أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 27th October,2001 العدد:10621الطبعةالاولـي السبت 11 ,شعبان 1422

مقـالات

عام على انتفاضة الأقصى
د. عبد الله بن سالم الزهراني
لقد أثبت لنا التاريخ أن الحقوق المستلَبة والمأخوذة بالقوة لا تعود بالسكوت والخنوع والخضوع وانما تسترد بالمطالبة والإصرار على المطالبة واسترجاع تلك الحقوق بالطرق المشروعة. وعندما ننظر الى الحقوق المسلوبة بين الأفراد في المجتمعات المختلفة نجد أن الكثيرين لا يتناسوا حقوقهم مادية كانت أم معنوية كما ان الكثيرين منهم يسلكون القنوات الشرعية والرسمية والقانونية لاسترجاعها وربما القليل يسلك غير تلك الطرق. فاذا كان ذلك في امور دنيوية شخصية فما بالك بأمر بلد سُلبت أرضه وهُدِّد عرضه وشُتت شعبه واستبيحت حرمات مقدساته ألا يحق لهذا الشعب أن ينتفض وأن يقاوم وأن يطالب وأن يحارب وان يسلك كافة الطرق والخطوات التي قد تقود الى استرجاع حقوقه؟ كما أثبت لنا التاريخ ايضا انه لا يضيع حق وراءه مطالب وتواريخ الشعوب مليئة بالأمثلة الواضحة على استرجاع الحقوق. لم ننس تاريخ الجزائر وكفاحها ضد الاستعمار الفرنسي ولن ننسى المليون شهيد والذي توج نضالهم باستقلال بلدهم الذي كان الاستعمار مصمماً على فرنسته.
ولن ننسى نضال كل الشعوب العربية التي ناضلت وكافحت من اجل الاستقلال ويصعب ان ننسى استقلال جنوب افريقيا ودحر العنصرية وكذلك معظم الدول الافريقية والآسيوية ولن يكون من السهل نسيان نضال الفيتناميين وطرد الفرنسيين ومَنْ بعدهم الأمريكيين. ان كل تلك الشعوب كان له حق المطالبة والكفاح وتحقق لها جميعها استرداد حرياتها.
فلسطين بلد غال على اهله وشعبه وهو بنفس درجة الغلاء عند العرب والمسلمين جميعا.
فلسطين تختلف عن كل البلدان الاخرى في ان المطالبة بعودتها ليست قاصرة على شعبها بل ان المطالبة بها هي من قبل أمة كاملة لأن بها اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. إذاً مسألة المطالبة بالحقوق موجودة ولا خوف عليها حتى لا سمح الله لو لم يطالب الفلسطينيون بذلك وهذا امر من سابع المستحيلات فان الأمة الاسلامية التي تشكل قرابة خمس العالم لن تتجاهل ولن تتناسى ولن تسكت على هذا الحق.
ان قضية فلسطين حية بل انها من النوع الذي يتجدد فيها الروح والحياة بشكل مستمر فهي لم تكن في اي يوم من الأيام بأكثر حيوية ونشاطا وعنفوانا مما هي عليه اليوم. ان الفضل في ذلك يعود بعد الله سبحانه وتعالى الى أبناء الشعب الفلسطيني رجالا ونساء وشيوخا وشبابا بل وأطفالا. ولم يكن ذلك بدون دعم من اخوانهم المسلمين وبالذات العرب منهم حيث ان هذه بنسب متفاوتة. هناك بعض الدول العربية احتلت اجزاء من أراضيها من اجل هذه القضية ودفعت من اجل ذلك ارواحا غالية واعدادا كبيرة من هذه الأرواح وكذلك من الاموال والعتاد مثل مصر والاردن ولبنان ولكن هناك دولاً شاركت ايضا بقواتها وبأموالها وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي سن لها الملك عبد العزيز نهجا في التعامل مع هذه القضية بحيث تكون دائما أولى الاهتمامات للسياسة الخارجية لها. تعتبر المملكة الدولة الأساسية في الدعم المالي لهذه القضية ولا تزال كما انها المساند الرئيسي سياسيا لهذه القضية في كل المنتديات السياسية سواء في العالمين العربي والاسلامي او في المحافل الدولية الخارجية. وتنظر المملكة الى ذلك تلبية لنداء الواجب. لم تنس المملكة هذه القضية حتى في خضم هذه الاحداث العاصفة التي يمر بها العالم اليوم. وما اتصالات صاحب السمو الملكي الامير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني بالرئيس الامريكي بعد الحادي عشر من سبتمبر وكذلك زيارة صاحب السمو الملكي الامير سعود الفيصل وزير الخارجية الا لتذكير امريكا بما يحدث من ظلم على الفلسطينيين قبل ذلك الحدث وازدياد عنفه بعده حيث استغل شارون ذلك الحدث في البطش بالشعب الفلسطيني.
لقد كان الشعب الفلسطيني ولا يزال أمينا على هذا الحق منذ وعد وزير خارجية بريطانيا بالفور والذي عرف «بوعد بلفور» عام 1917م هذا الوعد المشؤوم يتمثل في اقامة دولة اليهود على فلسطين. رفضه العرب والمسلمون والفلسطينيون ولكن بدأت اعداد اليهود في التزايد في ظل الوجود البريطاني. واستمر الاحتجاج من قبل الفلسطينيين والرفض لهذا الوعد ولكن في ظل القمع البريطاني الذي كان مسيطرا على شرق وغرب نهر الاردن. ولكن الاحتجاجات توالت وقامت المظاهرات وما اضراب عام 1936م من قبل الفلسطينيين الا شاهد على ذلك. ثم جاءت الحرب العالمية الثانية لتلقي بظلالها على القضية الفلسطينية لكن اعقبها في عام 1948م الحرب العربية ضد الاحتلال اليهودي والتي انتهت بتقسيم فلسطين الذي لم يقبله العرب ولكنه كان ميلاد الدولة اليهودية التي كان الاتحاد السوفيتي اول المعترفين بها لتتلوها امريكا ثم تتابعت الدول. لم يثن ذلك من عزم الفلسطينيين والعرب في الاستمرار بالمطالبة بالحقوق منذ ذلك الوقت وحتى اليوم. اندلعت حرب عام 1967م والتي أُخذ فيها العرب علي حين غرة وسميت هذه الحرب بحرب الأيام الستة كما سمى العام بعام النكبة. سلبت اراض عربية من الاردن وسوريا ومصر علاوة على كل ارض فلسطين. ورغم نتائج هذه الحرب المذرية بالنسبة للعرب الا ان ذلك لم يثنهم على رد الاعتبار والاستمرار في الاستعداد لاسترجاع اراضيهم وحقوقهم المسلوبة ليتوج ذلك بحرب عام 1973م التي اعادت للعرب هيبتهم وجزءاً من مكانتهم. ادرك حكام اليهود الا أمن لهم باحتلال الاراضي العربية. بدأت بعد ذلك حلول سلمية كان اولاها استرجاع مصر لشبه جزيرة سيناء. الا ان الصهاينة استمروا في عدوانهم واجتاحوا لبنان بل احتلوا بيروت وبقوا في جنوبه عشرين عاما خرجوا منه يجرون أذيال الخزي والهزيمة وبقيت القضية الفلسطينية دون حل وبقي الاحتلال جاثما على صدور الفلسطينيين.
الفلسطينيون استمروا في المقاومة المسلحة منذ الستينيات وتشكلت منظمة التحرير الفلسطينية التي كان اولي معاركها مع الاحتلال في معركة الكرامة في عام 1967م بالمشاركة مع الجيش الأردني التي تكبد فيها العدو خسائر فادحة واستمرت المقاومة في الداخل والخارج على كل الاصعدة السياسية والاستخباراتية والعسكرية. ونجح العرب والمؤيدون لاستقلال الشعوب في استصدار قرارات عديدة من مجلس الامن تدين الكيان الصهيوني.
إن هذه القرارات الكثيرة رغم عدم تنفيذها الا انها في غاية الاهمية بالنسبة للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية ان هذه القرارات شاهد على المطالبة الفلسطينية بحقوقها وشاهد على الواقع الذي كان موجودا وشاهد على الاعتداءات اليهودية على الشعب الفلسطيني وشاهد على الواقع الارضي والديمغرافي للفلسطينيين. قد تطول هذه القضية ولكن المؤكد ان المطالبة ستستمر ومن المؤكد ان هذه القرارات ستكون وثائق للاعتماد عليها في اثبات حق الفلسطينيين في أراضيهم التي انتزعت منهم.
لقد صدر ستة عشر قرارا عن مجلس الامن في عام 1948م بشأن القضية الفلسطينية هي قرارات 42 و 43 و 44 و 46 و 48 و 49 و 50 و 53 و 56 و57 و 59 و60 و61 و 62 و66 وهناك ثلاث قرارات في عام 1949م وهي قرارات رقم 69 و72 و73 وقرار واحد في كل من عام 1950 و 1953 و 1956م و1958 و1961م و1966م وصدر اربعة قرارات عن مجلس الامن عام 1967م لعل أشهرها 242 الذي دار الجدل حوله وفسره اليهود فقرات منه وخاصة فيما يتعلق بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية بالقول من اراض فلسطينية وليس من الأراضي الفلسطينية عام 1967م. وعلى كل فقد اتخذ هذا القرار من ضمن وثائق اتفاقات السلام عقب مؤتمر اسلو. وفي عام 1968م صدرت خمسة قرارات وقرار واحد في عام 1969م وقرار واحد عام 1971م اربع قرارات عام 1973م وقرار واحد في كل من عامي 75 و 1978م وقرارين عام 1979م وصدرت سبع قرارات في عام 1980م ثم تعاقبت القرارات لنجد احد عشر قرارا عام 1982م بسبب العدوان الصهيوني على لبنان وهناك قرار واحد لكل من الاعوام 85 و 86 و 87 واربعة قرارات عام 1988م وقرار واحد عام 1989م وثلاث قرارات عام 1990م وقراران عام 1992م وقرار واحد لكل من الاعوام 94 و 96 و 2000م و2001م.
ان كل هذه القرارات رغم ان بعضها يتعلق بالحروب مع الدول العربية المجاورة من فلسطين المحتلة الا ان معظمها حول الفلسطينيين والقضية الفلسطينية بشكل عام كما ان هذه القررات الصادرة عن مجلس الامن تدل على استمرار المقاومة والمطالبة بالحقوق الفلسطينية لقد بدأت الانتفاضة الاولى وحاول اليهود بكل جهودهم وبكل عنفهم وسياساتهم التي من اشهرها تكسير العظام اعتقادا منهم ان تكسيرها لسواعد بعض الفلسطينيين التي كانت ترمي الحجارة ستخيف الفلسطينيون ولكنهم فشلوا فشلا ذريعا ولم تتوقف الانتفاضة من خلال مبادرة اسلو التي رحب بها الفلسطينيين على امل ان تنفرج الأزمة.
بدأت اتفاقية أسلو بعد مؤتمر مدريد الذي رعته الولايات المتحدة وروسيا وتم تبادل الرسائل بين ياسر عرفات ورابين وكانت رسالة عرفات مطولة تؤكد على قبول قراري مجلس الامن 242 و 338 وان السلطة الفلسطينية ملتزمة بعملية السلام الذي سيتم من خلال المفاوضات كما ان السلطة الفلسطينية من خلال توقيع اعلان مبادىء اسلو بين الطرفين وقبولها بالقرارين السابقين تعتبر ان لليهود حق للبقاء في فلسطين. وقد رد عليه رابين برسالة مقتضبة تعترف فيها الحكومة الاسرائيلية بأن منظمة التحرير هي الممثلة الوحيدة للشعب الفلسطيني ولم يرد فيها اي ذكر لأي شيء آخر.
بدأت المفاوضات بين الفلسطينيين وعدة حكومات اسرائيلية وكانت مفاوضات مضنية نظرا لتعنت ومماطلة الحكومات الصهيونية المتعاقبة حيث كان من المفترض ان يكون هناك مرحلة انتقالية لمدة خمس سنوات يتم بعدها الانتقال الى الحل النهائي. لم يتم هذا الامر خلال كل السنوات الماضية وبدأ الشعب الفلسطيني يشعر بالاحباط حيث لم يظهر له من خلال هذه العملية ولم تتحسن البنى التحتية ولم تفتح الحدود وفوق هذا وذاك لم تتحرك عملية السلام بفعل الاصرار من قبل الحكومات الصهيونية على الاخذ دون العطاء. لقد تضاعفت اعداد المستوطنات والمساكن اليهودية في الاراضي المحتلة منذ التوقيع على اتفاقيات اسلو. وادراك الفلسطينيين بالحاجة الى العودة الى انتفاضتهم ونضالهم.
ان طلقت الانتفاضة الفلسطينية الثانية على ما اعتقد في الرابع من اكتوبر 2000م التي اطلق عليها الفلسطينيون انتفاضة الأقصى بفعل تصرفات شارون أللا مسؤولة بزيارته واقتحامه لحرمة المسجد الأقصى. أثبت الفلسطينيون وهم في قمة معاناتهم مع باراك وما يتعرضون له من القصف والحصار انهم لن يسمحوا بأن تمر هذه الزيارة دون رد فعل من قبل الشعب الفلسيني فقرر الشعب لا السلطة اشعال الانتفاضة التي كانت ذات معان ومغاز كثيرة. اولها المسجد الأقصى هو ذلك الرمز الديني الذي ليس مقدسا لدى الفلسطينيين وحدهم وانما لدى أكثر من مليار مسلم ولذا فان الفلسطينيين اعتبروه من المحرمات على شارون وغيره من اليهود أن يستبيحوا أي جزء منه للزيارة او للعبادة وان دونه خرط القتاد. وثانيا هو ان انتفاضة الأقصى تعني ان المسجد الأقصى الذي يمثل اولى القبلتين هو القلب النابض لمدينة القدس التي حرصت هذه الانتفاضة ان تؤكد على انها العاصمة المستقبلية والأبدية للدولة الفلسطينية التي يحلم بها الشعب الفلسطيني ويدرك ألاَّ وجود له ولا كيان له دون هذه الدولة وبالتالي فهو يسوق رسالة من خلال هذه الانتفاضة لحكومة اليهود بألاَّ يحلم بالأمن ولا باستقرار دولته طالما ليس هناك دولة فلسطينية وعاصمتها القدس بحرمها القدسي الشريف.
وثالثها ان هذه الانتفاضة الثانية جاءت لتذكر العالم اجمع وعلى رأسهم امريكا والاحتلال الصهيوني ان هذه القضية وحقوق الشعب الفلسطيني لا يمكن تجاهلها ولا يمكن ان تموت مهما دعمت من قبل أمريكا سواء كان ذلك من خلال الأسلحة المختلفة من طائرات ودبابات وصواريخ او من خلال الدعم المادي من هبات واعانات بالمليارات او من خلال الدعم السياسي في المنابر الدولية وبخاصة في استخدام حق النقض ضد أي قرار يدين الحكومة الصهيونية او محاولة تفريغ القرارات من محتوياتها الملزمة والموافقة على قرارات لا تسمن ولا تغني من جوع. ان هذه الانتفاضة الثانية التي مر عليها عام هي ضمن سياق النضال الفلسطيني وخطواته التي يمكن ان تطول مهما اطلق على كفاحهم المسلح من تعبيرات. ان امريكا عندما يتم اغتيال مسؤولين فلسطينيين تشجب العنف ولا تسمي المنفذين ارهابيين رغم انهم يصرحون ويعترفون بأنهم خططوا وقاموا بالاغتيال وعندما يتم اغتيال مسؤول صهيوني فان المسألة ارهاب في نظر الساسة الامريكيين. بعد اغتيال وزير السياحة اليهودي قال شارون: إن الامر لم يعد كما كان عليه قبل ذلك الاغتيال وهو اقتباس لما قاله الرئيس الامريكي بعد الحادي عشر من سبتمبر وهو ان العالم لم يعد كما كان عليه قبل ذلك التاريخ. تظل هذه المقولة صحيحة فالعالم متغير في جوانب عديدة الا ان مسألة المطالبة بالحقوق لن تتغير مهما كانت التضحيات ومهما طال الزمن وهذه حقيقة يجب ان يفهمها شارون ومن يدعم شارون. كما أن حرب أفغانستان لن تخيف الفلسطينيين في الاستمرار في الانتفاضة والنضال.
zahi2000@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved