| مقـالات
الحياة هي الخوف، فصدقني يا قارئي العزيز أنني سوف أثبت لك ذلك، لا على رؤوس الأشهاد بل على «رأس القلم».. أقصد بقلمي، فمهما حاولت فلن تنجح في الهروب من براثن حقيقة أن الحياة هي الخوف، وأن كل ما تفعله أنت عن طوع أو قسر أو صدفة أو عمد.. أو.. أو.. فأنت تفعله عن خوف.
فكل ما ترغب الاحتفاظ به سببه الخوف، فعلى سبيل المثال، فحِفاظك على قواك العقلية سببه خوفك من الجنون.. وعلى صحتك خوفك من المرض.. وعلى مواعيدك.. خوفك من فواتها.. في الوقت نفسه فكل ما لا ترغب الاحتفاظ به سببه الخوف أيضا، فعدم رغبتك في الجنون جعلك تخاف على عقلك فتحافظ عليه.. وعدم رغبتك في المرض جعلك تخاف على صحتك.. وعدم رغبتك في فوات مواعيدك جعلك تخاف عليها، فكل ما ترغبه فأنت ترغبه لخوفك من نقيضه، فسرعتك سببها الخوف من التأخر، وعدم سرعتك هو خوفك من السرعة، ودعني بالمناسبة أزف إليك حقيقة قد تكون غائبة عن ذهنك، وإليك بها تساؤلا: فمتى كانت القاعدة الحياتية هي «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل؟»، «فآه يا خوفي!» من أن ذلك يا قارئي العزيز خطأ فادح، ولماذا..؟! لأن قاعدة الحياة هي «ما أضيق العيش لولا فسحة الخوف!».. فالخوف مما قد يجلبه نقيض الأمل هو السبب الأول في تشبث الإنسان بالأمل.
إنها كذلك ليست «المشقة» تلك التي اعتقد الشاعر «المتنبي» بحيلولتها ضد سعي كل البشر نحو السيادة، وذلك في شطر بيته القائل: «لولا المشقة ساد الناس كلهم..»، إنها ليست المشقة بل «المخافة»، وقد اشتققتها هكذا «خوفا!» من أن «ينكسر» البيت الشعري هذا.
فهل تتخيل كم هي مخيفة الحياة في حال خَلَت الحياة من الخوف.. ؟! فلو خلت الحياة من الخوف لخلت الحياة بخلوه من البشر، حيث إنه لولا «الخوف» الذي تم تأصيله في كيان الإنسان، لأكل الإنسان الإنسان، وبالتالي لانقرض الناس جميعا: الآكل غير الخائف والمأكول «غير اللذيذ!». فالحياة بدون خوف تصبح غابة مخيفة، ولولا الخوف لما سارت الحياة.
وبما أننا اتفقنا على أن الحياة «سيارة» فبالتأكيد أننا نتفق على أن وقود الحياة السيارة هو «الخوف».
فالحياة هي المراوحة بين الأمل والخوف من فقدان الأمل..، هي الجيئة إلى ما لا يخيف خوفا من الذهاب إلى ما يخيف.
إنها عجلة خوفا من بطء، وبطء خوفا من عجلة.. وظيفة خوفا من بطالة.. تستر خوفا من فضيحة.. أكل خوفا من جوع.. شرب خوفا من عطش..، وهكذا تطول قائمة الحقيقة الماثلة في أن «الحياة الخوف»، وهذا يعني أن الحياة ليست كما نعتقد موزعة على ثنائيات أوأطراف ثنائية متناقضة، من قبيل الحب والكراهة.. والجوع والشبع.. والكرم والبخل، بل إن الحياة موزعة على ثنائيات يقبع بينها «شيء ما».. وذلك هو الخوف، وهذا بالتالي يجعلها مكونة من «ثلاثيات»، أو فلنقل الحياة «مثلوثة».. تلك التي تهرع إليها لسد رمقك خوفا من ماذا؟!.. «عليك نور!» .. أحسنت.. فلقد هدأت من مخاوفي..حيث كنت خائفا من أنك لن تقول أن «الجوع!» هو الذي قد أخافك فجعلك تهرع خوفا من الجوع إلى المثلوثة!.. إنها هكذا تبدو الحياة شريطة أن تمنح نفسك فرصة للتمعن في حقيقتها.. وبالمناسبة فلماذا التمعن..؟! دعني أخمن.. بالتأكيد «خوفا» من شرود ذهنك.. ! بل إن إمساكك الآن بتلابيب الجريدة «هكذا!» هوخوفك من سقوطها من يديك.. وتقريبها إلى وجهك «هكذا!» هو خوفك من عدم رؤية ما تقرأ عن الخوف.. والمسافة التي تحتفظ بها بين ناظريك والجريدة سببها خوفك على نظرك.وهكذا يبدو الخوف طرفا ثابتا في معادلة رحلة «الخوف من الخوف».. فصدقني أن الحياة هي الخوف، وصدقني أيضا أنني أكتب هذه المقالة متأخرة عن موعدها المحدد، مما يعني أنني أكتب عن الخوف وأنا «خائف!» من رئيس التحرير الخائف هو الآخر من تبعات عدم وصولها في موعدها المحدد..!!
|
|
|
|
|