| مقـالات
في بداية هناك جملة من التساؤلات يجب طرحها قبل البدء في المقالة، هل الأسرة السعودية تستطيع تهيئة الجو المناسب لنمو مواهب الطفل (الفرد) وتنمية قدراته بشكل عام؟ هل الأسرة تنمي مفهوم الذات عند الطفل الصغير؟ كيف تشجع الأسرة هذا المفهوم عندما يكون فرداً في المجتمع؟.
يمكن القول ان من أهداف التنشئة الاجتماعية تدريب الفرد على مختلف المهارات، وإعداد الفرد نفسياً وجسمياً وعاطفياً واجتماعياً، وذلك عن طريق نقل المعارف والخبرات والمهارات والتصورات والمواقف التي يحتاجها الفرد ومزجها بمقتضى الحال ومتطلبات الموقف أو محددات الثقافة المجتمعية، وذلك ليندمج الفرد (الطفل) في مجتمعه عن طريق حصوله على الاعتراف المجتمعي والاجتماعي به وبإمكاناته، والتدريب وتنمية المهارات والربط بينه وبين وطنه من خلال تحديد الهوية الدينية والثقافية والاجتماعية له ولوطنه. يضاف الى ذلك الدور والمكانة التي يكتسبها ليساعداه على زيادة تكيفه مع الآخرين. إن من أهم ما تمنحه الأسرة السعودية لأعضائها، المكانة والدور (السالب والموجب)، وذلك على أساس أن الأسرة تمثل البيئة الأولية التي يتوجب عليها الوفاء بحاجات الطفل ومتطلباته من الرعاية القائمة على الحب والتعاطف والأمن النفسي والاجتماعي، وغرس الموروثات والقيم الحضارية والروحية في وجدانه بالصورة التي تؤهله ليشب ناضجا وراشدا وقادرا على تحمل مسؤولياته وتباعاته وواجباته في المستقبل خالية من الشوائب أو التبعات لثقافات مغايرة، رغم الإيمان بالاحتكاك الثقافي والاقتباس منها ما يفيد وفي المقابل التصدير الثقافي (الدعوة)، والأسرة في المجتمع السعودي شأنها شأن البيئة الأسرية في الوطن العربي عموما حيث تندرج تحت أنماط حضارية ثلاثة تشكل محددات البنية الاجتماعية بمكونها الاجتماعي والقيمي والثقافي وهي أنماط الأسرة الحضرية، والريفية، والبدوية وتعكس هذه المستويات الثلاثة للبيئات الأسرية تقارباً فيما بينها من حيث درجة الوعي الاجتماعي وأسلوب ونوعية الحياة ومستوى المعيشة، ليس على المستوى القومي وحده وإنما على مستوى كل قطر عربي كذلك. وعلى الرغم من تعايش هذه الأنماط الحضارية الثلاثة جنبا الى جنب في الوطن العربي وحدوث التداخل والتفاعل بينها إلا أن الاختلاف بينها يعكس في العديد من وجوهه درجة التفاوت في تمثل دور الأسرة تجاه حاجات الطفل (الفرد) النامية وتنمية شخصيته كذلك تبدي بعض صور التفاوت التي ترد الى العوامل والظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي كثيراً ما تحول دون الوفاء بحاجات الطفولة (الفردية) وتحقيق الفرص المواتية في مجالات الخدمات الصحية والتربوية. والأسرة السعودية في تنميتها لذات الطفل (الفرد) وتأثيرها على توجهاته ومواقفه والتدخل أحيانا في مجريات حياته، حتى أنها في بعض الأحيان تتخذ قرارات بالنيابة عنه، أو أنها تقفز فوق طموحاته وآماله لتحقيقها رغماً عنه، كل ذلك من خلال الشرعية الاجتماعية، لأن ثقافة المجتمع خوّلت الأسرة بالإقدام على ذلك، وهي بذلك إنما تشكل بنية اجتماعية متكاملة ومتجانسة الى حد كبير تميزها بسمات وخصائص محددة منها أنها تستمد العقيدة الإسلامية والثقافة العربية وواقع التخلف وملامح النضال الاجتماعي والشعبي ومقتضيات الحال والرؤية المستقبلية التي تتبناها الأسرة. غير أن الواقع الاجتماعي والمستقبلي الذي يرى البعض من المتخصصين في علم الاجتماع يقول ان التربية الأسرية والمجتمعية وبعض التوجهات والتصورات المفسرة لواقع الحال والمنطلقة من التراكمات التاريخية والتراثية التي يمارسها البعض لتوجيه حركة المجتمع قد لا تناسب واقع الحال خصوصاً في ظل الانفتاح والعولمة. لذلك فإن الاجابة على الأسئلة السابقة الذكر تكمن في تطور فهم الأسرة للمرحلة ووجاهة التوجيه والرؤية الواضحة للمطلوب اجتماعيا ودينياً ووطنيا. وهنا يمكن القول ان الأسرة السعودية والعربية قد حققت المطلوب منها وهو الدفع للمجتمع بمواطن صالح يفيد نفسه ودينه ومجتمعه لأن بناء شخصية الطفل (الفرد) والتأكيد على مفهوم الذات لديه إنما يمثل عملية استيعاب الثقافة الاجتماعية والموجهات ويختزن في ضميره ووجدانه حياة هذه الأمة بماضيها ومستقبلها، بل ويمثل وعاء لاستمرار أصالة التراث الحضاري لأمته.
قسم علم الاجتماع جامعة الملك سعود
|
|
|
|
|