| عزيزتـي الجزيرة
يظن اكثر الآباء بأنهم عندما يقومون بتوفير الطعام والشراب والكساء لأبنائهم، انهم بهذا قد قاموا بواجب التربية وفي الحقيقة هم قاموا بواجب الرعاية فقط والذي هو حق من حقوق الابناء على آبائهم وهذا دفعني الى كتابة هذا الموضوع والذي احاول من خلاله ايضاح الفرق بين التربية والرعاية من اجل فصل الخلط بين هذين المفهومين عند الآباء.
وبعيدا عن الفلسفة التنظيرية اقول: بأنك لو سألت أي أب ماذا قدم لاولاده؟ لذكر لك بأنه لم يقصر في طعامهم أو شرابهم أو كسائهم وهذا يمثل في نظره حد التربية وهو نظرة قاصرة لانه قصر دوره على توفير الماديات واهمل الجانب السلوكي والوجداني وهو الأهم.
تعلمون بأن الاسلام أتى ليربي في الفرد الفضائل ويغرس فيه المحاسن من الاقوال والافعال يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «انما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق» فأخلاقيات المرء السليم تقوم على حسن المعاملة والاحترام والحب والصدق والتواضع والنزاهة والاخلاص وطهارة اليد وعفة اللسان وغيرها من محاسن الاخلاق التي لا ترعاها الرعاية وحدها غير ان المسؤولية تقع على عاتق التربية وهي الواجب الذي لم يجد سوى ام تخلت أو أب مشغول .. كما يقال مع شديد الاسف.
ان تربية الماديات لا تعمل على ايجاد أجيال كما نريدها تصنع لنفسها مكانة وترفع لوطنها الراية ما لم تعاضدها بل وتسبقها التربية الروحية التي تلامس الوجدان وتخاطب العقل والقلب ولعلكم مثلي تلحظون بأن الماديات اصبحت لدى الكثيرين من شبابنا معيارا أو مقياسا يحكم من خلاله على الناس بأن هذا متحضر وهذا متخلف اي انهم ركزوا على المظهر ونسوا المخبر والجوهر واذا أردت المقياس الحقيقي للروح فضع من شئت من البشر في ميزان الاخلاق وعندها سترى أي تربية نالت حظها الاوفر من هذا الشخص؟ أمادية هي فقل عليه السلام لأنه بصراحة خاو من كل ما تتمناه؟ أم تربية اخلاقية وروحية فستجد تصرفاته وتعامله وحديثه تنم عن شخص وجد من يرعاه ويسقي اخلاقياته بماء المكرمات وهذا المطلوب.
أنا لا أريد نزع حق الرعاية من الأبناء غير انني اود تذكير الآباء بأنهم لو حرصوا على بناء عقول أولادهم وقلوبهم كحرصهم على تغذية بطونهم لوجدنا أنفسنا أمام جيل يحترم صغيرهم كبيرهم ويجل تلميذهم معلمهم ويدرك الموظف معنى واجباته ولو أدى الآباء حق التربية لأولادهم كأدائهم لحق الرعاية لما سمعنا بمن يضرب معلمه او يكسر زجاج مدرسته او يكتب على جدران المنازل ويشوه منظر مدينته او بمن يعق اباه او يهجر أمه او يسرق الخ..
أنا أعلم حاجة الطفل للحب والحنان ولاشك ان الرعاية تعني الابوة الحانية والحب هو محورها، والحب مطلب ينشده الابناء من الآباء ويعشقون ان يعيشوه داخل اسوار بيوتهم بل الحب عندما يغادر المنزل فان البيت الاسري مهدد بالسقوط ولهذا فالرعاية حق للأبناء على الآباء لا جدال فيه ولكن عندما يختلط مفهوما «التربية والرعاية» ويظن الآباء أنهم برعاية ابنائهم بتوفير الطعام والشراب والكساء قد «ربوا» أولادهم فهنا تشعر بقصور في الفهم والدور ويبرز السؤال عن تربية الروح والعقل والقلب اين ذهبت.
إن موضوع التربية موضوع كبير ويصعب تلخيصه في مقالة لا تحتمل التطويل فيها غير انني سأوجز برغم ان الايجاز يخل بأفكار صاحب المقال عموما فدور الأب التربوي يتلخص في:
1 ان يربي الأب في ابنائه التربية الدينية التي تجعل الابناء من خلالها يعرفون واجباتهم الدينية ويقومون بها على اكمل وجه.
2 ان يدرك الآباء دور المسجد التربوي كمكان للعبادة والتربية.
3 ان يبني الأب في عقول وقلوب اولاده التربية العقلية ان صح مصطلحي هذا بمعنى ان يوجد لهم ثقافة عقلية واسعة تكون مصادرها القراءة والاطلاع والثقافة من اجل سلامة نضج العقل وتهذيب القلب واتساع المدارك.
4 القدوة الحسنة تتمثل في الاب والأم فحسن استقامة الوالدين وتمثلهما بالقيم وعادات المجتمع وتقاليده وحرصهما عليها وعلى التحلي بالقيم الدينية من شأنه ان يجعل الأولاد يسلكون مسلك والديهم اما:
اذا كان رب البيت للدف ضاربا
فشيمة أهل البيت كلهم الرقص |
5 الاصدقاء انتم تدركون قول النبي صلى الله عليه وسلم «المرء على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل» ونحن في عصر اختلطت فيه الانماط السلوكية وتعددت المشارب الاخلاقية وتنوعت الوسائط الاعلامية، والأب يملك كل الحق في معرفة أصدقاء ابنائه واين يذهبون؟ وماذا يفعلون؟ وشاعر العربية يقول:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي |
هذا هو عبء التربية الملقى على عاتق الوالدين والذي يستوجب عليهما الوفاء فالتربية تختلف عن الرعاية حيث ان الرعاية جزء من التربية ولا تعني الرعاية التربية اطلاقا.
محمد ابراهيم فايع
خميس مشيط
|
|
|
|
|