذا ما سُئلت عن مخبر الشيء، سُئلت عن مواقف وقوفك على ما فيه، أمَّا ظاهر الأمور فلا ينبئك عن باطنها...
من هنا تجد العربي حين تسأله عن آخر، يرد إليك السؤال بآخر: هل عاشرته؟...
بمعنى هل خبرته؟... ولذلك قالوا «هو أخبر به» أو «هم أخبر بخاصَّتهم»...،
ويؤكد ذلك المثل المعروف «أهل مكة أدرى بشعابها»... كناية عن معرفة الشيء.. إما بضدِّه، وإما بمعرفته بخبر ما فيه...
والحرب القائمة هي المحك التي أنبأت بالكثير عن بواطنها مما لم يكن في متناول من تعامل مع ظواهرها بدءاً دون أن يخبر هذه البواطن كما حدث لاحقاً...
وأظهرت من خفاياها ما لم تُنبئ به ظواهرها...
وانقلب ظهر المجنَّ... وبات حرياً الوقوف عند حدود تجعل إدانة قتل من لا ذنب لهم دليلاً على الضدِّ المخفي في الضدِّ الظاهر لنوايا بدء اشتعال هذه الحرب...
في الوجه الآخر ما يحدث في أرض فلسطين من النكبات المتتالية، والنهش الأسطوري في لحم الإنسانية، وأوردة البشرية، وسفك شرايينها بطلاقة وسفور وفضح لما هو مخبوء، ولما هو ظاهر، ولما هو ملمَّح، ولما هو مصرَّح...
فهل من ضابط لكوابح الانفلات الذي أصاب أعصاب الإنسان فتحوَّل إلى كاسرٍ جارح، قاتل، مجنون؟!...
وهل من رادع لهذا الانسياق الضال الأعمى الذي حوَّل أرضية الحياة تحت، وفوق الإنسان إلى بوتقات نار، ولهب، وجرَّد الأقدام من نعالها فاشتاكها الجمر، وغسلها الدم، واستقبلتها الهوَّات والتصدَّعات؟
وهل من عاقل يعقل هذا الانطلاق المحموم نحو تدمير قيم القيم في ضوابط التعامل بين القوى، وتقييد الأقوى ضمن منظومة الحكم للعدالة، والقرار للعقل؟
ما الذي فتح صهاريج النار على الإنسان في الزَّمن الذي رُصدت فيه أوقاته، وأمواله، وعقول مفكريه كي تحارب السلاح، وتقضي على الحرب؟...
كيف تمَّ إلغاء كافة معاهدات الإنسان المعاصر في فكره، وأدبه، وسياسته، واقتصاده، وتربيته، وتعليمه، وصحته، ورفاهه أن يكون هذا العهد له انطلاقاً للسلام، والعمار، والإسعاد؟...
أين سعادة البشرية المتوخاة من معامل الدواء، ومصانع الغذاء، ومجالس العلم، و...
وأنشودة الحرية للإنسان، والسعادة، والخير، والصحة والعلم كيف تحولت إلى فوَّهات المدافع، وأزيز الطائرات الحربية، وحمم القنابل الفاتكة به؟!...
وترى...
هل سيجد المقتول من يكفِّنه؟
وهل سيتوسَّد رأسه الثَّرى؟ أم سيكون أشلاء حِممية تزيد فتيل النار؟.
في زمن النار؟...
أم أنَّ ضدَّ الإسعاد الإشقاء في خارطة الإنسان المعاصر...
فلا سعادة بل شقاء...
وإنه بَدْءُ الضدِّ في انقلاب ظهر مجنَّ السلام إلى الشرِّ؟ والحياة إلى الفناء...، والخير إلى البلاء...؟!..
|
|
|
|
|
