| مقـالات
إن ما حدث في نيويورك وواشنطن صبيحة يوم الحادي عشر من سبتمبر الماضي حدث مروِّع فاق قدرة الإنسان على توقع حدوثه وأذهل كل مشاهد ومراقب، وزاد من شدة الذهول أنه وقع في بلاد اعتقدت أنها بحجم ما تملكه من قوة الحماية العسكرية والأمنية لا يمكن لمثل هذا الحدث أن يقع فيها، وهذا ما جعل ردة فعل أمريكا على المستويين الرسمي والشعبي يكون قوياً وعنيفاً وقد يستمر تأثيره لسنوات طويلة قادمة وحجم التعاطف الدولي معها كبيراً حتى من تلك الدول التي لا تتفق معها في كثير من سياساتها.
وكانت المملكة من أولى الدول التي أعلنت استنكارها وشجبها لذلك العمل الإرهابي البشع حتى مع ورود ما ادعته حكومة الولايات المتحدة بأن بعض الضالعين في تنفيذ هذا العمل الإرهابي هم من السعوديين، وسرعة الدوائر الرسمية الأمريكية إلى نسبة ذلك العمل إلى العرب والمسلمين.
كان موقف المملكة من استنكارها لهذا العمل الإرهابي أيّاً كان مصدره وأيّاً كان منفذه، مردُّه إلى موقفها المبدئي من الإرهاب، وهو موقف ربما تكون من أولى الدول المتبنية والداعية إلى محاربته بكل الوسائل، وهو موقف ينبع من عدة اعتبارات:
أولاً: إن الإرهاب يتعارض مع قيم وروح الدين الإسلامي الذي يحرم ترويع النفس أو سفك دماء الأبرياء المسالمين أيَّاً كانت ملَّتهم أو جنسيتهم.
ثانياً : المملكة من الدول التي اكتوت بنار الارهاب حيث تعرضت أراضيها ومدنها ومواطنوها ومقدساتها لحالات إرهابية متعددة، كان أكثرها بشاعة ما قامت به طغمة ظالمة من عتاة الارهابيين استولت على الحرم المكي الشريف في مكة المكرمة في صبيحة أول يوم من شهر محرم 1400ه في عمل إرهابي هو الأول والأخطر من نوعه في التاريخ الإسلامي، ويفوق تأثيره وخطورته ما حدث في نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر والمؤسف أن هذا العمل الإجرامي الشنيع الذي حدث في مكة قامت به طغمة من الفئة المتطرفة التي اتخذت من الإسلام سُلّماً لتنفيذ عملها الإرهابي، ومن المؤسف أن المتهمين في تنفيذ جريمة نيويورك وواشنطن هم امتداد لنفس الفئة التي ينتمي إليها الطغمة التي نفذت جريمة الحرم الشريف.
ولم تكن فتنة الحرم هي الأخيرة في سلسلة الأعمال الارهابية التي تعرضت لها المملكة العربية السعودية بل تعرضت لحملات وعمليات إرهابية متعددة خلال العشرين السنة الماضية كان آخرها تلك السلسلة التي نفذها بعض من الجنسيات الأوروبية في كلٍّ من الرياض والخبر ولايزال التحقيق جارياً في معرفة أسبابها ودوافعها، وهذا دليل بأن الارهاب ليس حكراً على المسلمين والعرب كما يدَّعي البعض، بل الإرهاب جرثومة خبيثة يمكن أن تنمو في أي مجتمع وليس له دين ولا جنسية.
من موقف المملكة العربية السعودية الحريص على أمنها واستقرارها وسلامة مواطنيها والمقيمين على أرضها وسلامة وأمن الأمتين العربية والإسلامية والعالم أجمع من أخطار هذه الآفة.. تبنت سياسة متشددة في محاربة الارهاب، وكان مهندس هذه السياسة وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز الذي نجح في مساعيه باستقطاب وزراء الداخلية العرب إلى توقيع اتفاقية عربية لمحاربة الإرهاب ولعلها أول اتفاقية اقليمية على مستوى العالم في هذا المجال، اتسعت دائرة الاستقطاب لتشمل كافة الدول الإسلامية التي وقعت معاهدة إسلامية لمحاربة الارهاب، وبهذا فلقد كانت الدول العربية والإسلامية هي أول تجمُّع عالمي، يمثل ما مقداره أكثر من ربع سكان العالم، تتخذ اجراءات صارمة من خلال توقيع اتفاقيات ملزمة تحرم فيها الإرهاب، ومحاربته بكل الوسائل.
ومن المؤسف أن المملكة قائدة محاربة الارهاب في العالم توجه إليها ظلماً وعدواناً، وسائل الإعلام الغربية حملة شرسة ملفقة لها التهم بأنها زارعة بذر الارهاب، ويجب الإشارة بوضوح أن الذي تباطأ في تبني ما أقدمت عليه الكتلة الإسلامية بقيادة المملكة لمحاربة الإرهاب وتبنيه كسياسة دولية هي الدول الأوروبية والولايات المتحدة التي لم تنظر إلى هذا الأمر بشكل جدِّي، بل كانت تفتح أبواب بلدانها للإرهابيين العرب والمسلمين وغيرهم المطلوبين للعدالة السافكين لدماء الناس الأبرياء المارقين على الأمن بحجج مختلفة منها حماية حقوق الإنسان ومنح الحريات، ومنحهم مكانة وقيمة لا تليق بهم وهي صفة المناضلين من أجل الحرية وهم ليسوا في واقع الأمر إلا قطاع طرق سفاكون للدماء متعطشون إلى السلطة من خلال أفكار متخلفة وعقول مغلقة يريدون أن يعودوا ببلدانهم إلى عصور الظلام، وما حركة طالبان الا مثالٌ حيٌّ لنوع الحكم الذي يريده أولئك الظلاميُّون وما هي إلا منظمة عصابات من صنع المخابرات الغربية، وما المطلوب الأول للعدالة في أمريكا المسؤول عن تفجير نيويورك وواشنطن المدعو أسامة بن لادن المختبئ في كهوف طالبان إلا صنيعة من صنائع المخابرات الأمريكية.
لم تكن أمريكا ومن التفَّ حولها من دول التحالف الغربية لتدرك خطورة إيواء الارهابيين الفارّين من إيدي العدالة في بلدانهم وتسهيل تحركاتهم وتمكينهم من استثمار الأموال من أجل الإرهاب إلا على أصداء انفجارات نيويورك وواشنطن وعلى تناثر أشلاء الأبرياء الأمريكيين، أما ضحايا الارهاب في أفغانستان وفي الصومال والسودان ومصر والجزائر وضحايا الإرهاب الحكومي المنظم على يد إسرائيل في فلسطين فأولئك ضحايا في موتهم وجهة نظر.
إن العالم الإسلامي والعربي ممثلاً في الحكومات والشعوب، إلا من لا يقيم أصلاً للإنسانية وزناً استنكروا وتعاطفوا وصلُّوا من أجل ضحايا نيويورك وواشنطن. لأنهم ينتمون إلى أمة عظيمة دينها الإسلام، وهو دين للإنسانية كافة، دين محبة وسلام، دين يحرم الاعتداء على الإنسان وكرامته ويصون دمه وعِرضه وماله وكافة حقوقه، لا يميِّز في هذا بين من كان على دين الإسلام أو من هم على دين آخر، وما مرتكبو جريمتي نيويورك وواشنطن الا مارقون على تعاليم الدين الإسلامي الحقيقة، ولا يمثلون الإسلام ولا يمتُّون إليه بصلة وما يتعرض له الإسلام كدين سلام من حملات إعلامية ظالمة نتيجة لحوادث نيويورك وواشنطن التي استغلتها القلة المتنفذة في مراكز صناعة الإعلام الأمريكي من الصهاينة وأنصار إسرائيل ملحقة الأذى بهذا الدين وتشويه صورة الإنسان العربي والمسلم وكأنهم لم يخلقوا إلا للإرهاب ويصورون الإرهاب وكأنه صفة ملازمة للإنسان العربي والمسلم، وهذا ظلم لا يقبله أصحاب العقول ولا المنصفون من قادة الفكر وزعماء السياسة في الولايات المتحدة والعالم الغربي ولا شعوب تلك الأمم المتحضرة.
|
|
|
|
|