| متابعة
*الرياض الجزيرة:
فند معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ الهجمة الكبيرة على الإسلام وعلى المملكة العربية السعودية بخصوصها، التي تشنها مختلف وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية في العالم.
وأكد معاليه خلال لقائه بالأئمة والخطباء في مكة المكرمة، وذلك بحضور معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حمد الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، أكد أن هذه الهجمة المقصود منها ديننا والمقصود منها هذا الإسلام الذي تميزت به هذه البلاد واستمسك به ولاتها مع شدة تغير الزمان ومع شدة الضغط في العالم على أن يصير الناس إلى غير الدين.
وشدد معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ على أن واجب الخطباء والدعاة وطلبة العلم والعلماء أن يكونوا متيقظين لهذه الهجمة التي تارة تنسب وفق أقوالهم إلى الوهابية، مندداً معاليه بما يقولون بأن تلك الأفعال والتفجيرات التي حصلت تنسب إلى الوهابية على الرغم من أن المسؤولين في الدولة أعلنوا مراراً أنه لم يثبت بدليل مادي واضح أو لم يقدم دليل مادي واضح على أن هذه الأفعال قد قام بها سعوديون.
وحث معاليه في الصدد نفسه العلماء والخطباء والدعاة على الرد على هذه الهجمات بأي طريق يختارونه بتوعية الناس على ا لمنبر بحقيقة هذه البلاد، وحقيقة الدولة واستمساكها بتطبيق الشريعة بالعقيدة الصحيحة، والزمان يتغير ولا شك، ولكن الثوابت والأصول، والدولة مستمسكة بها ومحافظة عليها.
ونفى معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد كل ما جاء في هجمتهم التي يشنونها ضد الإسلام، أو ما يسمونه بالوهابية، مبيناً أن علماء الدعوة الذين تخرجوا بالدعوة لم ينسبوا أنفسهم إلى الوهابية، كما أنه لا تجد أحداً منهم يقول : إنني وهابي من وقت الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى إلى زماننا الحاضر، ومؤكداً في ذات الوقت أن الدولة أخذت بالكتاب والسنة على هدي السلف الصالح، فهي دولة تهتم بمنهج السلف الصالح الذي هو المنهج الذي يجمع الناس في سعة ولا يفرقهم لأنه فيه الاجتماع والنهي عن الافتراق، ولأن منهج السلف كان قبل حدوث الافتراق للأمة سواء كان الافتراق في الدين، أو الأهواء، أو الافتراق في العصبيات والبلدان ونحو ذلك.
وأوضح معاليه: إن الدولة تسعى إلى جمع الكلمة كلمة المسلمين في داخل بلادها وفي خارجه أيضاًَ في بلاد المسلمين مستمسكة بهذا الهدي، هدي السلف الصالح الذي هو الاعتماد على الكتاب والسنة وما قاله ا الصحابة والتابعون وأئمة السلف الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية في قوله: (خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) لأن الأهواء بعد ذلك.
وحمد معاليه في بداية لقائمة بالأئمة والخطباء في مكة المكرمة الله تعالى على ما أنعم به علينا من لزوم هذا الطريق (طريق الإسلام والسنة)، وقال: من منته علينا أن جعلنا من أهل هذه البلاد، التي يكثر فيها الخير، ويقل فيها الشر، موجهاً شكره للشيخ الدكتور صالح بن عبدالله الحميد لتفضيله بالمشاركة في هذا اللقاء المبارك، ومثنياً في الوقت ذاته على ما تضمنته الخطب التي يلقيها معاليه من وضوح في المنهج الشرعي، ورؤية صائبة في النظر إلى الواقع، سدد الله الجميع إلى ما يحبه ويرضى، وجنبنا مزلات الهوى والردى.
وبيّن معالي الشيخ صالح آل الشيخ أن هذا اللقاء يستهدف التشاور، وتذكير بعضنا بعضاً بما دلت عليه نصوص الشرع، وأرشدنا إليه هدي سلف هذه الأمة، الذين الخير في اتباعهم والشر في مخالفتهم، لأن طريقة السلف أعلم، وأحكم، وأسلم، مرحباً بالأئمة والخطباء شاكرا لهم جهودهم في مساجدهم، وعنايتهم ببراءة الذمة في أداء واجب العبادات في أوقاتها كما أمر الله جل وعلا .
وأشار معاليه إلى أن هذا اللقاء يأتي في وقت كثرت فيه الخطوب، واشتبهت فيه المسائل والوقائع على كثير من أبناء الأمة الإسلامية سواء أكانوا طلبة علم، أو من باب أولى إن كانوا من العامة، وأنه لا غرابة في أن تشتبه الأمور والخطب جلل، والناس يدركون المخرج والصواب إذا انقضت المشتبهات، ومرت الفتن، أما قبلها وفي أثنائها فلا يدرك المخرج منها، إلا البصير، لذلك قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله في وصف الصحابة والتابعين : إنهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا.
وأكد معالي وزير آل الشيخ أن الوقوف على مقتضى العلم والبصيرة النافذة التي ينطلق منها المسلم في عمله حين يعمل، أو في قوله حين يقول أو في كفه عن القول، والعمل حين يكف هذا يحتاج إلى بصيرة ونظر وتوفيق من الله جلا وعلا الأمر الذي سيكون الحديث في بعض أمور وأصول يذكر بها في كل وقت، لكن تشتد الحاجة إليها في هذا الوقت.
وفي هذا السياق، أكد معاليه على عدد من الوصايا، الأولى منها أهمية أن يذكر المرء نفسه دائماً بتقوى الله عز وجل وبلقائه وهو ولا شك صائر إما عن قريب أو عن بعيد، فالله جل وعلا سيلقاه عباده، وسيحاسب كل عامل أو قائل بما قاله، قال تعالى :(ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)، وتقوى الله جلا وعلا هي وصية الله للأولين والآخرين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية :(الرسل أجمعت على ثلاثة أمور الأول: الأمر بتقوى الله جل وعلا، والثاني الأمر بالاستغفار، والثالث الأمر بطاعة الرسول الذي أرسل إلى أولئك الأقوام.
أما الوصية الثانية، فابان معاليه أنها الخطابة لكونه مهمة شرعية، ووظيفة دينية، ولذلك يأخذ عليها من يقوم بها رزقاً من بيت المال لعينيه على أمر دنياه، ولا يؤخذ عليها اجراً، لأن العبادات لا يأخذ عليها الأجر، وإنما هي رزق وعطية، من بيت المال للإعانة على هذه المهمة، وقال :إن الخطابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له وحده لعظم شأن المنبر، ولعظم شأن الخطابة، ففي المدينة لم يكن ثم جمعة إلا معه عليه الصلاة والسلام، وكذلك في عصر الخلفاء الراشدين، لم يكن ثم مسجد يجمع فيه في المدن إلا مسجد واحد يجتمع الناس فيه على امام، وكان يلي الإمامة الوالي لجمعه بين القيادة للأمة والعلم، ثم مرّ الزمن وصار الناس يحتاجون إلى العلماء في إمامة المسجد، وفي الخطابة فيه، والخطابة حينئذ يتذكر فيها الخطيب أنه يقوم مقاماً فيها قد قامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقامه الخلفاء الراشدون، وحينئذ يعظم في نفسنا أداء الأمانة في ذلك، وأن يكون المرء في خطابته على وفق الشريعة، وعلى وفق السنة، وعلى وفق هدي سلف الأمة.
وأضاف معاليه قائلاً: إن الخطيب صاحب مقال يتحرك لسانه بما يقوله، واللسان أمره شديد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ المشهور :(كف عليك هذا، قال: يا رسول الله أو إنا مؤاخذون بما نقول، قال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على مناخرهم، أو قال على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)، وفي الحديث الآخر الذي في الصحيح قال :(إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يهوي بها في النار سبعين خريفاً)، وهل انتشرت الديانة والسنة بل انتشر نور الاسلام، إلا بنقل كلمة الله باللسان، فوعتها الآذان، فوعتها القلوب فانطلقت متحركة بهذا الدين على الصواب والسنة.
واشار معاليه إلى ظهور الفتن والاهواء المختلفة والفرق الضالة، مرجعاً ذلك إلى الكملة وتحريك اللسان بما لا يتبين فيه أهله أنهم على صواب في ذلك الأمر موافقين فيه الكتاب والسنة، وهدي الصحابة ، وقال: إن الزمن وقع بالكلام غير المعتمد فيه على الكتاب والسنة، وبراءة الذمة، واتباع هدي سلف الأمة، ولا يقي الإنسان من الإثم في ذلك أن تكون نيته حسنة، أو أن يكون مقصده طيباً، أو أن يكون كثير التعبد والغيرة لله جل وعلا، فقد جاء مثالاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه رجل يا رسول الله اعدل قال: ويلك من يعدل إذا لم أعدل، وقال: أعطيت فلاناً كذا وكذا فأعطني، واعطاه عليه الصلاة والسلام ثم لما تولى قال : (يخرج من ضده هذا أقوام يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية).
ومضى معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ يقول: وفي عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه انتشرت الأهواء وخاصة الخوارج وما هم عليه، انتشر بالكلام، وتناول المقال، مع شدة غيرتهم على الدين، وشدة عبادتهم، لكن ليس الشأن في شدة الغيرة، ولا في شدة العبادة، ولكن الشأن في موافقة الصواب، ولهذا قال الحسن البصري رحمه الله تعالى لما سئل لماذا كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل تعبداً وقد سبقوا ومن بعدهم من التابعين أكثر تعبداً وصلاة وقياماً، وكانوا بعده، فقال الحسن كلمة حسنة في ذلك قال: قد تعبد الصحابة، والآخرة في قلوبهم، وهؤلاء يتعبدون والدنيا في قلوبهم، فذاك الذي قدم اولئك، وهذا الذي آخر هؤلاء، وهذا كلام حسن في بابه لمن تأمله، فرعاية للسان أمر مهم جداً، فباللسان والخطابة، وما يقوم مقام اللسان من الكتابة، يحصل نشر الخير، وبهم قد يحصل إذا تولاه من لا يستبينه، قد يحصل ضد ذلك، كما حصلت الأهواء المختلفة.
واسترسل معاليه قائلاً : لهذا عظمت التبعة في أن يكون الخطيب وطالب العلم متبيناً فيما يقوله، وليس الشأن أن نكثر الكلام، ولا أن نكثر تفصيل المقال، ولكن الشأن أن ننجو في مقالنا أمام الله جل وعلا والنجاة في اتفاق العلماء، تكون بالرجوع إلى اليقينيات، فاذا جاءت المشتبهات فيعرض المرء منها، إلا إذا أدى حقها في الرجوع إلى المحكم، وإرشاد الناس إلى المتيقن، ولهذا قال جل وعلا (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات، هن أم الكتاب، وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله)، وقال الله عزا وجل هنا إنه جعل من الكتاب ما هو محكم وما هو متشابه، والمحكم ما استبان معناه وما ظهر، والمتشابه ما تشابه واشتبه معناه علي أكثر الناس، فإذا كان الأمر كذلك فالناس حينئذ إذن صنفان، صنف أهل علم يسلمون بالمحكم، ويقولون في المتشابه آمنا به كل من عند ربنا.
أما الصنف الثاني، فبيّن معاليه أنهم هم الذين في قلوبهم زيغ فيبحثون للاستدلال على زيغهم في المتشابه من كلام الله جل وعلالهذا كل الفرق استدلت بنص من القرآن أو من السنة والنص بمعنى الدليل، لا بمعناه الأصولي، ولكنهم استدلوا بالمتشابه لا بالمحكم، ولو ردوا المتشابه إلى المحكم لاستبانوا الأمر هذا يظهر كثيراً إذا تغيرت الأحوال وتبدلت فإن تغير الحال ونزول المصائب للأمة أو تسلط أعداء الأمة في اشكال مختلفة هذا قد يجعل المرء، وطالب العلم أو الخطيب يجعله يصدق أول خاطر يخطر عليه من جهة الاستدلال ولا يبحث في المسائل بدقة وروية، ويوافق فيها كلام أهل العلم الراسخين وما دونوه في كتبهم.
وأبان معالي الوزير آل الشيخ أن هذا مظهر من مظاهر الزلل في هذا العصر أننا نرى الناس يسارعون في الكلام، وما أحسن قوله العلامة ابن رجب في كتابه الجليل (فضل علم السلف على العلم الخلف) قال: وصف السلف وفي وصف السلف قال: كلام السلف قليل كثير الفائدة، وكلام الخلف كثير قليل الفائدة، وهذا ظاهر في الخطب فإن الخطب كما قالت عائشة: ينسي بعض الخطب بعض الكلام في الخطب بعضا، وقد أوصت عائشة في شأن الوعظ والكلام فيه قالت: إذا وعظت فأوجز فإن كثير الكلام ينسي بعضه بعضا.
وقال معاليه: إن هذا يجعلنا نرجع إلى الأصل في أن الخطيب يجب عليه أن يرجع إلى اليقينيات من قواعد الشريعة، فيعتمد عليها عن نزول الحوادث، ومن نصوص الشرع المحكمة، وما اشتبه عليه فإنه يبرئ ذمته في أن لا يتطرق إليه، ويترك الكلام فيه إلى أهل الاختصاص من ولاة الأمر والعلماء.
أما الوصية الثالثة، يقول معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ: إن الله جل وعلا أمرنا في كتابه، وأمرنا رسوله صلى الله عليه وسلم بالمحافظة على الجماعة والنهي عن الفرقة والأمر بالجماعة، والنهي عن الفرقة جاء في آيات، وفي أحاديث، قال جل وعلا :(واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)، وقال جل وعلا :(وما تفرق الذين أتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم)، موضحاً معاليه أن هذه الأصل في الأمر بالاجتماع والنهي عن الافتراق دلت عليه السنة، كقوله صلى الله عليه وسلم :(وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله ، قال: هي الجماعة)، وفي الحديث الذي في مسند أحمد وفي غيره (الجماعة رحمة، والفرقة عذاب)، وإذا كان كذلك فإن قواعد الشرع تدل على أن وسائل تحقيق المقصد والغاية مأمور بها، كالأمر بالغاية، لأن الوسائل لها أحكام الغايات.
وأضاف معاليه في هذا الصدد قائلاً: فإذن كان الأمر بالجماعة على هذا النحو، والأمر باجتناب الفرقة على هذا النحو، فوسائل تحقيق الجماعة مأمور بها الأمر بالغاية وهي الجماعة، ووسائل حصول الفرقة منهي عنها كالنهي عن الفرقة نفسها، لأن الوسائل لها أحكام الغايات، ووسائل حفظ الجماعة أن يحفظ اجتماع الناس في الدين لأن الجماعة نوعان، جماعة في الأديان أي في الدين، وجماعة في الأبدان كما قال المحققون من أهل العلم.
ومضى معالي الشيخ صالح آل الشيخ قائلاً : ووسائل تحقيق الاجتماع في الدين واجبة ووسائل تحقيق الاجتماع في الابدان واجبة، والخطيب عليه أن يحقق الأمرين معاً، بوسائل تحقيق الاجتماع بالدين بأن يخطب ويتكلم بما دل عليه الكتاب والسنة، وما اتفق عليه أهل العلم، أو بما دلت عليه الأدلة بوضوح، أما الوسائل التي تظهر له، فليس له أن يخاطب بها الناس، لأن الناس يخاطبون بالواضحات وبما يجتمعون عليه، أما الاجتهادات، فليس مجالها الخطبة، وإنما مجالها عند أهل العلم الراسخين فيه، ليحققوا القول فيها.
واستطرد معاليه يقول: وكذلك الاجتماع في الأبدان، فإن على الخطيب أن يسعى في أن يجتمع الناس على ولاة امرهم وعلى علمائهم على ولاة الأمر فيما يختصون به من أمر سياسية الناس، وما يصلحهم في دينهم ودنياهم، وإلى التجمع على أهل العلم فيما يرجع إليهم فيه من أمر الدين وأمر الفتوى، وهذا أمر متعين على الخطيب، لأن الله جل وعلا أمرنا بذلك وأعظم ما تحقق به وسيلة ذلك الخطبة.
وأشار معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ إلى أن الناس اليوم يستمعون إلى مشارب شتى في القنوات الفضائية، وفي الاذاعات، وفي الصحف والمجلات، وقال: فإذا جاء الخطيب إلى المنبر واعتلاه وصار يردد مقال قناة فضائية، أو مقال جريدة، أو مقال مجلة، فإنه حينئذ لم يؤد الواجب عليه، لأن الناس يستمعون إلى هذه الأشياء بمبالغة في ليلهم ونهارهم، فإذا كان الخطيب يستمع أيضاً، ويبالغ ويرى إلى تلك الوسائل مثل ما يرى غيره ويصاحب ذلك قلة بحث في النص وهدي السلف، فإنه يصيب نفسه، ويصيب الحاضرين أيضاً من مقتل لأنه يجب عليه أنه اذا اشتبهت الأمور أن يرجع الناس إلى الدليل، إلى النص، إلى هدي السلف، إلى كلام أهل العلم لا أن تتحول الخطب إلى قناة أو اذاعة، أو تقرير أو موجز للأنباء.
وأما الثاني: فبيّن معاليه أن الشريعة نهت عن الفرقة، والفرقة ضد الجماعة والافتراق قد يكون في الدين وقد يكون في الأبدان، والافتراق في الدين يكون بأن يدعي إلى غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي سلف الأمة من الشركيات والمحدثات والبدع التي لا دليل عليها واضح بين.
فيجب على الخطيب أن ينهى عن الافتراق وأن يحذر أن يكون وسيلة لمخالفة الكتاب والسنة بالاخذ بقول عالم أو بقول فلان من الناس دون أن يكون معه الحجة سيما في أبواب العقائد والتوحيد والاتباع.
وقال: أما الافتراق في البدن فإن شحن النفوس بالأقوال وبالغيرة غير المنضبطة شرعاً يفضي إلى يخطي بعض الأمة بعضاً وأن يضلل بعض الأمة بعضا، وإذا ضلل بعضنا بعضا ولم ترجع إلى أهل الاختصاص كل باختصاصه فإنه حينئذ تقع المشاحنات في النفوس، وإذا وقعت الشحناء وقعت البغضاء وإذا وقعت البغضاء وقع التأويل فيحصل التفرق في الأبدان، وقد قال أهل العلم : إن سبب افتراق هذه الأمة يرجع إلى بغض الأمة بعضها على بعض وإلى التأويل، والأمر إذا اخطأ طريق الكتاب والسنة وهدي سلف الأمة وما أجمع عليه أهل العلم واليقينيات فإنه لابد أن يذهب بنفسه أو بمن يخاطب إلى أحد الأمرين إما إلى التأويل وبعده خروج عن الشرع وإما إلى البغي والعياذ بالله كأن يبغي عن ولاة الأمر ولو بالمقال أو يبغي على أهل العلم فيجعل نفسه حكماً وكأنه هو المصيب والباقون على غير الصواب.
والوصية الرابعة في هذا المقام، أوضح معاليه اننا نرى في هذه الاحداث الناس تتداول أموراً ، منها الجهاد والولاء، والبراء، وقد تكلمت في كلمة سابقة لاخوانكم من خطباء منطقة الرياض في أصل هاتين المسألتين، وأرجع الكلام باختصار في أن الجهاد شريعة عظيمة حتى عده بعض أهل العلم من أركان الإسلام ومبانيه العظام، والجهاد مثل الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج له شروط، وله واجبات، ومن شروطه أن يكون الجهاد تحت راية متميزة تحت ولي أمر يدين له الناس بالطاعة فمن شرطه أن يدعو إليه ولي الأمر، ومن شرطه أن يأذن به ولي الأمر لأنه أدرى بالمصالح ودرء للمفاسد، ويدل على هذا الحكم الكتاب والسنة والاجماع وكلام أهل العلم، أما الكتاب ففي قوله تعالى :(وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين)، فاستدل بقوله :(فقاتل وحرض) على أن الخطاب في هذا الأمر هو لولي الأمر وجاء في السنن أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد قال :(أحي والداك؟
قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد)، قال أهل العلم: دل استئدان الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم في جهاد التطوع، في جهاد النفل على أنه يستأذن ولي الأمر في ذلك.
وواصل معاليه قائلاً : والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام، مقامه مقام ولاية وليس مقام نبوة لأن أفعاله عليه الصلاة والسلام وأقواله وتصرفاته تارة ترجع إلى كونه إماماً وولي أمر وتارة ترجع إلى كونه، قاضياً، وتارة رجع إلى كونه مفتياً، وتارة يرجع إلى كونه داعية وتارة يرجع إلى كونه مصلحاً وتارة أو إلى كونه مسلماً من غير صفة أخرى، وهذا فيه الاقتداء به عليه الصلاة والسلام من كل صنف من أصناف الأمة بحسب ذلك.
وأما الإجماع ، فقال معاليه: إن أهل السنة والجماعة أبانوا في عقائدهم أن الجهاد ماض مع كان إمام ولم يجعلوا الجهاد ماضياً فقط وأن جعله تحت راية وهي راية الإمام الحق، وأضاف معاليه أن الجهاد ماض مع كل إمام، وهذا يعني أن الناس تبع في ذلك لأئمة المسلمين، وقد نص إلى أن أهل العلم من اتباع المذاهب الأربعة على أنه جاءت فئة وجاهدت بدون إذن ولي أمرها، فإنها حينئذ تكون مشاقة له ومفتئتة عليه، فلا يصوغ لأحد ، كما نص عليه العلماء أن يفتئت على الإمام بما جعله الله له من غزو أو غيره.
أما المسألة الثانية، وهي مسألة الولاء والبراء، أفاد معاليه أن الولاء والبراء هو متضمن للشهادتين، والذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن فرضتا عليه يجب أن يكون موالياً لله جل وعلا ولرسوله ولكتابه ولدين الاسلام، ومتبرئاً من الشرك والكفر، وأنواعه، وهذا فيه موالالة المؤمنين والبراءة من غير المؤمنين من الكافرين والمشركين، وقال: والنبي صلى الله عليه وسلم كان هو القدوة في الولاء والبراء فحين عاهد العهد وعقد العقد مع كفار قريش في صلح الحديبية بأنه من أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة مسلماً فإن رسول صلى الله عليه وسلم يرجعه إلى المشركين ومن أتى إلى قريش من المدينة فإن قريشاً لا ترجعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهر هذا القيم، وظاهر هذا تفضيل الكفار على أهل الإيمان في هذا الأمر، ولهذا ثارت غيرة عمر بن الخطاب رضي الله ، فقال: يا رسول الله ألسنا على الحق وهم على الباطل قال : بلى، قال فعلام نقبل الدنية في ديننا فقال رسول الله صلى لله عليه وسلم لعمر اني رسول الله واني واثق بوعد الله جل وعلا وتقدس وتعاظم.
وأبان معاليه قائلاً: أن عطاء المشركين هذا العهد والميثاق مع كونه فيه ضيم ظاهر لكن لا يخالف هذا مقتضى الولاء والبراء لأن امضاء العهود والمواثيق بما يراه ولي الأمر المسلم من مصلحة للامة فإن فيه هذا الأخذ بالعهد والله جل وعلا حث على الوفاء بالعهد، فقال تعالى :(وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) ، وقال عز من قائل :(يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعهود)، بل
لو استنصرنا طائفة من المؤمنين على طائفة من الكفار وبيننا وبينهم عهد فإنه لا يجب على أهل الإسلام أن ينصروا المؤمنين لأجل العهد الذي بين أهل الإيمان وأهل الشرك والكفر، ويدل على ذلك، كما قرره العلماء قول الله جل وعلا :« والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق».
والآية ظاهرة في أن رعاية الميثاق هي عدم النصرة في هذه الحالة إنه لا يخالط الولاء والبراء المطلوبين شرعاً.
ومضى معاليه قائلاً: وهذا ظاهر في حال الدولة المسلمة بمن نأملها في العديد من أحوالها في حال القوة وفي حال الضعف، فحال النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته هي الكمال في حال ولائه وبرائه وفي حال عهده وميثاقه.
أما الوصية الأخيرة في ذلك، يؤكد معاليه على أن أهل العلم نصوا وخاصة من علماء الدعوة، كالشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن في رسائله لما حصلت أمور مشابهة لما نحن فيه، قال في رسالة وجهها لبعض طلاب العلم:« وقد خضتم في مسائل من هذا الأمر، كالخوض في العهود والمواثيق والمكاتبات، وكالخوض في الهدايا والصلات التي بين ولي الأمر المسلم وبين غيرالمسلمين، وكالخوض في الحكم بغير ما أنزل الله عند أهل البوادي والجفاة وهذه الأمور لا يبحثها إلا أهل العلم من ذوي الألباب فإنهم الذين يعلمون التفاصيل والبيان في ذلك فإن في كل تفصيل وبيان، وقد قال شمس الدين ابن القيم رحمه الله :
فعليك بالتفصيل والتبيين كال
إطلاق والإجمال دون بيان
قد أفسدا هذا الوجود وخفف ال
أذهان والآراء كل زمان
وهذا ظاهر في سيرة أهل العلم.
وكرر معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الإيضاح أن الذين ينتسبون اليوم أو ينسبون إلى الدعوة الإصلاحية وهي دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب يقال عنهم وهابية ينسبون لذلك، أو هم يُلمزون أنفسهم إلى هذا، والانتساب للدعوة لا يصح من كل منتسب إليه أو من كل من يظن نفسه على نهج هذه الدعوة السلفية، لأن الانتساب إليها كالانتساب إلى الإسلام الصحيح، فإن كثيرين ينتسبون إلى الإسلام لكن قد يكون فيهم أهواء يخالفون بها الاستمساك بالإسلام الصحيح فكذلك الدعوة كثير ينتسب إليها لكن قد لا يكون على هدي الدعوة الصحيح وإذا كان الإمام مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من الأئمة قد قال: إذا خالف قولي الكتاب والسنة، أوخالف قولي الحديث فاضربوا عرض الحائط إذا كان هذا كلام الأوائل فأيضا علماء الدعوة قد قالوا ذلك.
فإذا ليس كل من قرأ في كتاب الدعوة أو كل من اعتمد في تأليفه على بعض مقال أئمة الدعوة الإصلاحية أو ضمن خطبته بعض كلام الدعوة أنه يصح أن يكون كلامه معبرا عن هذه الدعوة السلفية أو عن منهج هذه البلاد، لأنه لابد أن يكون موافقا لقول علماء الدعوة بكماله والناس فيما نرى يأخذون بالأشد من أقوال علماء الدعوة، أو من منهجها ويتركون ما فيه التيسير أن ما فيه التفصيل من منهجها.
وقال معاليه: لذلك وسمت الدعوة ظلماً وجوراً بسبب بعض ممن ينتسب إليها ممن لم يعرف حقيقة الدعوة نسبوا إلى التكفير لأنهم يكفرون المسلمين أو أنهم يسرفون في الدماء أو أنهم يجيزون القتل بغير حق أوأنهم من الأقوال وهذا لا شك غلط كبير على الدعوة ويجب أن تبينوا للناس وأن يتضح الأمر أن الانتساب، انتساب أهل الهوى إلى الإسلام، كثير وكذلك انتساب أهل الأهواء في هذا الزمن إلى الدعوة الإصلاحية، أيضا ليس بالقليل، فيجب أن نتبين في ذلك كما تبينا في الأمس، انتساب كثير من الفرق الضالة للإسلام فقلنا: انهم ليسوا على الإسلام والسنة انما هم من أهل الفرق، وكذلك اليوم فإن كثيرين ينتسبون إلى الدعوة بتصرفاتهم وأقوالهم ما ليس منها.
وأكد معاليه على أن المرجع في فهم الدعوة إلى فهم هدي السلف، فهم كلام أئمة أهل السنة والجماعة في عقائدهم، فهم كلام الإمام أحمد والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام البخاري، ومسلم، وابن خزيمة، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وهكذا العلماء وحتى وقت الإمام المصلح الشيخ محمد بن عبدالوهاب وتلامذته إلى يومنا الحاضر.
وقال معاليه: إن هذه الدعوة ليست اجتهادية بنقلها الآخر وإنما ينقلها الآخر عن الأول بفهم متكامل للدعوة فيجب علينا أن ننتبه إلى هذا الأصل وأن الشأن ليس في الانتساب أو النقل عن علماء الدعوة أو عن أئمة الإسلام، وإنما الشأن في صحة الانتساب وفي صحة النقل فكما أن في الكتاب محكماً ومتشابهاً فإن للسنة محكما ومتشابها، وإن في كلام العلماء محكماً ومتشابها، فمن أخذ المتشابهة من كلام العلماء ولم يرده إلى المحكمة منه فإنه يقع في خطأ عظيم ان نفهم كلام العلماء بتكامل وما اشتبه علينا من كلام العلماء فلا نصادم به النص بل نجعل الرجوع إلى الدليل لأن الله جلا وعلا يقول: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)، وإنما صحت الدعوة السلفية لأن اعتمادها على الكتاب والسنة لا بأشخاصها ولا برموزها وبأفرادها، ولهذا أخذت المملكة العربية السعودية بالدولة السعودية الثالثة بما أخذت به الدولة السعودية الأولى والثانية بالاعتماد على الكتاب والسنة وهدي سلف الأمة مع البعد عن النظر إلى مذهب معين أو الى رأي معين يخالف ما دلت عليه النصوص، وعلى هذا مشت هذه الدولة (وهو عنصر بقاء وشمول للناس لأن هذا يجمع ويصلح، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا الذي اصلح أولها).وفي ختام كلمته، سأل معاليه الله جلا وعلا أن يوفق الجميع لما فيه الرشد والسداد، وأن يجعلنا دائما من المتعاونين والمتناصحين على البر والتقوى والمتناصحين في الله جل وعلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة ثلاثاً، قلنا لمن يا رسول الله، قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)، وأن يوفق ولاة أمورنا لما فيه الخير وأن يأخذ بأيدي علمائنا إلى ما فيه النفع للأمة، وأن يوفقكم جميعكم إلى براءة ذمتكم، بسلامة قلوبكم وألسنتكم وأعمالكم مما يشينها.
|
|
|
|
|