أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 25th October,2001 العدد:10619الطبعةالاولـي الخميس 9 ,شعبان 1422

مقـالات

تدهور النقد الأدبي.. ومثال على موهبة مُجددة
صالح بن سعد اللحيدان
لعل من عجيب أناس هذا الحين، أو من عجيب كثير منهم أنهم لا يكادون يميزون بين: النبوغ، والموهبة، والذكاء الحاد، بل هم يقرنون كل هذا بمسمى واحد وبمسمى لا يزول.
بل لعل كثيراً منهم ينظرون: الجاه، وبسطة المال، وعظم المسكن، ونباهة العيت مثلا على الحظ والموهبة، والذكاء، والنبوغ، خلط غاية في سوء النظر، وخلط شائن مشين، وخلط بين ما قد يكون ذكاء معيشي «مصلحي» عميق وحسن خلق ولطافة وود لذات المصلحة بوافر من الذكاء والحذر في آن.
لقد كنت بنيت في كتاب «تراجم الرجال» ج/1، ج/3 ط/2: ان الموهبة ذات صفات نفسية مقلقة لا تتأتى لكل «ناجح» دام أمره، ولو تجاوز قرناً أو قروناً فالنباهة، وبقاء الذكر ليست دليلاً على: الموهبة، كثيرة هي: التراجم، كثيرة هي: السير، كثيرة هي: الأخبار لكنها بين تكرار ووصف ورصف وجمع من هنا وهناك.. وهنا يقع أو قد يقع الاعجاب لكاتب أو باحث أو مؤرخ فيخال من:«يترجم له» أحد الموهوبين وغره في أمره كثرة الترجمة عنه: مثلا.
لقد أطمع كثيراً من ذوي الأصالة ولقد كنت كذلك أبداً بأن ينحو ناحية التجديد في الترجمة لا على غرار نظر سوابق سلفت من المترجم لهم إلا على أساس الإضامات التي لم يسبق إليها غيرهم على تجرم سلفت من قرون خلت.
لقد كنت أطمع ولم أزل أيضا في هذا خاصة من ذوي الرجولة والفحولة في النظر والبحث والتنقيب بأن ينقبوا حثيثا حثيثا عن عالم أو مؤرخ أو ناقد أو أديب أو لغوي أضاف وجدد.
وإذا كان العلماء المجددون هم قصد العالمية في الساهرة فإن الاهتمام بهم ضرب حر مباشر أن يترجم لهم خلصاء المترجمين بسابقة لاحقة قاصبة راكدة، لا على أساس العرض، ونقل ما قالوه أو كتبوه، أو بينوه إنما لكشف: تجديدهم، لكن بعد نظر وطول تأمل واسع المدرك، فالعلماء ليسوا سوى، وليسوا نسقاً واحداً وليسوا كذلك في مسلك واحد.
ولهذا نجد: كبار الموهوبين من المترجمين من سنة 70ه حتى 800ه أضافوا عن العلماء بما يخاله أحد أنه كان منهم لولا فضل الله تعالى ثم بذل المترجمين الأفذاذ.
وعوداً على بدء أجلب نظيراً نظيراً موهوباً صنعه بيته ثم من بان لهم موهبة من صديق وشيخ ومرب وصادق نية من باذل وناصح غير شاح.
إلا إنني أود بيان أمر مهم له علاقة متينة بالصاق صفةعلى من لا يستحقها، وهذه الصفة التي أذكرها الآن قد طغت حتى أصبحت رسماً على علم بل ان كثيرا من الباحثين والدارسين قد يجعلونها باباً لاصقاً بالموهبة تلك هي: الرصانة/ وحسن الأدب/ والتأني/ والتماسك/ وكثرة الانتاج أو قوته مع صلابة الطرح في أحيان كثيرة.
هذه الصفة أو الصفات ليست من علامات الموهبة في شيء لكنها تطلق اشعاعات نفسية خفية تجعل المقابل يعجب بهذا الشخص حتى ليخيل اليه انه سيد الموهوبين.
كلا.. ليدرك الناس ويدرك ذوو الاختصاص ان هذه صفات جيدة عالية الجودة، وهي صفات نفسية كبيرة من علامات الذكاء وأحيانا «الذكاء المصلحي».
فلا يحسن تهويل فرد ما أو شخص ما له مكانته مهما كانت ان يكون: موهوبا بمثل هذا والموهبة ليست: سرقة لفكرة كتاب أو السطو على رأي سلف أو التلاعب بعقول البسطاء من خلال الانتفاخ والورم والجرأة في الاستاذية هنا وهناك.
ومع تفتح الناس على عمليات كثيرة من: السطو الثقافي والفكري والأدبي والشعري والعلمي كذلك إلا أنه يبقى تحرر العقل من: الببغاوية هو المراد في زمن أمة الاسلام أحوج ما تكون الى.. الأصالة، والتنظير في كل المجالات خاصة ما تحتاجه الأمة في مجال العلم والبحث والثقافة والأدب والنقد.
ولا خير بعد هذا أن أجلب: ترجمة ميسرة عن: موهوب أضاف وبذل أحيلها من كتاب «بلوغ المرام من أدلة الأحكام» كما رسمها الشيخ الأستاذ محمد بن حامد الفقي، والفقي غني عن التعريف في حله وترحاله.
وسوف أناقشه عند «الاقتضاء» في تعاليقه على: الكتاب فيما يتعلق بنظرة الكريم في الهوامش.
يقول الفقي عن هذا السيد الموهوب وكنت قد بينت شيئا سلف يقول:«ولد الإمام ابن حجر في 12/شعبان/ 773ه/ بمصر ونشأ بها بعد ان ماتت أمه، ثم رباه أبوه في غاية العفة والصيانة، ولم يدخله أبوه الكتاب إلا بعد استكمال خمس سنين. فأكمل حفظ القرآن وهو ابن تسع وحفظ العمدة، والحاوي الصغير، ومختصر ابن الحاجب الأصلي، وملحة الاعراب وغيرها، وأول ما اشتغل في بحث العمدة في صغر سنه على:
الجمال بن ظهيرة/ بمكة.
ثم على الصدر الأبسيطي/ بالقاهرة شيئا من العلم.
وفتر عزمه لفقد من يحثه على الاشتغال الى ان استكمل سبع عشرة سنة، فلازم أحد أوصيائه العلامة الشمس بن القطان في: الفقه، والعربية، والحساب وقرأ عليه كثيراً من: الحاوي.
وكذا لازم في الفقه والعربية: النور الآدمي وتفقه: بالأنباسي، وبالبلقيني مدة، وحضر دروسه الفقهية، وقرأ عليه قطعة من شرحه ومن كلامه على حواشيها، واختص بإبن الملقن وقرأ عليه قطعة كبيرة على: المنهاج، ولازم العز بن جماعة في غالب العلوم التي كان يقرؤها من سنة 790ه الى ان مات سنة 819ه، وعلق عنه بخطة أكثر شرحه «لجمع الجوامع». وحضر دروس الهمام الخوارزمي، وغيره.
وأخذ اللغة عن: المجد الفيروز آبادي صاحب «القاموس» والعربية عن: الغماري والمحب بن هشام والقراءات بالسبع على البرهان التنوخي، وجد في الفنون من بلغ الغاية القصوى، وحبب الله تعالى اليه علم الحديث النبوي فأقبل عليه بكليته وأول ما طلبه سنة 793ه. لكنه لم يكثر الطلب إلا في سنة 796ه فإنه كما كتب بخطه رفع الحجاب وفتح الباب وأقبل على العزم المصمم على التحصيل ووفق للهداية الى سواء السبيل، فأخذ عن مشايخ ذلك العصر، ولازم: الزين العراقي عشرة أعوام وانتفع بملازمته، وقرأ عليه الكثير من: مؤلفاته وغيرها، وارتحل الى البلاد الشامية والحجازية وأكثر جدا من السموع والشيوخ، واجتمع له من الشيوخ الذين يشار اليهم مالم يجتمع لأحد من أهل عصره، وأذن له شيوخه في: الافتاء والتدريس، وتصدى لنشر الحديث وعكف عليه مطالعة واقراء وتصنيفاً وزادت تآليفه التي أعظمها في علوم الحديث على «مائة وخمسين» تصنيفاً، رزق فيها من السعد والقبول خصوصاً «فتح الباري» ب«شرح البخاري» أمراً عجباً واعتنى بتحصيل تصانيفه كثير من شيوخه وأقرانه فمن دونهم، وكتبها: الأكابر، وانتشرت في حياته وقرأ الكثير منها الى قول الشيخ المسدد الفقي في ص ل من الترجمة على «بلوغ المرام». «ثم عزل في 8/ محرم/ سنة 849 بسبب وشاية بلغت السلطان ثم أعيد في 5/صفر/سنة 850 ثم انفصل بعد سبعين يوما واقلع عن: المنصب، وزهد فيه زهداً تاما من كثرة ما توالى عليه فيه من: المحن والانكاد بسببه».
ثم قال:«وقد أفرد كثير من العلماء والحفاظ التصانيف في ترجمة الحافظ وأحسنها كتاب:«الجوهر والدرر في ترجمة الحافظ ابن حجر» لتلميذه العلامة السخاوي ويوجد منه بدار الكتب السعودية نسخة مأخوذة بالفوتوغراف عن الأصل الموجود في «باريس». أ.ه.
ابن حجر موهوب ان جاء ا لموهوب، وفذ إذا ذكر الفذ، وسيد كبير إذا تزاحم السادة الذين أخذوها فضلا من الله ثم بالجهد والبذل والسهر والمشقة ونبذ الحسد والحقد ودس القول من هنا وهناك هو كذلك لأنه ترك حاسديه يلوكون الوشايات كل حسب خسته وطريقته ودهائه وشعره ونظمه وقضه وقضيضه وسره وعلانيته، وغمزه ولمزه وهمزه. ليس هو: بالمعيشي أو كثير الاختلاط أو التودد المصلحي ومن هنا استغل حاسدوه هذه النقطة فأفلحوا بشيء من «تأويل كلام ما قصده» لكنهم واجهوا: علام الغيوب، ومالك الملك فأشغلهم وأشغله، وفرق بين هذا وذاك فسبحان اللطيف الخبير. ابن حجر موهوب كما ذكرت في العدد من هذه الرديفة لأنه صبر وصابر وهذا أمر عظيم كلا.
لكنه أضاف مالم يكن من قبل متجنباً مجرد النقل وتجنب لطش المعاني لينسبها الى نفسه وتجنب التكرار واستعمال العقل ليترك الاجابة، وتجنب التسلط بدهاء ومكر، تجنب كل هذا وفتق أبكار القواعد ثم أضاف، تدبر:«فتح الباري» بعين مطمئنة وذهن صاف وعدل نجيب حر كريم، وطالع اضافاته على ما ذكره: النووي، والكرماني وسواهما كثير من كبار العلماء النابهين تجده في تحريره واجتهاده اجتهد بما تحتاجه الأمة إذ لم يجد أحد شيئا قاله ابن حجر قد قيل قبله بكثير من النظر المستقل الألمعي في كثير من المسائل الاجتهادية.
وابن حجر موهوب فقد كان قليل الكلام يكره ان يُعظَّم أو أن يمشى في: ركابه وكان حذراً من الخطأ في حق الآخرين ولذلك ترك حاسديه يعيشون بدنياهم ويلزم هو: الصمت لكنه كان ذا دعاء فقد ضره الظلم، وابن حجر موهوب فهو: حساس يدرك بحاسة سادسة ما قال هذا وذاك ولو فرشوا له القناطير المقنطرة. وما دام قد ترك لهم ما أرادوا فقد تركوه لكنهم في حذر بأن يبزهم فكانوا يتعاملون معه بالرسميات والصد فكان كثيرا ما يقول «حسبي الله ونعم الوكيل» لكن حين يكون في: ظلمة الليل مع بكاء وأنين ورعدة فالظلم سيئ لأنه يحرم المرء حياته حسها، والمعنى أشد.
وترجمة الامام «السخاوي» المتقدم ذكره للامام ابن حجر غاية في وجوب الاطلاع عليه. وإذا كان الأمر كذلك وابن حجر إمام في: «الجرح والتعديل» و:«أحوال الرواة» يشهد له بهذا كتاباه «تهذيب التهذيب» و: «تقريب التهذيب» فقد يكون من الأحسن للنقاد في مجال: الآثار العلمية الشرعية ونقاد الثقافة، ونقاد الأدب العربي ان يعولوا عليهما بلازم نظر مقدمة: صحيح مسلم، ومقدمة «ابن الأثير الجزري» «جامع الأصول»، وكذا:«أدب الكاتب» لابن قتيبة، و«تاريخ الأدب العربي» و«وحي القلم» للرافعي.
ذلك ان النقد منذ دخول الاستعمار وبقاءه فكريا وثقافيا الى اليوم في كثير من: الوطن العربي جلب مصائب كثيرة منها: الانبهار وسرقة المعاني والترجمة الفجة، ونقل الثقافة بمعانيها السيئة من تفسخ وحرية لا أخلاقية.
فالنقد ولا جرم يحتاج الى نظرة جديدة صابرة حرة محتسبة ذات قدر جليل من الأخلاق الرفيعة بالبعد عن: السطو ولو بنقل المعنى والبعد عن: التعاظم، ودعوى التفرد، والبعد عن استغفال الناس بصورة ما، وابداء التجديد بنزاهة صادقة ورعة خيرة، وهذا الابداء مطلب كل ينشده لكنه لم يكن إلا في ذهن خاطب ليلى، وناطح صخرة الأعشى ومواعيد عرقوب، وتمنيات، مريض اليقظة، النقد نفسه نزيه حر كريم لا يتأتى لكل أحد وان ادعاه وأكثر وردد وندد وهدد وبدد وجرد ومدد.
كلا.. فهو موهبة ربانية عالية القدر جليلة القيمة لا ينفع ادعاؤه ولا يرتقي بادعائه ناشد التعويض فهو كحر يقذف كبده ليموت حينما يصطاده من لا يُحسن صيد الحر من الجوارح في أعالي الجبال السليمة من غبار التقليد والادعاء.
نظرة متأنية «وخلال ترك» نظره لما كتبه من ذكرت آنفاً عن النقد توجب حتى من ينشدون التعويض سيلا من الخير قد يثير لهم أمراً حسناً ينير طريقاً ما كانوا قد ظنوه من قبل.
«الإجابات الخاصة»
أ.م. الديري/ج.م.ع.. القاهرة:
وصلني خطابك عن: أهمية شعراء الجاهلية الذين تحنفوا، وصلك الله بهداه وتقواه، أما «قريش» ومن كان معهم، فهم لم يعارضوا النبي صلى الله عليه وسلم تدريجيا من: ساحر الى شاعر الى كاهن الى كونه يعلمه بشر ليصلوا الى رد رسالته أصلاً ورد دعوة التوحيد الخالص.. كلا.
فهذه مقولة جهال المتلقين عن: الآداب الغربية لكن بحماقة واضحة إذ يدل كلامهم هذا على جهل عميق بطبيعة النفور الوثني في صوره كلها من الرسالة، فكونهم لم يسيروا على «نسق واحد» هذا لأن الدعوة جديدة عليهم، وهم كانوا يقولون ما يعتقدون إلا نفرمنهم كان للعصبية والحسد وحب الترؤس كان لهذا فيهم أوفر نصيب.
ومن كان يظن أنه لا يُعلم عنه شيء فقد تم العلم به خاصة فيما نزلت سورة «الشعراء» و«براءة».
واليوم يعلم غالبية الناس حقيقة وضع التلقي ونقل المعاني من شخص الى شخص آخر يدعي ما يدعي لكن ما كل ما يكون يكتب لعلم العقلاء خاصة بعد التوسع بدائرة الانترنت ان كل قيمة أدبية أو بذل جديد أو نظرية.. أو.. أو.. إنما يعود كل شيء الى أصله وان مر زمان يبقى فيه المدعي في عيبة عن الكشف السطوي لفقدان نزاهة النقد كصفة على موصوف لا يقوم،
ومهما يكن الأمر يا أخ: أ.م. الديري، فإن النقد غائب بغيبة الموهوب النزيه الذي يحرر التبعية بعمق متدارك ويلهمه الله تعالى حقيقة حاجة الأدب بفروعه الى التقويم، ونبذ التعالم ومركزية التفرد اللذين جاءا بعلة تقمص الشعر وسواه من كل حدب وصوب حتى انك لتجد الاقتباس من الشعر الغربي والأوروبي ونسبته الى النفس بوقاحة، كأن تغيير اللفظ وابقاء أجزاء المعاني يلفت النظر عن السطو، وان كان النقد وادعاء ابتداعه بدا يأخذ بارنويا جديدة، لكن أصب لومي على محرري الصفحات في الصحف والمجلات والنشرات والندوات أنهم يغفلون عن هذا وهو بحد ذاته من السوء بمكان يكن وهذا كذلك ما دعاني ودعا نفراً قليلاً من مصر والأردن وسوريا وهنا وهذا ما دعاني الى: الاقلال جدا من الشعر ما يردني من: إلحاحات كثيرة مهمة غالية عليَّ لكتابة قصيدة ما.
أفليس النقد متدهوراً؟!!
«ارجع البصر ينقلب اليك البصر خاسئاً وهو حسير».
ينقلب اليك في كرباتٍ
والليل البهيم
مُتحسراً..
أين صبح جديد..؟

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved