| مقـالات
هناك لعبة يحب الصغار لعبها دوماً، وهي عبارة عن حلقة من الأطفال يتسارون فيما بينهم «كلمة» ومن ثم يتهامسونها، ليروا كيف تتحول وتحوّر في نهاية الحلقة.
هذه الطريقة البدائية في الاتصال، عندما كنا صغاراً كنا ننظر اليها بفوقية، وسميناها آنذاك الهاتف المتكسر..!! لأنها عاجزة عن ايصال الحقيقة الأولى بتفاصيلها الأصلية الى النهاية.
فهي تعرضت لفوضى الحواس، والحواس هي أسوأ ناقل للمعلومة، لأن هذه الحواس نفسها التي نستقبل من خلالها العالم الخارجي، ونتفاعل وإياه تمرر المعلومة وفق شروطها هي وما تحب ان تسمعه أو تتخيل بأنها تراه، أولربما تتوهم بأنها تتلمسه..!! ولذا تتفاوت طرق استقبالنا للعالم بين شخص وآخر، ويختلف تفسيرنا له، وقلَّ ان يلتقي الجميع عند نقطة واحدة تماماً كالهاتف المتكسر.
وعلى الرغم من هذا القصور البشري الفاضح، إلا ان الكثير من البشر «عبر التاريخ» أصروا على امتلاك الحقيقة المطلقة «التي هي شأن إلهي بحت»، ولكن تلك الحقيقة ابتذلت وامتهنت بين بلاط السلاطين، وموازين التجار وأسواق الشعراء وباعة الكلام.
وعلى الغالب يكون سدنة الحقيقة المطلقة دمويين ساديين باستطاعتهم تصفية الآخر وازاحته ضمن هوس عصابي صوّرته الأساطير القديمة وحكايات ألف ليلة وليلة «بالعفريت الذي يمتلك عيناً واحدة» فهو ذلك العفريت الذي يلتهم البشر والبحارة المغامرين في بحور المعرفة، لأنه لا يرى من الحقيقة سوى ذلك الجزء الدموي من العالم.
لو تتبع الانسان الخريطة النفسية «لمزاجه» منذ الصباح حتى المساء على وجه المثال لأرعبه ذلك الاختلاف والتباين بين كل ساعة والأخرى. هذا في يوم واحد خاضع للقياس، فما بالك عندما ينخرط في هذا القياس جماعات شتى وأزمنة وأمكنة واجتهادات خاضعة للقصور البشري الهزيل، حيث يصبح في امكانها رفع السيف في وجه جميع ما لا يتواءم أو يشبه أو يوالي.
كل معرفة وكل طريقة تروّج بالسيف والدماء هي «تابوت» تابوت يقتنص العقل والبشر بعيداً عن رحلتهم المقدسة في إعمار هذا الكون، بعيداً عن خصائصهم الانسانية، وبعيداً عن «شفرتهم الجينية» التي تسمو بهم عن قرود الجبال والغابات.
ولكن الهاتف منكسر.. ولا أحد يود أن ينصت.
كناطح صخرة يوماً ليوهنها
فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل |
omaimakhamis@yahoo.com
|
|
|
|
|