| مقـالات
قد يدفع العرب، والمسلمون بالضرورة، ثمناً باهظاً في المستقبل إن لم يكن لهم دور آني فاعل في التأثير على المعالجة الغربية غير الموضوعية لتداعيات تفجيرات نيويورك وواشنطن. وهذا يعني أن نفتش عن اليهود وراء كل الحلول والإجراءات السياسية والعسكرية والاقتصادية والمعلوماتية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية فيما تسميه بمعركتها ضد الإرهاب الدولي وتنضم إليها بقية دول الغرب طوعاً أو كرهاً. والساحة الإعلامية هي الساحة الحقيقية للصراع التي تتستر عليها كل التحركات الغربية الراهنة، وإن كانت مؤشراتها بإلصاق تهمة الإرهاب بالشخصية العربية وتشويه سمعتها وإفرازاتها السيئة المستقبلية لا تخفى على من حباهم الله نعمة التبصر والوعي. وهي مؤشرات لا تحترم الأنظمة الداخلية للدول العربية والإسلامية أو الأنظمة الدولية، وتدين المتهم قبل أن يثبت الادعاء عليه، فضلاً عن كون الادعاء المعلن شعاراً لأهداف استراتيجية مشبوهة.
وهذا التصرف الممجوج يتطلب أن يكون لنا موقف حازم في عدم خلط الأوراق. نحن، كعرب ومسلمين، ندين الإرهاب ونرفض إزهاق الأرواح الآمنة إيماناً منا برسالة الإسلام في واقعها المبدئي الذي تمرغ برؤى سطحية أتاحت لغير المسلمين ممارسة إهانتنا بالدفاع المسموم عنها، فأضافت المهانة إلى الجرح. إدانة الإرهاب ورفضه لا تعني أننا لا نمتلك الحق في تفسير أسبابه واستحقاقاته وطرح رؤية موضوعية للأسلوب الأمثل للقضاء عليه تحول دون تمكين الغرب من استغلاله غطاءً للقفز على أهداف أخرى تخدم مصالح غربية استراتيجية مستترة، وأن نصدع كلمة الحق في التفريق بينه وبين حق الدفاع عن الأرض والعرض. وهذه إشارة واضحة لا تحتمل الخجل أو المواربة إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يمثل إراهباً حقيقياً تمارسه دولة إسرائيل على شعب فلسطين الأعزل بمباركة ودعم الولايات المتحدة الأمريكية، التي يُتخذ فيها قرار المباركة والدعم لإسرائيل بتأثير مباشر من اللوبي اليهودي فيها. خمسة ملايين يهودي في الولايات المتحدة الأمريكية يمسك زعماؤهم بزمام القرار الاقتصادي والسياسي والعسكري والمعلوماتي فيها، ويفرضون رأيهم على بقية سكانها البالغ عددهم نحو 260 مليون شخص عن طريق سيطرتهم على مواقع القرار السياسي والإعلام الأمريكي بشكل خاص.
أي معادلة تعيشها الولايات المتحدة الأمريكية وتغفل عنها؟ إنها قسمة ضيزي تقوم بها حفنة من اليهود وتقبل بها الولايات المتحدة الأمريكية دون أن يخرج منها رأي عاقل يحدد هذا الخلل ويفكر في تصحيحه. هل هذه هي قوة يهودية أم ضعف أمريكي تمكن منها وجعلها آلة صماء طوّعها اليهود لإدارة أموالهم التي تدير اقتصاد العالم وتتحكم في استثماراته؟ في المقابل، لم يتمكن اليهود في العالم كله، وعددهم 5.13 مليون شخص، طوال عهود الزمن كلها من السيطرة على رأي وقرار العرب والمسلمين، على الرغم من ضعفهم وتشتتهم. أليس هذا دليلاً كافياً غُيِّب العقل الأمريكي عنه ولم يدرك أن تفوق اليهود لم يتحقق إلا بسبب ضعف الولايات المتحدة الأمريكية واستسلامها لضغط اللوبي اليهودي؟ أليست هذه محنة حقيقية أن يستلهم اليهود قوتهم من الضعف الأمريكي؟ ألم يدفع الأمريكيون ثمن هذا الضعف وهم يباركون ويدعمون إرهاب معقل اليهود في إسرائيل؟ كيف يخلط الأمريكيون أوراق الإرهاب وتغيب الحكمة عن ردع إسرائيل؟
اللوبي اليهودي لا ينظر إلى المصلحة الوطنية للولايات المتحدة الأمريكية بل يرسم ويخطط لسيطرة يهودية على اقتصاديات العالم تبدأ من الولايات المتحدة الأمريكية ولا تنتهي الى حدود. وهذا التفكير المادي لليهود هو ما جبلوا عليه على مر الزمن وأفصحت عنه قصصهم وتصرفاتهم. قد لا يهمنا، كعرب ومسلمين، ماذا يرضى الأمريكيون لأنفسهم إلا بالقدر الذي نتأثر به من قراراتهم الدولية التي يحيكها اليهود لهم وهم في غفلة من أمرهم. وهي قرارات قد تأخذ صوراً سياسية أو عسكرية أو معلوماتية ظاهرة، إلا أنها تحمل في بعدها الاستراتيجي طويل الأجل خطة لسيطرة اقتصادية على العالم يعمل اليهود على أن تكون مفاتيحها بيدهم.
الضعف الأمريكي الواضح أمام اللوبي اليهودي يمكن أن يكون مدخلاً عملياً لبناء استراتيجية عربية إسلامية طويلة الأجل تهدف إلى خلق قوى ضغط «لوبي» عربية إسلامية للتأثير على والمشاركة في القرار الأمريكي استثماراً للتجربة اليهودية واستغلالاً لقدرات وإمكانات العالم العربي والإسلامي التي لا يمكن مقارنتها بمثيلاتها اليهودية. لم يصل اللوبي اليهودي لهذه القوة الضاغطة على القرار الأمريكي بين عشية وضحاها، بل تمكنوا من توجيهه بعد جهد منظم استغرق عقوداً من الزمن. لنبدأ من الآن إدراكاً للمثل الأمريكي بأنه لن يكون متأخراً جداً. إنه من السذاجة أن ننتظر حتى يكون القرار الأمريكي الموجه لصالحنا، وإنه لمن المؤسف أن نجعل من الولايات المتحدة الأمريكية ملاذاً نقف على أعتابه نسترحمها لترحم ضعفنا وتعيد حق أهل فلسطين. لابد وأن نعي الواقع ونتعامل معه بموضوعية وعقلانية ومنهج علمي وندرك آلية اتخاذ القرار الأمريكي وندرس الشخصية الأمريكية ونفك شفرتها الإعلامية بكفاءة مهنية، ونبدأ خطوة الألف ميل قبل أن يفقدنا التخاذل القدرة على الثبات، ناهيك عن الانطلاق، في زمن لم تعد فيه فسحة للانتظار.
' رئيس دار الدراسات الاقتصادية الرياض.
|
|
|
|
|