أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 25th October,2001 العدد:10619الطبعةالاولـي الخميس 9 ,شعبان 1422

الاخيــرة

الحرب تمضي والسؤال يبقى
فوزية أبوخالد
يبدو أن الادارة الامريكية وهي تحاول البحث عن مخرج تمارس به مزيداً من الضغوط على الدول العربية والاسلامية لتذهب من شن الحرب على افغانستان الى استمرارها حتى في شهر رمضان المبارك قد وجدت أن اقصر الطرق إلى ذلك هي ان تستعمل التاريخ الإسلامي نفسه، لتخرج على العالم بامثلة ان العالم العربي والإسلامي قد خاض عدداً من الحروب في الشهر الفضيل.
ونحن إذ نكتب هذا الموضوع لا نبغي التماس الهدن من الإدارة الامريكية لوقف الهجوم الذي لا يكف يوماً عن «الخطأ» في ضرب مواقع مدنية بافغانستان من مباني الامم المتحدة والصليب الأحمر الى المستشفيات ودور المسنين وتحويل القرى إلى انقاض والمدنيين الى جثث. ولكننا نكتب لنقول لامريكا ان السؤال ليس سؤال مشروعية الحرب في شهر رمضان، بل السؤال المبدئي هو سؤال اقامة الدليل القانوني على مشروعية هذه الحرب اصلاً. نعم ان الكثير من حروب العرب والمسلمين ضد العدوان عليهم قد خاضوها وهم صيام من اول امثلتها معركة بدر في السنة الثانية للهجرة ومن آخرها حرب رمضان ضد العدوان الإسرائيلي عام 1973م.
ولكن على الإدارة الامريكية ان تكف عن استخدام الإسلام سلباً أو ايجاباً لتجيب عن السؤال القانوني المحدد الذي يوجهه اليها اليوم العالم أجمع بغض النظر عن ديانته، وهو السؤال عن مشروعية حربها هذه بما يثبت انها حقاً موجهة ضد مَنْ قام بالتفجير وخطط له. وذلك اجدى من تقديم امثلة مقطوعة عن سياقها الزمني والسياسي ومفرغة من وعائها الحضاري لاستجداء تبريرات برجماتية تسوغ استمرار الحرب الى مدة لا يبدو ان امريكا نفسها تعلم متى تتوقف.
غير ان الادارة الامريكية لا تزال تتحفظ على اعطاء اجابة مبرهنة على السؤال او على الاقل ليس هناك ما يشير الى نيتها في اعطاء اجابة تشفي الغليل او تقيم الدليل على دعواها. هذا إذا كانت تحقيقاتها قد توصلت حقاً وبشكل جازم إلى مثل هذا الدليل. فرغم ولوغ امريكا العسكري في دم الابرياء الافغان للاسبوع الثالث على التوالي. ورغم تمتع اولئك الذين جرتهم امريكا الى تحالفها الحربي رغبة او رهبة من الدول العربية والاسلامية بقدر كبير من ضبط النفس وبقدرات متفاوتة على ضبط الشارع بما مكن نائب وزير الدفاع الامريكي من القول بارتياح: لقد كنا نتوقع قدراً أكبر من المعارضة الشعبية للعمليات العسكرية في افغانستان. ورغم ان مطالبة امريكا باعطاء الادلة المادية التي تثبت ان حربها موجهة ضد من اعتدى عليها قد تراجعت امام تلاحق الاحداث والرعب العام من توسع نطاق الحرب في وجهات مجهولة، الا ان كل ذلك يجب الا يسقط حق المجتمع الدولي والمجتمعات المعنية في ملاحقة امريكا بذلك السؤال القانوني عن الدليل على مشروعية الحرب، والذي نجحت الادارة الامريكية حتى الآن في التنصل من تقديم اجابة واضحة وقاطعة عنه.
إن سؤال الإدارة الامريكية عن الدليل الذي بناء عليه قامت باتخاذ قرار الحرب ومطالبتها بتقديم اجابة علنية عنه تقنع العامة قبل الخاصة وتصلح للاستدلال القضائي، سؤال يجب عدم الخجل منه خوفاً من ان تطول من يطرحونه تهمة الارهاب او لأنه قد يساوي موقفهم بموقف هذا او ذاك من الاطراف المتهمة.
وهو سؤال كان الاحرى بالادارة الامريكية وهي تعلن ان حربها دفاعاً عن قيم الحرية ان تجيب عنه او على الاقل تتبادل الرأي فيه مع قيادات الدول المعنية قبل ان تتصرف الدولة العظمى كديكتاتور صغير يضرب عرض الحائط بحق الآخرين في الاطلاع على مجريات الامور في حرب يجر اليها العالم بأسره. وأذكر فيما يلي بعض الأسباب الجوهرية التي تجعل من هذا السؤال سؤالا مشروعا، ليس فقط لقيادات وشعوب المنطقة المعنية بالحرب بل للعالم اجمع. وذلك ايضاً ليس لضمان استمرار التحالف الهش الذي اقامته امريكا على عجل تحت وطأة الرعب من عولمة المكارثية الامريكية ولكن وهذا الأهم لان معالجة هذا السؤال بدقة وموضوعية هي الضمان الوحيد لعدم تكرار الكارثة. ومن هذه الاسباب:
* سبب قانوني:
ان عدم مواجهة السؤال القانوني عن مشروعية الحرب الامريكية وعدم تقديم الثبوتيات والشواهد التي تبرهن بالدليل القاطع انها حرب للدفاع عن النفس وليست حرباً عشوائية على شعوب مستضعفة لمجرد الاشتباه، يشكل بادرة خطيرة في التراجع عن الاطر القانونية والقضائية والدستورية في القرارات السياسية والعسكرية وفي العلاقات الدولية. والتخلي عن هذه الاطر الشرعية يفتح باباً جهنمياً لمعالجة الاشكاليات السياسية وسواها خارج سلطة القانون والقضاء. وهذا وحده كافٍ لان يجعل اي ردة فعل، خاصة إذا كانت ردة فعل عسكرية كالحرب الامريكية القائمة في حكم اعمال الإرهاب ما دامت لا تستند إلى مرجعية قانونية تحدد عدالتها ومشروعيتها. وكان الاحرى قبل قيام الحرب تقديم مثل هذا الدليل لو وجد الى الامم المتحدة بدل تجاهل هذه المنظمة الدولية وتهميشها الا في حالة إبلاغها باحتمال توسيع نطاق الحرب لاعطاء امريكا المجال لإبقاء خياراتها مفتوحة كما جاء على لسان الرئيس بوش.
* سبب دولي:
على الادارة الامريكية ان تعلم ان تجاهل النداءات الدولية المطالبة باقامة الدليل القانوني على ان حربها موجهة ضد المعتدى يحرج كثيرا من الدول امام شعوبها كما يمس مكانة هذه الدول ومصداقيتها امام الدول الاخرى. خاصة تلك الدول التي تبدى حسن النية بامريكا وتتعاون مع امريكا على اساس شبكة المصالح المشتركة بينهم وبينها. بل ان الموقف قد يتعدى الإحراج الداخلي بجعلها عرضة لحملات خارجية غربية وامريكية دون ان تملك ما تدافع به عن نفسها ومواقفها المبدئية طالما ان امريكا تحجب اكثر من نصف الصورة عن العالم.
* سبب عسكري:
إذا كان للحروب ويلاتها أياً كانت عدالة قضاياها فكيف بهجوم عسكري تقني معقد غامض الاستراتيجية يشن على شعب اعزل للبحث عن مجموعات مشتبه بها تتحصن بالكهوف والجبال دون ان يبدو ان لدى هذا الشعب ابسط اشكال القوة العسكرية للدفاع عن نفسه او على الاقل لحماية المدنيين من غائلة المطر الصاروخي ودون ان تعطي الادارة الامريكية العالم ولو دليلاً واحداً على عدالة حرب لم تقم حتى الآن الا بإيذاء الابرياء.
* سبب حضاري:
لا يمكن ان يقبل من الرموز السياسية في الحضارة الغربية ان تقوم بتعريض سمعة حضارة كاملة اخرى وهي الحضارة العربية الاسلامية الى كل ما تتعرض له اليوم هذه الحضارة من القذف والتشويه والتنكر دون ان يعني ذلك محاولة منظمة لمحو هذه الحضارة مهما قال هؤلاء الرموز بان حربهم ليست صراعاً مفتوحا بين الحضارات.
كما لا يمكن ان يقبل ان يمر العرب والمسلمون في انحاء العالم بما يشبه محاكم التفتيش على الهوية دون ان يعني ذلك محاولة شرسة لمحو الآخر مهما قيل ان هذه الحرب ليست حرباً موجهة ضد العرب والمسلمين.
ولذا فان السؤال والمطالبة باقامة الأدلة القانونية لتحديد من يقف وراء تفجيرات سبتمبر هو وحده الكفيل بتوضيح الصورة للعالم اجمع بانها حرب ضد المجموعة التي قامت بالتفجير (أياً كانت هويتها) وليست ضد العرب والمسلمين او ضد الحضارة العربية الاسلامية.
وهكذا فان الحرب تمضي في حصد الابرياء وقد تتفاقم والسؤال القانوني يبقى دون اجابة.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved